انتصارُ الدم الحسيني على السيف الأموي امتد نصراً فنصراً.. بقلم/ حسينة حسن الشريف
في شهر محرم من كُـلّ عام يتجدد الحزن وتتجدد الثورة في دماء الموالين، وكل عام نقول: عظَّم اللهُ أجرَ محبِّي محمد وآله بذكرى مصاب الإمام الحسين في العاشر من شهر محرم، وفي الخامس والعشرين من شهر محرم ذكرى استشهاد الإمام السجاد قتلاً بالسم، وشهادة الإمام زيد بن علي قتلاً في معركة الإباء الهاشمي في وجه النفاق الأموي، إنها بطولات أبناء وأحفاد الكرار التي سطّرها التاريخ بحبر من ذهب لا تمحوه السنون مهما طالت، كما أقسمت بطلة كربلاء أمام طاغية عصرها:
(يا يزيد اسعَ سعيَك وانصب جهدك فواللهِ لن تمحوَ ذكرَنا ولن تميتَ وحينا…).
نعم لن يميت ذكر من رفع الله ذكره بنص القرآن الكريم بقوله: (… وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ).
كتبنا كَثيراً وتكلمنا أكثر عن أحداث كربلاء الأليمة، وفي هذا المقال نكتب عن ما بعد فاجعة كربلاء..
بعد إحراق الخيام وأخذ بنات الزهراء سبايا وفلذات كبدها رؤوسهم على الرماح من العراق إلى الشام حتى وصولهم قصر طاغية عصره يزيد الفاسق الفاجر، هناك الدماء الهاشمية انتصرت، وظهر دور الإمام السجاد وأخته زينب في حفظ أهداف الثورة، وكان الإمام السجاد “عَلَيْهِ السَّلَامُ” يرسُمُ ملحمة بطولية عظيمة بأقواله وأفعاله خلال فترة الأسر والمرض الذي هو بحكمة إلهية؛ لحفظ نسل العترة ولبيان أحداث عاشوراء ولصناعة جيل يسقط عروش الطغاة، حَيثُ بدأ يعمل على البنية التحتية بدقة وإتقان؛ فقد كان “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، يهيئ أرضيةَ التحَرّك والجهاد، وكان اللسانَ الناطقَ للدماء المسفوكة في عاشوراء.
نعم لقد كان دورُ الإمام السجاد “عَلَيْهِ السَّلَامُ” في هذه المرحلة ودورُ عمته زينب عليها السلام بيانَ ثورة الحسين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” وتعريفَ الناس بقتل الحسين “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، ولماذا قُتل وكيف قُتل ومَن قتله؛ وبذلوا الجهود الكبيرة؛ لأجل نشر هذه الحقائق على مستوى المجتمع في كُـلّ المناطق الإسلامية التي مرّوا بها من كربلاء إلى المدينة، وحين دخل الإمام السجاد “عَلَيْهِ السَّلَامُ” إلى المدينة كان عليه أن يبين الحقائق التي طمسها الأُمويون بالإعلام والتبليغ المسيءِ ضد أهل البيت طوال عشرات السنين حتى عصر الإمام السجاد -“عَلَيْهِ السَّلَامُ”- ونشر الأحاديث الموضوعة عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -، حتى وصل بهم الحالُ إلى شتمِ العترة الطاهرة ولعنهم بين الناس وعلى منابر المسلمين، لكن الإمام السجادَ علي بن الحسين زين العابدين بدأ يؤسِّسُ منطلقاً أصيلاً للتحَرّكات السياسية المستقبلية، في مجتمع ممزَّقٍ يعيشُ تحتَ أنواع القمع والتخويف، وبالأخص الشيعة الذين كانوا يعانون من تضييق متزايدٍ، لم يكن باستطاعة الإمام السجاد “عَلَيْهِ السَّلَامُ” أن يقوم وحده أَو مع جماعة قليلة وغير منظَّمة بالثورة والمواجهة؛ لهذا كان هَمُّ الإمام السجاد “عَلَيْهِ السَّلَامُ” أن يبدأ بتشكيل هذه التنظيمات بعد فاجعة عاشوراء وثورة المختار.
وفي ظل الإجراءاتِ الأمنيةِ المشدّدة، التي كان يفرضها الأُمويون، استطاع الإمام السجاد القيامَ بعدة مواقفَ كان الهدَفُ منها كسرَ حواجز القمع وتهيئة الناس؛ فكانت أولى الخطوات تبيين الحقائق من خلال خطبه وكلماته، وأهمها حقانية أهل البيت -عليهم السلام- بالخلافة والظلم الشديد الذي يمارسه النظام الأموي… إلخ.
