عدوانٌ جديدٌ على القنوات الوطنية.. الفشلُ في حجب الحقيقة
المسيرة- محمد الكامل:
شكّلت وسائلُ الإعلام اليمنية المناهِضَةُ للعدوان الأمريكي السعوديّ على مدى ثماني سنوات مضت عاملَ قلقٍ للأعداء؛ ما دفعهم للجوءِ إلى أساليبَ متعددة؛ بهَدفِ إسكاتها وحجب الحقيقة.
لا يمتلك اليمنيون الأموالَ الهائلة لتشغيل وسائل الإعلام، وَإذَا ما قارنا ما تمتلكه قوى العدوان من منابر إعلامية متعددة وأموال طائلة مع ما نمتلكه نحن فَــإنَّ المقارنةَ مجحفةٌ للغاية؛ لأَنَّ بيئةَ العمل الإعلامي في ظل ظروف العدوان والحصار صعبةٌ للغاية.
لكن التساؤل الهام هنا: لماذا تخشى قوى العدوان من المنابر الإعلامية الوطنية فتقصفها تارة، وتحجبها من الأقمار الصناعية تارةً أُخرى، وتغلق قنواتها من منصات التواصل الاجتماعي “يوتيوب” وَ”فيس بوك” وَ”تويتر” وغيرها، مع أن تحالف العدوان يمتلك إمبراطورية إعلامية هائلة استطاع من خلالها حجب الحقيقة وتزويرها واختلاق الأكاذيب وخداع الناس؟
يدرك تحالفُ العدوان الأمريكي السعوديّ أهميّةَ الدور الذي تقوم به وسائلُ الإعلام الوطنية؛ فهي من ناحية المنابر الوحيدة التي تعري وتفضح وتكشف جرائمه ضد الشعب اليمني، كما أنها تقومُ بدور تنويري لتعزيز صمود اليمنيين في مواجهة تلك القوى المعادية؛ لذلك فقد عمل العدوان على إسكات تلك الوسائل إما من خلال قصفها وتدميرها أَو حجبها؛ بهَدفِ حجب حقيقة العدوان الذي يستهدف اليمن أرضاً وإنساناً ويدمّـر البِنى التحتية ويرتكب أبشعَ الجرائم في حق الشعب اليمني.
حجبُ وسائل الإعلام اليمنية:
وعلى الرغم من كُـلّ تلك الاعتداءات والمحاولات للعدوان السعوديّ الأمريكي لإسكات تلك القنوات وحجب الحقيقة عن العالم؛ كي يمارس جرائمه وعدوانه على الشعب اليمني ويمارس التضليل الإعلامي الكبير على العالم إلا أنها صمدت ونهضت وقامت بأداء واجبها الوطني وعاودت الظهور من جديد لتبقى القضية اليمنية حاضرة، ولتكشف جرائم العدوان وانتهاكاته الجسيمة في حق الشعب اليمني وتبعات حصاره الجائر الذي أوصل البلاد إلى حالة إنسانية كارثية، كما نجحت هذه القنوات والإذاعات في تجاوز تلك الظروف وفك الحجب ومعالجة إشكالياته، وإعادة البث بتردّدات جديدة، سواءً عبر القمر الروسي أَو غيره وانتظام برامجها رغم كُـلّ الظروف الصعبة التي تواجهها من كافة النواحي وقدمت صورة واقعية وحقيقية عن بشاعة العدوان وانتهاكاته.
ويقول رئيسُ الوفد الوطني المفاوض، محمد عبد السلام، في حديث سابق له: “إنّ القرار الذي قامت به بعض المنصات الإعلامية في حجب بعض القنوات الإعلامية اليمنية المواجهة للعدوان هو قرار تعسفي، ويثبت فشل الآلة العسكرية والإعلامية والسياسية والحرب الاقتصادية على الشعب اليمني الذي يواجه هذا العدوان الغاشم منذ سنوات”، مؤكّـداً أن “من يعمد إلى مثل هذه القرارات هو من عجز في مواجهة الميدان، وفشل في مواجهة الإعلام بالإعلام، والحرب العسكرية بالحرب العسكرية”.
ولفت إلى أن “اللجوء إلى هذا النوع من أدوات الضغط يدل على الفشل في مواجهة الحقيقة”، مُضيفاً أن “من يرتكب الجرائم الإنسانية البشعة والذي يحاصر الشعب اليمني ويقتل أطفاله هو من يعمد إلى مثلِ هذا الأُسلُـوب الهمجي والفاشل، والذي لا يعبّر إلا عن مستوى الهزيمة الذي وصل إليه هؤلاء”، مُشيراً إلى أن “التوقيت لا يُنبئ بنوايا باتّجاه نحو السلام، أَو الاستفادة من الهُدنة وخفض التصعيد القائم بقدر ما يثبت أن هؤلاء ما زالوا في خندق الاعتداء وممارسة الظلم والغطرسة، واستمرار الحصار بحق الشعب اليمني”.
ويؤكّـد عبد السلام أن هذه الخطوة تعد “مؤشرًا سلبيًّا لا يُنبئ عن نيات إيجابية في اتّجاه السلام ومحاولة طي الصفحة المؤلمة التي حصلت للشعب اليمني في السنوات الماضية”، وأن “الإعلام المساند للشعب اليمني له دور إيجابي في مختلف المحطات التي مضت وفي مرحلتنا الحالية؛ نتيجةَ ما أدّاه ويؤدِّيه من دور مساند على المستوى الأخلاقي والإنساني والمعنوي”.
