دروس من كربلاء.. “3” الرحمةُ وحفظُ حقوق الإنسان كإنسان.. بقلم/ لؤي زيد الموشكي
عندما نذكر الرأفة والرحمة، نستذكر رسول الله -صلى الله عليه وآله- الذي قال فيه عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).
عندما نذكر نفسية رسول الله، وكلّ همه إخراج الناس من الضلالة وألا ينالون غضب الله حتى وإن قالوا عليه الأقاويل وفعلوا به ما دَني من الأفعال، نتذكر بنفس الوقت نفسية الحسين حفيد الرسول -صلوات الله عليهم- عندما استباح الأعداء معسكر الحسين -عليه السلام-، وعمد الأعداء إلى الطفل الرضيع فقتلوه على صدر أبيه الحسين “عليه السلام”، كان هنالك دموع كانت تترقرق على خد الحسين وشيبته، ليس حزناً على طفله الرضيع وإنما حزناً على أعدائه الذين “سيدخلون النار؛ بسَببِ قتله”، هكذا قال الحسين “عليه السلام”، فهل هناك قلوب تفقه ما قاله الحسين “عليه السلام”!؟
فعندما نتَصفّح ونغوص في حياةَ الإمَـام الحُسَين “عليه السلام” نجد تجسيدًا لمبادئ الإسلام والخلق الرفيع الذي يعتبر الخصيصة البارزة في سلوك وحياة الإمَـام الحُسَين “عليه السلام”، فالإمَـام الحُسَين في كربلاء على وجه الخصوص أثبت بسلوكه الرسالي، وأخلاقه العالية التي هي أخلاق رسول الله “صلى الله عليه وآله” وأخلاق القرآن الكريم أنّه كان هو الأحق بأن يمثّل الرسالة، ويكون الوريث الشرعي لرسول الله “صلى الله عليه وآله”، فالإمَـام الحُسَين “عليه السلام” يمكننا القول والجزم.
إنه مثلّ الإسلام بكلّ قيمه ومبادئه العظيمة الخيِّرة، حتّى اعترف له بذلك عدوّه اللّدود معاوية اللعين بن أبي سفيان أمام ابنه اللعين يزيد وجمع من أعوانه ومريديه، حين طلبوا منه أن يُبيّن عيباً للحسين بن علي “عليهما السلام”، فقال: «وما عسيتُ أن أعيبَ حسيناً، وما أرى للعيب فيه موضعاً».
هنا اخترت لكم موقفاً من المواقف التي جسدت رحمة الإمَـام الحُسَين “عليه السلام” ومبادئ الإسلام التي يحملها:
– إعطاء الماء أَو سقاية الحرّ الرياحي وكتيبته التي كان قوامها مئات من المقاتلين، حين التقوا بالركب المبارك للإمام -عليه السلام- وقد أوشك العطش أن يفتك بهم، هنا تظهر النفسيات التي تحدثنا عنها، النفسيات التي ليس همها الانتقام، وإنما كُـلّ همها هو تنوير الناس وإخراجهم إلى الطريق الصحيح، فمثلاً هنا كان بإمْكَان الإمَـام الحُسَين “عليه السلام” أن يبيدهم عن آخرهم، ويغنم كُـلّ ما معهم من عدةٍ وعتاد، وكان ذلك عليه سهلاً يسيراً، إلّا أنّ أخلاقه العالية ومبادئه الإسلامية دعته لأن يسقيهم مع خيولهم، مع علمه بأنّهم سيقاتلونه في نهاية المطاف.
رُغم كثرة الأقلام المأجورة التي حاولت وللأسف أن تطعن في ثورة الإمَـام الحُسَين “عليه السلام” وتنال منه؛ دفاعاً منهم عن الطاغية يزيد، الشيء الذي يجب أن نقف عنده هو أنّنا لم نجد أنهم ذكروا ولو مورداً واحداً يتنافى مع أخلاق ومبادئ الإسلام قد صدر من الإمَـام الحُسَين في معركة الطفّ، خُصُوصاً أنه يوجد مَن يَتحيّن الفرصة؛ لكي يذكر مثلبة أَو منغصة واحدة عن الإمَـام الحُسَين “عليه السلام”.
فهذا هو الإمَـام الحُسَين “عليه السلام” الرحيم المجسد لمبادئ الإسلام، الذي حارب وقاتل بشرف، الذي قبل توبة مَن خالفه وعاداه، الذي لم يُجهز على جريح..
فلو عرضنا هذه المواقف للعالم لدخل العالم إلى الإسلام عن طريق الإمَـام الحُسَين بن علي “عليهما السلام”.
مثلما قلنا إننا سنربط هذه الدروس والعبر بدروس وعبر حصلت في عصرنا، سنتطرق إلى رحمة جيش الأنصار الذي أسسه حسين العصر “عليه السلام” ومبادئ وقيم الإسلام التي جسدها “عليه السلام”.
الفرق بين اليوم وأمس هو أن الأمس كان الحسين “عليه السلام” يجسد أخلاق ومبادئ الدين الإسلامي وتناقل ووصل الأمر إلينا، أما اليوم فنحن نشاهد ما جسده الإمَـام الحُسَين “عليه السلام” بأعيننا، نشاهد خليفة حسين العصر قائد جيش الأنصار، كيف هو حريص على أُمَّـة محمد، كيف هو رحيم بأمة محمد، كيف يتألم على من خدعوا من أُمَّـة محمد، كيف يتسامح ويعفو على من أخطأ من أُمَّـة محمد، نشاهد كيف يتم التعامل مع الأسرى ممن حاربوا وقاتلوا وقذفوا جيش الأنصار وقائده، يتم التعامل معهم كما تعامل الإمَـام الحُسَين “عليه السلام” مع أعدائه في كربلاء.
نشاهد كيف يتم الرحمة بالأسرى وتضميد جراحهم وتأمينهم، نشاهد كيف يتم الإيثار بالغذاء والماء من قبل الأنصار عندما يقع في يديهم أسيرًا، نشاهد ونشاهد… إلخ.
فالحسينان “صلوات الله عليهما” استشهدا لكن:
“بقت روحية الحسين، بقت نفسية الحسين، بقت مبادئ الحسين، بقت قيم الحسين..
السلام على الحسين السبط الشهيد، السلام على حسين العصر الشهيد”.