تحذيراتٌ يمنيةٌ جادة وتحَرّكاتٌ أمريكيةٌ خاطئة.. بقلم/ منير الشامي
بعد أقل من 24 ساعة من خطاب قائد الثورة السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي -عليه السلام- بدت ردة الفعل الأمريكي بحراكٍ نشط، قرّرت إرسال مبعوثها ليندر كينغ إلى اليمن وحركت المبعوث الأممي لزبارة سلطنة عمان تلاها جلسة طارئة لمجلس الأمن خصصت لمناقشة مستجدات الملف اليمني، وأبرز ما تمخض به هذا الحراك تصريح للمبعوث الأمريكي، يوم الأربعاء، لقناة “الحدث” أكّـد فيه عن استمرار العمل للتوصل إلى صيغة نهائية لوقف إطلاق النار بشكل دائم في اليمن، ودعا إلى دعم دولي لحوار يمني يمني، وفي ردٍ له على تحذيرات قائد الثورة في خطابه الأخير اكتفى بالقول: سأطلب من الحوثيين الابتعاد عن لغة التهديد، فهو ونظامه يعلمان جيِّدًا أن الرسائل التي وجهها قائد الثورة لهم في خطابه الأخير، ليست على سبيل التهديد، بل هي تحذيرات نهائية قصيرة الأجل ستتحقّق إن لم يبادروا في التنفيذ الفوري والكامل لشروط قيادتنا لتمديد الهدنة، فأمريكا هي سبب استمرار معاناة اليمنيين وهي التي تتعمد إبقاءها ومضاعفتها وتلك سياستها مع اليمن وشعبه، أكّـدها ليندر بلسانه في سياق تصريحه لقناة الحدث عند حديثه عن نجاح عملية إفراغ سفينة النفط صافر إلى سفينة اليمن بقوله: إن عائدات بيع شحنة النفط التي تم تفريغها من سفينة النفط صافر إلى السفينة الأُخرى والتي ربما لن تتجاوز 20 مليون دولار يجب أن تكون لصالح اليمنيين، قاصداً بذلك حكومة المرتزِقة.
في نفس الوقت وذات السياق تحَرّك الدمية الأممية جراند (المبعوث الأممي إلى اليمن) في زيارة لسلطنة عمان، يوم الثلاثاء الماضي، والتقى بمسؤوليها وبوفدنا الوطني في مسقط، بعدها عقد مجلس الأمن جلسة طارئة، عصر يوم الأربعاء، للاطلاع على مستجدات الملف اليمني، استمع المجلس فيها إلى إحاطة المبعوث الأممي التي لم تختلف عن إحاطاته السابقة وفق سياسة الكيل بمكيالين لم يتعدَ فيها عن حدود مطالبته بتوسيع الرحلات إلى مطار صنعاء حَــدّ زعمه، وعن استمراره بالمغالطة عن المتسبب بإغلاق الطرق في محافظة تعز، واتّهام البريء وتبرئة المجرم، وَالتستر عن الطرف المعرقل لصرف المرتبات للعام الثامن والمتمثل بتحالف العدوان وبالنظامين الأمريكي والسعوديّ بوجه خاص قائلاً إن الأجور قضية مركزية، وإن عدم صرفها يرجع إلى عدم اتّفاق حكومة صنعاء مع حكومة المرتزِقة على آلية صرفها، بينما رحب بالوديعة التي حصلت عليها حكومة المرتزِقة بمليار ومئتَي ألف دولار، رغم يقينه أنها ستذهب إلى بطون كبار المرتزِقة ولن يصرف منها دولار واحد لتخفيف معاناة المواطن اليمني في المحافظات المحتلّة، وعن الهدنة أفاد في إحاطته بأن مكتبه مُستمرّ بالتواصل مع الأطراف ومع اللجان العسكرية؛ مِن أجل العمل على استمرارها، ودعا في إحاطته إلى ضرورة دخول اليمنيين حسب تعبيره في عملية سياسية بحوار يمني يمني كون العملية السياسية ستعطي منصة للمصالحة ومعالجة التظلمات، وشكر أنصار الله وحكومة صنعاء على جهودهم في حَـلّ مشكلة سفينة النفط صافر.
والخلاصة أن التحَرّك الأمريكي السريع والمفاجئ هذا هو ردة فعل أمريكية على تحذيرات قائد الثورة ورسائله التي وجهها لهم في خطابه الأخير، فهم يدركون جيِّدًا أنه سيد القول والفعل، وأن الوقت قصير جِـدًّا أمامهم؛ لأَنَّه لا يهدّد بل يحذر، وهناك فرق كبير بين التهديد والتحذير فمن يهدّد نادراً ما ينفذ تهديده، أما من يحذر فمن المؤكّـد أنه سينفذ ما توعد به في تحذيره، خَاصَّة إن كان المحذر قائد الثورة، ولعل تعزيز التواجد العسكري الأمريكي مؤخّراً في البحر الأحمر كانت خطوة استعراض استباقية على سبيل التهديد اعتقدوا أنهم بها سيتجنبون سماعَ هذه التحذيرات، وممن: ممن لا يثنيه تهديد ولا ويهزه وعيد؛ ولأن تهديده لم يثمر تحَرّك الأمريكي بعجله من أمره في محاولة التوصل إلى حَـلّ لوقف تنفيذها، ويبدو من خلال ما أسفر عنه هذا التحَرّك أنهم فهموا أول رسالة وجهها قائد الثورة لهم جيِّدًا والمتمثلة بفشل جهود المساعي العمانية بين وفدنا والوفد السعوديّ المفاوض إلا أنهم أخطأوا التحَرّك في الاتّجاه الصحيح وأخطأوا في استخدام الكرت المناسب، فتحَرّكوا للمطالبة بدعم دولي لحوار يمني يمني، وكشفوا أن هدف تحَرّكهم إعادة استخدام كرت محروق سبق لهم استخدامه، وبالطبع سترفض قيادتنا تجريب المجرب جملةً وتفصيلاً؛ لأَنَّ فاقد الشيء لا يعطيه وَإذَا كان الأمريكي قد أفشل نجاح الوسيط العماني في المفاوضات التي جرت بين وفدنا والوفد السعوديّ، فعليه أن يدرك أنه سيعود بخفيٍ حنين، إلا إن تحَرّك تحركًا جديًّا لمنح الشعب اليمني استحقاقاته الإنسانية فورًا، بدون قيد أَو شرط أَو خرج من عباءة التخفي التي يتستر خلفها ودخل في مفاوضات مباشرة وجدية معها، حينها يمكن أن تتجاوب قيادتنا وتؤخر تنفيذ التحذيرات حتى تقيم جدية الطرف الآخر الذي يجب عليه أن يعي الرسالة الثانية لقائد الثورة والمتمثلة بقرار إخراج الشعب اليمني من حالة اللا سلم واللا حرب، إما بمفاوضات جادة وحقيقية وإما بتصعيد حرب لا تبقي ولا تذر ولا يسلم منها أحدٌ، فهل ستتعامل أمريكا مع هذه الحقيقة، أم ستستمر في التغابي عن مفهومها؟