بعد موت يزيد، تبعه خلفاء لم يطُلْ حكمهم إلا فترات قليلة كمعاوية بن يزيد الذي لم يحكم أكثر من ثلاثة أشهر فقد قتله بنو أميه بالسم؛ لأَنَّه كان صالحًا؛ لأَنَّ أمه كانت صالحَة، ثم مروان بن الحكم الذي حكم لمدة سنتين أَو أقل ثم وصل الأمر إلى عبد الملك بن مروان الذي سلك مسلكَ آبائه الظالمين، بل كان أشدهم ظُلمًا وإرهابًا وقمعاً، والذي في عهده كانت ثورة الإمام زيد “عَلَيْهِ السَّلَامُ”..
الإمامُ السجَّادُ قُتل بالسم قبل أن يجتمعَ حولَه أنصارٌ للقيام بثورة، ولكنه قام بثورة فكر صنعت رجالاً منهم الإمام محمد الباقر الذي قُتل أَيْـضاً بالسم وهو يربي أجيالَ علم وثورة، وابنه الإمام جعفر الصادق الذي تخرَّجَ على يدَيه آلافُ الطلاب بكل أنواع العلوم والتي ما زال العالم يستفيد منها ويطورها إلى الآن، وفي عهده كانت ثورة عمه الإمام زيد بن علي، وكان مؤيِّدًا ومناصِرًا لعمه زيد -عليهما السلام-، وما وُجد من روايات عن اختلافهما فهي من الأكاذيب الأموية المسمومة.
عندما دعا الإمام زيد للقيام بالثورة ضد أعتى طغاة الأرض آنذاك، وأرسل رسائل لكل علماء وزعماء المسلمين لإتمام الحجّـة كان إبليس اللعين مجند جنوده “لأقعدن لهم صراطك المستقيم” فترك الناس الإمام زيد حفيد الحسين وحيدًا كما تركوا جده الحسين وحيدًا في كربلاء..
وكما قال الشهيد القائد: “كربلاء ليست وليدةَ يومها”.
كربلاءُ سببُها السكوتُ على مخالفة آية التبليغ وحديث الغدير؛ فكانت النتيجة أن حكم على رقاب المسلمين الطلقاء وأبناء الطلقاء فلم يبقوا من دين الله إلَّا اسمُه، ومن ثمار حُكم الطلقاء أعراب بدو مملكة الرمال مهلكة بني سعود وصبية الحمارات الذين مشَوا عكس حُكم القرآن الكريم؛ فدفعوا الجزية صاغرين لليهود وباعوا القدسَ والقضيةَ الفلسطينية والأمة العربية والإسلامية.
تدريجيًّا بدايةً من تحت الطاولة، ثم فضيحة التطبيع والفسوق في الحج، ولن ينفعَهم ولن يرضوا عنهم حتى يتبعوا ملتهم جهرًا ويدعون إليه جهراً.
وها هو مفتي الحرم المكي يمهِّدُ للتطبيع علنًا في خطبته في بيت الله قِبلة المسلمين ويفتري على رسول الله أنه كان مسالمًا لليهود!!، ونسي بدر وخيبر، نسي نَصَّ القرآن الكريم أنهم كانوا يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون حتى يعيشوا في بلاد المسلمين تحت نظام الحكم الإسلامي صاغرين مستسلمين.
وكأن الإمامَ زيداً في رسالته لعلماء السوء في عصره خطاباً لسديس وعلماء البلاط الخليجي وعلماء الأزهر، فالتاريخ يعيد نفسه، فمما قال الإمام زيد في رسالته لعلماء السوء:
(… فيا علماءَ السوء، هذا مِهَادكم الذي مَهَدْتمُوه للظالمين، وهذا أمانكم الذي ائتُمنتُموه للخائنين، وهذه شهادتكم للمبطلين، فأنتم معهم في النار غداً خالدون، يا علماءَ السوء أنتم أعظمُ الخلق مصيبةً، وأشدُّهم عقوبة، إن كنتم تعقلون، ذلك بأن اللّهَ قد احتج عليكم بما استحفظكم؛ إذ جعل الأمورَ ترد إليكم وتصدُرُ عنكم، الأحكامُ من قِبَلِكم تُلْتَمَس، والسُّنن من جِهَتِكم تحتبر، يقول المتبعون لكم: أنتم حجتُنا بيننا وبين ربنا. فبأيةُ منزلة نزلتم من العباد هذا المنزلة؟، فوالذي نفسِ زيد بن علي بيده لو بيَّنتم للناس ما تعلمون ودعوتموهم إلى الحق الذي تعرفون، لتَضَعْضَعَ بُنْيَان الجبَّارين، ولتهَدَّم أَسَاس الظالمين، ولكنكم اشتريتم بآيات اللّه ثمناً قليلًا، وادْهَنتم في دينه، وفارقتم كتابه، هذا ما أخذ اللّهُ عليكم من العهود والمواثيق؛ كي تتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، فأمْكَنتم الظلمة من الظلم، وزيَّنتم لهم الجَورَ، وشدّدتم لهم ملكهم بالمعاونة والمقارنة، فهذا حالكم، فيا علماء السوء محوتم كتاب اللّه محواً، وضربتم وجه الدين ضرباً).