دورٌ فعَّالٌ رغم الصعوبات:
ولا يقتصرُ دورُ الإعلام الوطني على إظهار جرائم العدوان وتوثيقها، لكنه كان ولا يزال رفيقاً للانتصارات التي تتحقّق على كافة المستويات، حَيثُ كرّس الإعلامُ اليمني صورةَ الشعب اليمني المقاوم والصامد على الرغم من قسوة الحرب المفروضة عليه.
وعلى الرغم من الماكينة الإعلامية الضخمة التي يمتلكها تحالفُ العدوان، وقدرته على الوصول إلى الجماهير العربية والأجنبية بشكل أسرع، فقد ساهم الإعلام الحربي في دحض أكاذيب وسائل إعلام التحالف، عبر نقله ميدانيًّا طبيعة الأحداث على الساحة كما سمح للعالم بمواكبة التطور العسكري للقوات المسلحة اليمنية، الذي مكّنها من التصدي للعدوان بإمْكَاناته المتطورة.
ولا يزال الإعلام الوطني يمارسُ دورَه كأدَاةِ مواجهة في وجه العدوان الأمريكي السعوديّ بحرب إعلامية ضروس يخوضها الإعلام الوطني لا تقل ضراوةً عن الحرب الدائرة في الميدان، منذ أكثر من تسع سنوات؛ ولهذا ركَّز العدوُّ على الجانب الإعلامي بشكل كبير، ربما أكثر من عملياته العسكرية وحشد كُـلّ الطاقات، لكن الإعلام اليمني استطاع أن يتصدَّى لهذه الهجمة الإعلامية، وانتصر على إعلام العدوّ، وعلاوةً على ذلك استطاع أن يطلق العنان لطاقاته وبمساحة من الحرية التي مكنته من العمل في هذه الظروف الصعبة بالرغم من أنه كان المستهدف الأول.
وفي هذا الشأنِ، يقول الكاتب الصحفي صقر أبو حسن: إنه خلال سنوات الحرب على اليمن، كانت مكينة الإعلام المقاوم للعدوان تعمل بملء طاقتها حتى في ظل إمْكَانيات محدودة، لكنها استطاعت أن تنتصر على كُـلّ الأدوات الإعلامية الكبيرة، وذلك يعود لإيمان العاملين في هذا القطاع بقضية اليمن والتضحية؛ مِن أجلِها.
ويؤكّـد أبو حسن في تصريحٍ خاص لصحيفة “المسيرة” أن قنوات وإذاعات وصحف ومواقع ومنصات، انتصرت لقضية اليمن وكان لها حضور كبير ومؤثر محلياً وعالميًّا في مسار الدفاع عن اليمن ضد العدوان وأدواته وأذرعه الإعلامية والعسكرية، فكان الصحفي اليمني مقاتل في جبهة أدواتها الكاميرا والكيبورد والقلم، يذود عن ثرى الوطن بكل ما أوتي من قوة، مثله مثل المقاتل في الجبهات.
ويشيرُ إلى أنه في ظل الحرب الضروس التي شنّها تحالفُ العدوان، ومحاولات إسكات الإعلام الوطني، فَــإنَّ مهمةَ الإعلام الوطني كانت صعبةً، لكنها كانت فاعلةً أَيْـضاً، إلى الحد الذي دفع السعوديّةَ إلى تسخير الأموال الطائلة في سبيل شراء الأصوات، وتفعيل الحجب في الأقمار الصناعية والمنصات الإلكترونية، إلى جانب القصف الجوي لمقارّ قنوات وصحف يمنية، مشدّدًا على ضرورة أن تعمل وتتكاتف وسائل الإعلام الوطنية والحرة والصادقة، سواءً الرسمية أَو غير الرسمية، وبمختلف مكوناتها في الإسهام والتفاعل مع القوات المسلحة واللجان الشعبيّة من خلال زيف وهمجية إعلام العدوان من جهة ومن جهةٍ أُخرى العمل على توعية الرأي العام الوطني بما يخدم المعركة القادمة مع دول العدوان ومرتزِقته.
ويؤكّـد أن الإعلامَ اليمني رغم العوائق التي تقفُ أمامه إلا أنه أثبت صمودَه في وجه العدوان من خلال إظهار حقيقة ما يرتكبه العدوان من جرائم بشعة تستهدف اليمن، وأبنائه، وخَاصَّةً النساء، والأطفال.
من جانبه، يؤكّـد الباحث والكاتب أنس القاضي، أن “الإعلام اليمني الوطني قام بدور مهم في مواجهة العدوان، دور مهم جِـدًّا، ولربما ما تعرض له من حرب سيبرانية مختلفة من إيقاف القنوات من الأقمار الصناعية، وحذف القنوات والصفحات في وسائل التواصل الاجتماعية، وغيرها من الممارسات، دليل على تأثيره الكبير على العدوّ”.
ويتابع في تصريحٍ خاص لصحيفة “المسيرة”: “إلا أن الإعلام اليمني لم يكن عند المستوى المطلوب، لم يكن عند مستوى التحدي، لم يكن إبداعياً، باستثناء الإعلام الحربي الذي أضاف شيئاً جديدًا في الإعلام، بل ظل رتيباً ومحصوراً على النشاط التعبوي الدعائي، وكان بالإمْكَان أن يكون أفضل مما كان”.
ويؤكّـد أنه وبرغم ذلك، فقد قام بدور مهم في الحرب الوطنية، وكان مؤثِّراً، وهناك حاجة إلى دراسات بحثية نقدية لتجربة الإعلام الوطني خلال الفترة الماضية.