ثورةُ الإمام زيد وثورة الشعب اليمني.. مشروعٌ واحدٌ ضد الطغيان
المسيرة| محمد الكامل – محمد حتروش:
عواملُ كثيرةٌ دفعت الإمَـامَ زيدَ بنِ علي -عَلَيْهِ السَّلامُ- للخروج ثائراً أمامَ طغيان هشام بن عبد الملك الحاكم الأموي المستبد.
فتحَرُّكُه -عَلَيْهِ السَّلامُ- كان امتداداً لتحَرّك جده الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-، وقد سعى من خلال التحَرّك لإعادة الأُمَّــة إلى مسارها الصحيح.
وفي هذا السياق يشير السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، إلى أن نهضة الإمَـام زيد كان فيها عنوانين مُهِمَّين جِـدًّا هما البصيرة والجهاد، مؤكّـداً أن الإمَـام زيدًا -عَلَيْهِ السَّلامُ- كسر حاجز الذل والخوف وأعطى للحق دفعًا وللإسلام المحمدي الأصيل استمرارية، وبعد استشهاده كانت نهضة ابنه يحيى بن زيد وبدأت التغيُّراتِ الكبيرة في الساحة الإسلامية”.
لقد كان الإمَـام زيد -عَلَيْهِ السَّلامُ- أعلمَ أهل زمانه، وحليفَ القرآن، ومشهودًا له بالإيمان، وكان هدفه الأول من خلال ثورته هو السعي إلى إصلاح شأن الأُمَّــة الإسلامية في المقام الأول.
وإذا كانت الشعوبُ الإسلامية لا تعير اهتماماً لثورة الإمَـام زيد فَــإنَّ الشعب اليمني يواصل منذ سنوات إحيَاء هذه المناسبة، ليس لتعميق الطائفية، أَو لحصر الإمَـام زيد في خانة فئة معينة، وإنما لتعريف العالم بهذه الشخصية الفذة التي حملت مشروعاً جهاديًّا تنويريًّا، وسجلت في خانة المهملات والنسيان من قبل أنظمة الجور والطغيان، كما أنهم يستخلصون من سيرته الكثير من الدروس والعبر، فاليمنيون يواجهون طغاة العصر (أمريكا، إسرائيل، السعوديّة، الإمارات)، مثلما واجه الإمام زيد طغاة بني أمية، وثورة الشعب اليمني تشبه ثورة الإمام الحسين والإمَـام زيد -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-، ولهذا تجدهم أقرب شعوب العالم إلى هذه الشخصية الثائرة العظيمة.
وفي هذا الشأن، يقول العلامة علوي سهل بن عقيل مفتي تعز: إن “التذكر لرجال آل البيت -عَلَيْهِم السَّلامُ- وأئمة آل البيت يحفظ للإسلام جوهره، وللعالم أحقيته في حكم العالم والحفاظ على حياته، مُضيفاً أن أعلام الهدى يمثلون الصورة المثلى للدين الإسلامي كما أنهم عماده وهم سفينته وهم ربانه وهم نجومه وهم سادته وهم قادته”.
ويؤكّـد في حديث لصحيفة “المسيرة” أن الإمَـام زيداً -عَلَيْهِ السَّلامُ- سار على نهج آبائه وأجداده في الخروج على الظالم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، موضحًا أن تحَرّكات أعلام البيت -عَلَيْهِم السَّلامُ- تأتي منسجمة انسجاماً كاملاً مع القرآن الكريم، وذلك كونهم قرناء القرآن لم يتفرقا إلى قيام الساعة.
ويرى أن تحَرّكات أعلام البيت وتضحياتهم بالمال والنفس توصل رسالة للأُمَّـة الإسلامية بضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس وذلك كونها فريضه عظيمة تسهم في الحفاظ على الأرواح والأعراض والممتلكات وكونها تردع البغاة عن بغيهم، لافتاً إلى أن الإمَـام زيداً لم يكن بتحَرّكه عنصريًّا ولا طائفيًّا ولا يريد ملكاً ولا يريد فساداً في الأرض ولا علواً، وإنما تحَرّك للإصلاح في أُمَّـة جده محمد -صلوت الله عليه وعلى آله- عندما رأى الأُمَّــة ضاعت بين ملوك ضلاله جعلوا عامة الناس تعيش في فقر وفي جهل وفي ضلال وجعل أموال الأُمَّــة مغانم للملك.