وكأن الإمام زيد يخاطب علماء الأُمَّــة الآن والاعراب يتقدمون الغرب واليهود في قتل المسلمين وهتك أعراضهم ومقدساتهم والإساءة إلى نبيهم وإحراق قرآنهم بتوجيه من اللوبي اليهوديِ الصهيوني الذي يؤجج نار نار الفتن عل النار الملتهبة حواليه تبتعد ولكنها لن تبتعد بل ستحرقه قريباً إن شاء الله تعالى.
ومما قال الإمام زيد مستنهضاً علماءَ عصره وعصرنا وكُلِّ العصور:
(.. عباد اللّه فأعينونا على من استعبد أمتنا، وأخرب أمانتنا، وعَطَّل كتابنا، وتَشَرَّف بفضلِ شرفنا، وقد وثَّقنا من نفوسنا بالمضي على أمورنا، والجهاد في سبيل خالقنا، وشريعة نبينا -صلى اللّه عليه وآله وسلم-، صابرين على الحق، لا نجزع من نائبة مَنْ ظَلَمَنا، ولا نَرْهَبُ الموتَ إذَا سَلِمَ لنا دِيْنُنَا، فتعاونوا تنصروا، يقول اللّه عز وجل في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ). ويقول اللّه عز وجل: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، عباد اللّه إن الظالمين قد استحلوا دماءَنا، وأخافونا في ديارنا، وقد اتخذوا خُذْلانَكم حجّـة علينا فيما كرهوه من دعوتنا، وفيما سفهوه من حقنا، وفيما أنكروه من فضلنا، عباد الله، فأنتم شركاؤهم في دمائنا، وأعوانهم في ظلمنا، فكلُّ مالٍ للَّه أنفقوه، وكل جمعٍ جمعوه، وكل سيف شَحَذُوه وكل عدل تركوه، وكل جور رَكِبوه، وكل ذمة للَّه تعالى أخفروها وكل مسلم أذلوه، وكل كتاب نَبَذوه، وكل حكم للَّه تعالى عطّلـوه.. فأنتم المعينون لهم على ذلك بالسكوت عن نهيهم عن السوء…).
فيا أيها الساكت عَمَّا يحدُثُ بحق مقدسات المسلمين في فلسطين، من احتلال وقتل وتشريد وكل ما يشاهد العالم من ظلم اليهود للمسلمين الفلسطينيين، وكل ما يشاهد العالم في مكة بيت الله من منع الحج ونشر فساد ومفسدين ومفاسد حول بيت الله الحرام وجوار الحرمين الشريفين والسماح لليهود وكل الأنجاس والعاهرات وكل ما يخل بشرف وحمية كُـلّ مسلم.
وما حصل ويحصل للعزيزة سوريا من عدوان وحصار لأكثرَ من عقد من الزمن، كذلك ما حصل ويحصل من ظلم على الشعب اليمني تسع سنوات قتل وحصار وتدمير وتكميم أفواه، وما حصل ويحصل داخل أرض الحجاز والبحرَينِ من إعدامات وسجون مؤبَّدة بحق كُـلّ حُرٍّ ينطقُ أَو يكتب كلمة حق.. وَما يحصل في العراق ولبنان وإيران وكل دول وشعوب محور المقاومة؛ فكل قطرة دم وكل تهمة باطل وكل ظلم لكل فرد أنت أيها الساكت بأي اسم أَو صفة كنتَ، وسواء سمَّيت نفسَك أَو مذهبَك أَو حركتَك زيدياً أَو شيعياً أَو سنياً أَو أيًّا كنت فأنت شريكٌ ومُعينٌ للظالمين والمعتدين والمنافقين بسكوتك.
فاجعل لنفسك مكانًا في الرَّكْبِ الحسيني المعاصر وكُنْ مع الصادقين.