استشهادُ الإمام زيد.. الذروةُ الكبرى من الدرجات العُلى.. بقلم/ عبدالله الزعكري
لأن سيفَ الباطل الأموي مسلَّطٌ على رقاب الناس، ولخوف السواد الأعظم من الناس على دنياهم الفانية، ولحبهم الدنيا، وكراهيتهم لموت الكرامة.
لا بد لشجرة الحرية أن تسقى من دماء طاهرة زكية وتُنميها لتثمر؛ ولهذا الهدف السامي والغاية النبيلة نذر أهلُ بيت النبوة أنفسهم في سبيل ذات الشوكة، وعند تصفحنا التاريخ ما وجدنا أسرة كأهل هذا البيت بت النبوة الطاهرة، فبلغوا الغاية من شرف الأرومة، وجاهدوا في سبيل الحق، ومن أجل الذود عن بيضة الإسلام والمستضعفين من الأمة على مر العصور، ولقوا في سبيل ذلك كُـلّ أصناف القتل والتنكيل والتعذيب والتغييب في غياهب السجون والنفي والتشريد في القفار والفيافي والأمصار، وأسالوا دمائهم في ساحات الوغى راضية قلوبهم، مطمئنة ضمائرهم، وصافحوا الموت ببسالة فائقة، وتلقوه بصبر جميل وجنان ثابتة.
ومع ذلك أصبحت مصارعُ العترة الطاهرة حديثاً يُروى، وخبراً يُتناقل، وقصصاً تُقص، وحكايات يجد فيها المستضعفين إرضاء لعواطفهم، ودواءً لمشاعرهم، وإيقاظاً لضمائرهم الحية التي ترفض الظلم وتأبى الضيم، ووقوداً لثورات التحرّر من طغيان وجبروت وإرهاب أنظمة المُلك الاستبدادي الأموي.
وقد أسرف أعدائهم في محاربتهم، وطمس ذِكرهم ومحو فضائلهم، وأذاقوهم ضُروب النكال، وصبُّوا عليهم صنوف العذاب، ولم يرقبوا فيهم إلا ولا ذمة، غافلين -عمداً– قوله سبحانه: “قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى”.
فكم نحن اليوم بحاجة لإعادة التأمل في سجل ثورات أئمة الهدى، لنستلهم منها عوامل الثبات والصبر والصمود والقوة وأيقونة النصر.
في تاريخ الثورات لا بُـدَّ قبل انطلاق الثورة من تحديد الأهداف التي تسعى لتحقيقها، والمبادئ التي ترتكز عليها بما يساعدها على توحيد ولم شمل الصف الثوري والدفع به إلى العمل لتحقيق آمال وأماني وطموحات شعوبها، وأممها، بينما تفردت ثورات أئمة أهل البيت النبوي والثورات الإسلامية عُمُـومًا بأن باعثها هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونُصرة المظلومين، وإنقاذ المستضعفين، وتحقيق إرادَة شعوبهم، وأممهم، ومتطلباتها من حق، وعدل، وحرية، ومساواة، وعيش كريم، ضمن العقيدة الإسلامية، وعلى أرضية المحبة الإنسانية، والأخوة الإسلامية.
وما نراه من صمود وبسالة اليمنيين في مواجهة الطغيان الأمريكي الإسرائيلي السعوديّ الإماراتي، وأذيالهم من المرتزِقة ومجابهة القوى الحرة والحية لمشاريع التطبيع والتهجين، ليس سوى قبس من تلك الثورات المباركة، ومجابهة العملاء والمتسلقين والمنافقين وكشف زيف أوراق المتآمرين على الحق والحرية والعدالة، من طابور خامس عريض، كان وما يزال أحد أهم العوامل الهدامة والمؤرقة للأُمَّـة الإسلامية منذ بزوغ شمس الرسالة المهداة، وحتى يوم القيامة…
فنحن على خطاهم سائرون وأهداف ثورتهم ضد المفسدين والطغاة ستكون لنا ألهام.
ومثل هذه الذكرى لنا عبرة وعظة، ومنها نعرف بداهة أن ثوراتهم كانت في عهود الظلم، والضلال، الواجب فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك؛ لأَنَّهم لا يؤمنون بالسلطة التي تعني التسلط والفرض، وإنما بالسلطة التي تعني القيام بالواجبات، والتحمل للمسؤوليات؛ ولهذا تنزهت ثوراتهم عن العنصرية، والطائفية، والقومية، والإقليمية، والمادية، وغيرها من الأفكار الجاهلية، والمادية، التي يتصارع الناس عليها اليوم!!
اللهُ الموفِّقُ لنا أن نكونَ في دربِهم شهداءَ الحرية والحق والعدل، ولعَلَمِ زماننا سامعين طائعين، ولأهداف مسيرتنا القرآنية هداة مهتدين.