دروس من إحيَاء المناسبة:
وفي هذا السياق يؤكّـد عضو رابطة علماء اليمن، خالد موسى، أن هذه المناسبة تحيي في النفوس قيمة كلمة الحق في وجه “سلطان جائر” والوقوف في وجه الظلم ونصرة الحق، منوِّهًا إلى أن أهميّة إحيَاء ذكرى استشهاد الإمَـام زيد تكمن في كونها محطة توعوية وتعبوية لتعزيز الوعي الثوري، والإسهام في تحصين الأُمَّــة من تسلط أئمة الجور وهيمنة قوى الشر.
ويضيف في حديث خاص لصحيفة “المسيرة” أن أهميّة المناسبة كذلك تتجلى في تحفيز الثوار والأحرار للمضي على الدرب ذاته، لإقامة الحق وإصلاح واقع الأُمَّــة وتصحيح ثقافة الخنوع والقبول بشرعية حكم الفاسقين والمنحرفين التي عمل علماء السوء على نشرها والترويج لها، مُشيراً إلى أن ما يكسب هذه الذكرى أهميّة هو ارتباطها بشخصية ورمز مُهِمٍّ التف حول ثورته الجميع وأيد ثورته فقهاء الأُمَّــة، مؤكّـداً أن في هذا درسًا مُهِمًّا لعلماء الأُمَّــة اليوم بأن يسيروا في مناصرة أعلام الهدى ودعاة الحق وإعانتهم على إصلاح واقع الأُمَّــة الفكري والثقافي والسياسي وتقديم صورة الإسلام الجميلة والجذابة والراقية وإزالة التشوهات التي تسبب بها الأمويون والوهَّـابيون اليوم.
بدوره يؤكّـد عضو ربطة علماء اليمن الدكتور رضوان المحيا، أن أهميّة إحيَاء ذكرى استشهاد الإمَـام زيد بن علي إمام الثائرين وحليف القرآن -سلام الله عليه- تكمن في توعية الأُمَّــة الإسلامية بضرورة البصيرة والوعي قبل التحَرّك في مواجهة الأعداء.
ويقول في حديث للمسيرة: “ونحن في هذه المرحلة كأمة إسلامية تتكالب عليها الأمم وتتعرض للمخاطر وأعدائها يرصدون لها شراك العداء في كُـلّ مكان وهي تستعد للمواجهة مع أعداء الله سبحانه وتعالى، هي بحاجة إلى أن تتعلم من زيد بن علي البصيرة، الحكمة، الإيمَـان، الثبات، الصبر، والوعي في مواجهة أعداء الله سبحانه وتعالى.
ويضيف القول: “ونحن أَيْـضاً بحاجة إلى غيرة الإمَـام زيد -عَلَيْهِ السَّلامُ- على المقدسات الإسلامية وَعلى انتهاك حرمات الله وعلى غيرته على رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- وهو الذي حضر مجلس الطاغية هشام بن عبدالملك ورأى يهوديًّا يسب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ-، هذا اليهودي يذكرنا بإساءة اليهود اليوم في أنحاء العالم إلى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-“.
ويعتقد المحيا أن الإمام الثائر زيد بن علي -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- هو أول من انتصر للمقدسات الإسلامية وذلك من خلال موقفه المشرف في مجلس الطاغية هشام بن عبد الملك حينما رد على اليهودي المسيء للرسول الأكرم محمد.
ويوضح المحيا حال الإمَـام زيد بن علي وهو يتألم على واقع الأُمَّــة الإسلامية مردّداً عبارته المشهورة “ما كره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا”، وكذا مقولته الشهيرة “من أحب الحياة عاش ذليلاً”.
ويعتبر المحيا ذكرى استشهاد الإمَـام زيد محطة للتزود من حياة الإمَـام زيد والاستفادة من مواقفه العظيمة والذي كان عالماً يدرس طلاب العلم وكان كاتباً في المحابر وكان قارئاً للقرآن وتنسب إليه إحدى القراءات للقرآن الكريم، وهو أَيْـضاً أحد الرواة المسندين.
