بين جنين والعلمين.. بقلم د/ محمد البحيصي *
رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية –الإيرانية
يحدّثنا التاريخ عن ثورات وتضحيات وشجعان وأبطال افتدوا مبادئهم ومعتقداتهم وأوطانهم وشعوبهم ليأتي بعد ذلك من يسرق كُـلّ هذا، وبكل أنانية يقدّم نفسه ويجلس على جماجم الشهداء، متحدّثاً نيابة عن الجميع ومفوّضاً نفسه ممثلاً لهم وهم لا يعلمون.
ولن يعدم هذا اللص من يصفّق له، ويهتف باسمه، وينظم في مآثره القصائد والشمائل..
وهكذا ودون توقّف، يتكرّر هذا المشهد، نراه بأعيننا كُـلّ ساعة، نعرف أسماء الأبطال كما نعرف اللّصوص، ومع هذا يستمر العرض كما هي المسرحية التي تُعرض كُـلّ ليلة بنفس الأشخاص ونفس الأحداث مع فارق بسيط وهو أنّ المتفرّجين في حالتنا هم نفس المتفرجين، بينما هم يتغيرون في المسرح، ممّا يدلّل على عظم المصيبة التي نعيشها، وعلى المستوى الذي وصلت إليه المشاعر والأحاسيس من تبلّد ولا مبالاة.
بالأمس كانت (جنين) تقاتل بأظافرها وأشفار عيونها ومهج شبابها، ودموع أُمهاتها، وآلام جرحاها، وآهات أسراها، بأبطالها الذين مثّلوا اختراقاً في نمطية المواجهة وقوانين الطبيعة، بعد أن استعادوا الرّوح التي هشّمها لصوص الثورات وتجّار الدّماء.
وصنعت جنين لنفسها مجداً متجدّداً منذ أن اتخذها الوليّ الصالح القساّم مركزاً لأرواح المجاهدين، وإلى يومنا هذا، وفي كُـلّ دورات ماراثون الثورة كانت هي الأولى، ممّا استوجب استهدافها.. واستهداف روحها، فكان الاجتياح الأخير الذي كسرته (جنين) ببأسها، رغم هجوم الضباع اللّاحق.
وبقيت (جنين) نجمةً يهتدي بها المقاومون، ويأتمّ بها السائرون إلى الله في زمن التيه والضلال.
هذا الضلال الذي رأى في (العلمين) ما يستحق شدّ الرّحال، ليصرف الناس عن جنين.
مُجَـرّد الدعوة إلى (العلمين) كان هدفاً لنسخ بطولات جنين ورمزية جنين وثارات جنين.
لم يطلب أحد أن يكون عنوان (جنين) عنواناً أوحداً للقاء؛ لأَنَّها بنظرهم تقيم الحجّـة عليهم، وتفضحهم، وتكشف عوراتهم، وتسقط أقنعتهم.
وحسناً فعلوا؛ إذ يأبى الله وتأبى جنين أن ينال هؤلاء شرف الانتساب إليها، وإلّا فليقولوا لنا ماذا ناقشوا في (العلمين)، ولماذا أصلاً اجتمعوا وهم يعلمون سلفاً نتيجة هذا الاجتماع؟!
وهل لو كانت إرادَة الشعب حاضرة في اجتماع القوم، هذه الإرادَة التي تجلّت في معارك غزّة والقدس والضفة؟!
أقول: لو كانت تلك الإرادَة ممثّلة لكانت النتائج تابعة لتلك الإرادَة؛ ولكن لأَنَّ المجتمعين جاؤوا من دونها رأينا نتيجة الاجتماع.. ثرثرة وصورة جماعية.
* كاتب وباحث فلسطيني