احتلالُ الأوطان لا يأتي إلَّا بعد احتلال العقول.. بقلم/ جميل المقرمي

البلدُ المحصَّنُ من الاختراق يبقى عَصِيًّا على الاحتلال، هذا ما يقولُه الواقعُ، وتؤكِّـدُه المعطيات، وقبلَ أن تُقْدِمَ أيةُ دولةٍ على احتلال بلدٍ ما لا بُـدَّ أن يكون لها قبول وحاضنة شعبيّة وإلا فَــإنَّها لن تستطيع احتلال هذا البلد أَو السيطرة عليه؛ ولهذا سعى العدوان منذُ وقتٍ مبكر إلى تجنيد عملاء ومرتزِقة له وعمل على صناعتهم وتمويلهم وتدريبهم واختبارهم على أرض الوقع بمدى تسليمهم وانقيادهم لتنفيذ كُـلّ الأوامر والأجندات، فحركهم لقتل أبناء جلدتهم وحركهم لتدمير القدرات العسكرية وسحب الأسلحة من الأسواق ورعاية الجماعات التكفيرية، وزادت وتيرة هذا التحَرّك حينما شعروا بخطورة المشروع القرآني على مشاريعه الاستعمارية منذ وقت مبكر وقبل أن نعرف -نحن اليمنيين- ذلك المشروع؛ لأَنَّنا سطحيون، وللأسف الشديد انساق الكثير من أبناء الشعب اليمني بمختلف فئاته حول تلك المزاعم والأقاويل الباطلة بعد أن ثقفوا بتلك الثقافات المغلوطة ولم يكونوا محصنين ثقافيًّا بالقدر الكافي، ولذَلك نظر الجميع إلى الأمور من منظور مادي وإمْكَانات وتناسينا قوة الله سبحانه وتعالى ووعده بالنصر للمؤمنين.

وهذه حقيقة يدركها جيِّدًا من هم في صف العدوان يأتمرون بأمره ويقاتلون تحت لوائه، ولن يستطيعون مخالفته؛ لأَنَّهم أصبحوا مدينين له وحري بمن ما زال في فسحة من أمره الرجوع إلى الحق، خُصُوصاً والآيات تتجلى على أرض الواقع وأصبحت لا تخفى على أحد، فقد عمدت أمريكا عبر عملائها وأدواتها لتسويق كُـلّ الأفكار الهدامة والعناوين المناطقية، حتى وصل بهم الأمر ودون خجل أن يتحدث السفير الأمريكي بأن الحوثيين يسبون الصحابة، وانجرَّ الكثير وراء هذه الأشياء؛ حتى أصبح العديدُ من الأقلام المجاورة تتبنى مثل هذه الأشياء.

صحيحٌ أن العدوانَ استطاع إقناعَ الكثير من العملاء المحليين والإقليميين وعبر منبع الوحي ومهبط الرسالة خرجت الفتاوى بأن الحرب هي بين السنة والشيعة والتي جاءت من منبر رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه وآله- وبعد أن كانت قد فرخت في مختلف أنحاء اليمن من هذه الجماعات التكفيرية التي تأتمر بأمرها والتي خاضت قبل ذلك حرباً بالوكالة في أفغانستان والعراق وغيرها خدمةً للمشاريع الأمريكية الإسرائيلية، متناسية أن ثالث الحرمين الشريفين محتلّ ومغتصب من الصهاينة وكان الأولى بهم تحريك الجيوش لتحريره.

وما جرى من حربٍ عدوانيةٍ على اليمن والتي خاضتها هذه الجماعات ومعها الأدوات الإقليمية المتمثلة بدول الخليج، حرباً بالوكالة وتحت عناوين براقة كما فعلت بالعراق وليبيا وسوريا، تارة باسم الديمقراطية وتارة بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل، وهنا في اليمن تحت مسمى الشرعية تارة وتارة تحت شعار الدفاع عن الصحابة واستجلبت المرتزِقة من أنحاء العالم للدفاع عن الصحابة والدفاع عن الكعبة متناسية أن اليمنيين آمنوا بالرسالة، ومثلما ظهرت أهميّة الشعار بأنه سلاح فعال في مواجهة العدوان وتحصين للأفكار والعقول من الاختراق، وها هو قد أثبت جدوائيته وأصبح يصدح في كُـلّ مكان ويرفع في كُـلّ موقع وعلى مختلف الأسلحة الأمريكية الإسرائيلية.

وصلت أمريكا إلى قناعة تامة بأن هذه المناطق التي تكن السخط لأمريكا لا يمكن أن تقبل جنديًّا أمريكيًّا على أرضها لتبقى المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال محل أطماع الأمريكي والإسرائيلي، الذي أطل برأسه البشع وجلب جنوده إلى مختلف الأراضي المحتلّة ونحن نشاهدهم يظهرون كُـلّ يوم في محافظة، لكن هذا الظهور ونشر تلك الصور -دون أي خجل أَو حياءٍ- لم يأتِ من فراغ وإنما جاء بعد استكمال كُـلّ العوامل النفسية والمادية وأصبحت الساحة في المناطق المحتلّة مهيأة تماماً بعد أن قسمت إلى كنتونات متناحرة وانفلات أمني ومعيشي، ومن باب حرصه على الإنسانية والوطن يقدم اليوم الأمريكي نفسه بأنه المخلص للأُمَّـة مما هي فيه، وهو ما يتوجب على الجميع بناء وتحصين الشباب قبل بناء الأسوار والحواجز فسور الصين العظيم لم يمنع الاحتلال من الدخول واستطاعت الجيوش المحتلّة الدخول من البوابة.

كما أنه يتوجب على كُـلّ الأحرار في المناطق المحتلّة رفع الشعار ورسمه على الجدران وفي الشوارع الرئيسية والأماكن العامة وسيرون بأم أعينهم النتائج على الواقع والتغيرات التي سوف تطرأ على مختلف الميادين.

فالأمريكي لا يمكن أن يدخل بحرب مباشرة مع اليمن قبل أن يكون قد ضمن أن لديه مؤيدين مرتزِقةً من أبناء جلدتنا وقد أصبح اليوم يدرك هذا ولكبح هذه المؤامرة وإيصال رسالة مفادها أن هؤلاء المرتزِقة لا يمثلون اليمن واليمنيين، لا بُـدَّ أن ترتفع الأصوات والعبارات والمظاهرات والسخط الشعبي لأمريكا؛ وهذا بدوره سوف يخفف من فاتورة المواجهة وقد تتوقف أمريكا قبل أن تبدأ؛ لأَنَّ سكوت الغالبية يعطي الشرعية للأقلية من باعوا أنفسهم بثمن بخس وخسروا الدنيا والآخرة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com