ويرى أن الإمَـام زيدَ بنِ علي -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- رأى أن حال الأُمَّــة لن يستقيم في حلقة في زوايا مسجد أَو هناك ولم تستقيم برواية تبث في هذا الكتاب أَو ذاك، فخرج وترك المحابر وترك هذه المجالس رغم قداستها وانطلق إلى الميدان الأقدس وهو الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى.
ويضيف القول: “الإمَـام زيد كان يرى أن إكمال الدين هو بالجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، بينما جانب كبير من الأُمَّــة ترى أن إكمال الدين في الزواج، وما أكثر الذين أكملوا دينهم بحسب المنظور المتعارف بين الناس، وما أقل الذين أكملوا دينهم بمنظور زيد بن علي الإمام الثائر الذي رفعت راية الجهاد بين يديه وقال الحمد لله الذي أكمل لي ديني”.
ويزيد القول: “الإمَـام زيد كان يرى أن الجهاد في سبيل الله هو إكمال للدين، وهذا مصداق لقول الله سبحانه وتعالى: (أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنكم ويَعْلَمَ الصّابِرِينَ)، وكانت أَيْـضاً فلسفة الموت عند الإمَـام زيد مثل فلسفة جده علي بن أبي طالب -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- فعلي الذي قال حينما طعنه أشقى الأشقياء: “فزت ورب الكعبة”، قال زيد ولده وحفيده عندما ضربه أحد الأشقياء بسهم في جبهته: “الشهادةَ الشهادةَ الحمد لله الذي رزقنيها”.
من جهتها تقول رئيس الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان، الدكتورة ابتسام المتوكل: إن ذكرى استشهاد الإمَـام زيد -عَلَيْهِ السَّلامُ- ملهمة للوجدان، موضحة أن الكلام حول أهميّة إحيَاء هذه الذكرى يتجسد من خلال التمعن في جانبين: الأول هو أهميّة الانتماء لأمتنا وتراثنا الحي ورموزنا، وتتعمق هذه الناحية بالنظر إلى استهداف الأُمَّــة في هُــوِيَّتها ومعتقدها وضراوة الحروب والمؤامرات الموجهة لأمتنا ثقافيًّا وعسكريًّا وفي شتى المجالات.
وتضيف في حديث لصحيفة “المسيرة” أنه من ناحية ثانية فَــإنَّ من المُهِمّ إحيَاء ذكرى الإمَـام زيد -عَلَيْهِ السَّلامُ- لتقديم هذه الشخصية المسلمة المجاهدة لشباب اليوم الذين غيبت عنهم القدوات الإسلامية، وكرست نماذج غريبة عن ثقافتهم وليس أفضل من نموذج زيد في إيمانه وبصيرته وشجاعته وجهاده ليعيدنا من وهم ثقافة العدوّ إلى حقيقة واقعنا وآفاق مستقبلنا.
وتشير إلى أن زيداً -كما هو شأن الحسين والإمام علي -عَلَيْهِم السَّلامُ- جميعًا- ليس لزمنه فحسب، بل هو لكل زمن يبني فيه الحق صروحه ويشيد قلاعه التي ستواجه ما شيده الباطل وزخرفه وتهزمه عن إيمان ومعرفة ويقين.
مواقف صادقة وبطولية:
ويعد من أهم الدروس التي يمكن الاستفادة منها لذكرى استشهاد الإمَـام زيد -عَلَيْهِ السَّلامُ- كما يقول السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي –يحفظه الله- “هو أن ندرك مسؤوليتنا في مواجهة طغيان العصر، وأنه ضرورة دينية ترتبط بانتمائنا للإسلام”.
ويرى المسؤول الثقافي أبو محمد السداوي في تصريح لصحيفة “المسيرة”، أن الإمَـام زيداً جسد المواقف الصادقة في مواجهة الاستبداد والغطرسة، وتصحيح مسار الأُمَّــة على علم وبصيرة، لافتاً إلى أن إحيَاء هذه المناسبة تحيي فينا معاني الصمود والحرية والتضحية ونصرة الحق لدفع جبروت وطغيان العابثين بمقدرات الأُمَّــة وثرواتها، داعياً إلى أهميّة التحَرّك بوعي في إطار المنهج القرآني وأعلام الهدى من آل بيت رسول الله لدفع الفساد والاستبداد.
