الامتدادُ المقدَّس.. بقلم/ إخلاص عبود
بسم الله، تتعاقب الأزمان، وتختلفُ الأجناسُ، ولله سُنَّةٌ إلهيةٌ لا تتغيَّرُ، وما كان لله أن يخفف عن جيل واجب تحَرّكهم، أَو يحمل آخر فوق طاقتهم، بل إنه جعل على البشرية أجمع واجب الصلاح والإصلاح، ورسم منهجًا به تقوم حياة البشرية بالخير، وجعل لهذا المنهج رسالة وضعها في ذرية لا يمكن أن تستقيم الحياة بعدائها.
إن المتأمل في الدنيا والدارس فيها حياة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وذريته من بعده يرى العجب العجاب، ويرى امتداد حوادث تشابهت، وشخصيات للواقع عادت، والواعي حياة أهل البيت يرى تجسد رسول الله، وعودة وصيه، مواقف وأخلاق وواجب وتحمل مسؤولية، ورحمة بحال هذه الأُمَّــة المكلومة، هذا هو السر والإعجاز في هذه الذرية الطيبة المباركة؛ وهذا هو مصداقٌ لقوله تعالى: ((الله أَعْلَـمُ حَيثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)) من سورة الأنعام- آية (124)، هو من له الحكمة في تدبير شؤون خلقه، حَيثُ جعل في هذه الدنيا من يهديها، ومن يرشدها وهيأهم لقيادتها، وجعل من انحرفوا في توليهم واتخذوا لهم ولايات أُخرى السبب في زيغ الأُمَّــة والسبب في انحرافها عن الطريق التي رسمها الله، وما كان الواقع السيء الذي نعيشه اليوم سوى سوءة من سوءاتهم.
استشهد الإمام علي -عَلَيْهِ السَّلامُ-؛ لأَنَّه تحَرّك في إصلاح ما خربه المخالفون بعد موت الرسول الأعظم، حَيثُ اصبح الواقع خرابًا، ثم على طريقه استشهد الإمام الحسن، الذي كان من بعد أبيه باب ثورة أخيه الإمام (الحسين) الذي استشهد هو الآخر في ثورةٍ، كربلائية، فيها من المجازر ما تدمي القلوب، مما لم تقع حتى في زمان الجاهلية الأولى، ثم يأتي من بعدهم الإمام (زيد) ليحاربهم بالقرآن، ويثور ببصيرته ويقاتل به، الإمَـام زيد بن علي امتداد لذرية مقدسة، ولسفينة النجاة في بحر الضلال والإضلال، ونراهم أهل البيت على هذا الطريق، لا يأتي زمان ضل أهله إلا ويرسل الله هاديًا لهدايتهم من تلك الذرية الطاهرة.
تحَرّك الإمَـام زيد -عَلَيْهِ السَّلامُ-، ولم تختلف حركته عن حركة أجداده ولم تتخلف عنها، ولم تكن سوى مكملة لتلك الحركات، متحَرّكة على بصيرة تلك الثورات، فأهل البيت هم نفس الهداة، ونفس الأخلاق والتحَرّك، جميعهم تحَرّكهم بالقرآن، وتحت راية القرآن، لا يدعون إلا له ولا يرتبطون إلا به، جعلوا الله وحده من يخافونه، فصغر أمامهم كُـلّ طواغيت الأرض من بني أميّة، وكبر الله في قلوبهم، فتحَرّكوا بمسؤولية وتحَرّكوا ببصيرة عالية، وبثبات راسخ كالجبال الرواسي، التي لا تؤثر عليها حتى زلزلة الساعة، فكانت ثورته بعد حياة طويلة مع القرآن، بعد إبحار في جوف القرآن، حتى سُميّ (قرين القرآن)، تحَرّك لا يخاف لومة لائم، تحَرّك بمقولته الشهيرة: (البصيرةَ البصيرةَ ثم الجهاد) البصيرة التي تجعلنا لا نميل، لا نزيغ، لا نتغير، لا نخاف ولا نقلق من أي شيء دون الله، هي البصيرة التي نحتاجها في هذا الزمان، وهي المسؤولية التي يجب علينا أن نتعلمها في هذا الوقت الحساس، هي الأمانة التي حملنا الله تعالى ويجب علينا أن نؤديها كما يريد الله منا أن نؤديها قال تعالى: [إِنَّا عَرَضْنَا الْأمانة عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا] من سورة الأحزاب – آية (72)، هي المسؤولية التي يجب علينا القيام بها، هي الاستخلاف في الأرض، والقيام بواجب الإصلاح والصلاح والجهاد والتحَرّك بما يرضي الله عنا وتستقيم به حياتنا.