ويشدّد على ضرورة إدراك الجميع للمسؤولية الملقاة على عاتقهم في مواجهة الظالمين والمستكبرين، وكلّ من يريد المساس بالوطن والشعب والمقدسات الإسلامية، مؤكّـداً أن تحَرّك الإمَـام زيد -عَلَيْهِ السَّلامُ- جاء من منطلق الشعور بالمسؤولية تجاه دينه وأمته، فتحَرّك باتّجاه التثقيف والتوضيح وتوعية الناس بدينهم وما يجب عليهم القيام به؛ مِن أجل دينهم، وكان يقول دائماً: “والله لا يدعني كتاب الله أن أسكت”، مُشيراً إلى ما يعيشه العالم الإسلامي نتيجة سكوتهم عن الباطل، لافتاً إلى أهميّة الاستفادة من دروس الإمَـام زيد -عَلَيْهِ السَّلامُ- في عدم التخاذل ونصرة الحق.
ويواصل حديثه بالقول: “إن التخاذل في لحظة من اللحظات قد يجلب الذل للأُمَّـة مئات من السنين”، مؤكّـداً أن صمود الشعب اليمني في وجه العدوان كان نتيجته، أن يعيش أبناء اليمن في كرامة وعزة وشموخ مستفيدين بذلك من مدرسة الإمَـام زيد -عَلَيْهِ السَّلامُ-.
وعلى صعيد متصل، يقول الدكتور العلامة علي عضابي: إن “إحيَاء ذكرى استشهاد الإمَـام زيد بن علي -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- فرصة عظيمة وكبيرة لاستنهاض الأُمَّــة لتقوم بدورها الموكل إليها من الله تعالى: ﴿كُنتُم خَيرَ أُمَّـة أُخرِجَت لِلنّاسِ تَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنونَ بِاللَّهِ﴾”.
ويقول في حديث لـ “المسيرة”: “إن الانحراف عن الإسلام اليوم قد وصل إلى حال أسوأ مما كان عليه في عهد الطاغية هشام بن عبد الملك؛ فطغاة اليوم لم يكتفوا بإفساد أخلاق المسلمين ودينهم بما يروجون له من المنكرات ويشرعون من المحرمات بل نراهم يطبعون مع اليهود والنصارى “أمريكا وإسرائيل” ويوالونهم أشد الموالاة”، مبينًا أن “المنافقين والخونة في هذا العصر يتولون اليهود والنصارى من دون المؤمنين ويدجنون الناس لتمكينهم من أراضي المسلمين بعد أن مكنوّهم من مسخ ثقافتهم وهُــوِيَّتهم الإيمَـانية”، مؤكّـداً أن “الحل في التصدي لمثل هذا الطوفان الجارف يكمن في إحيَاء ذكرى استشهاد الإمَـام زيد ومن قبله جده الإمام الحسين بن علي -عَلَيْهِم السَّلامُ- والسير على نهجهم في مقارعة الباطل”.
ويشير إلى أن “الشعب اليمني العظيم بقيادة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- ومن حوله من الأحرار يضرب أروع الأمثلة في الوقت الحاضر لاستلهام هذه المواقف والسير على نهج الأئمة الأطهار”، مردفاً القول: “فقد حاولت دول العدوان ومن ورائها أمريكا والغرب أن ترهب هذا الشعب بطائراتها الحديثة وصواريخها المتطورة لكنه وبفضل الله والقيادة الحكيمة اختار نهج الإمَـام زيد ومن قبله جده العظيم الحسين بن علي -عَلَيْهِم السَّلامُ جميعاً-، فوقف في وجه الطغاة البغاة وقدم التضحيات الكبيرة كما قدموا هم فأكرمه الله تعالى بالنصر على أمريكا وأذنابها، واستنهض هذا الثبات الأُسطوري في وجه هؤلاء الطغاة أحرار الأُمَّــة فثاروا ضد أمريكا والغرب في كُـلّ مكان”.