واشنطن في مهمة تضييق مسارات السلام وتوسيع أفق المعركة.. الموقفُ الوطني حازمٌ وحاسم
المسيرة: محمد يحيى السياني:
يستمرُّ مسلسلُ تَدفُّقِ القوات الأمريكية والبريطانية إلى المياهِ اليمنيةِ ومختلفِ المناطقِ المحتلّة، وذلك في وقت قد تتعرض ويتعرض فيه تحالف العدوان والحصار الأمريكي السعود إماراتي لهزائمَ نكراءَ على يد القوات المسلحة اليمنية، التي باتت اليوم وبعد أكثر من 8 سنوات تهدّد العمقَ الاستراتيجي لدول العدوان، جغرافياً واقتصاديًّا وأمنيًّا، والتي كانت تُمَنِّي نفسَها في بداية العدوان بالسيطرة على صنعاء في أَيَّـام وأسابيع.
ويمكن القولُ إن وصولَ القوات الأمريكية يأتي اليوم لإعطاء جرعات معنوية للسعوديّة والإمارات والكيان الصهيوني، وَأَيْـضاً ممارسة ما تعتقده أمريكا أنها حرب نفسية على القوات المسلحة اليمنية الحرة لدفعها على التراجع عن استهدافها وضرب العمق السعوديّ والإماراتي، إضافةً لتعزيز الدور السياسي الأمريكي البريطاني في إفشال وعرقلة كُـلّ مساعي السلام في اليمن، والحيلولة دون التوصل لأية نتائج تفضي بأن يصل الشعب اليمني إلى مبتغاه في الحرية والاستقلال واستعادة كامل حقوقه وثرواته المنهوبة من قبل تحالف العدوان والحصار والتي على رأسها أمريكا.
قادمٌ مؤلمٌ على العدوان:
وفي المقابل قوبلت هذه التحَرّكات الأمريكية العدائية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن وبحر العرب، بردود قوية وتصريحات نارية أطلقت عبر المنصات السياسية والعسكرية لصنعاء، حَيثُ قال الرئيس مهدي المشاط، في تصريح استباقي على هذه التحَرّكات العدائية واصفاً هذا العدوان بأنه «عدوان متغطرس متكبر لا يعرف إلَّا لغة القوة وسنعمل كلما نستطيع لردع العدوان كما سنجري قريباً تجارب لأسلحة عسكرية إلى بعض الجزر»، في إشارة إلى أن قدرات القوات المسلحة اليمنية جاهزة للتعامل مع طبيعة أية معركة، لا سيَّما معركة السواحل والجزر.
وَرداً على هذه التحَرّكات الأمريكية حذر نائب وزير الخارجية في حكومة صنعاء حسين العزي، من اقتراب تلك القوات من المياه الإقليمية، والذي قد يعني بداية معركة هي الأطول والأكثر كلفة في التاريخ البشري.
وعلى الصعيد العسكري أَيْـضاً حذر وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر العاطفي، القوات الأمريكية المحتلّة التي بدأت بالتسلل إلى المنطقة وإلى المحافظات اليمنية المحتلّة قائلاً: «إن في انتظارها المجهول إن استمر تماديها وصلفها واحتلالها».
وزير الدفاع قال أَيْـضاً إنه في حال أي تصعيد للقوات الأمريكية «سنحرّر اليمن بفوهات البنادق والمدافع والصواريخ والطيران المسيَّر وبجحافل الجيش المنظم المسنود بتأييد الله والشعب اليمني».
بدوره حذّر رئيسُ أركان القوات البحرية والدفاع الساحلي العميد منصور السعادي، القوات الأمريكية إذَا ما قرّرت القيام بعمل عدائي في المياه الإقليمية بأنها «ستلقى هزيمة وخيمة وسنكبدها خسائر مهولة بسفنها وبوارجها وأن التحَرّكات البحرية لقوى العدوان مرصودة وبنك إحداثياتها يتم تجديده على مدار الساعة ونؤكّـد جهوزية القوات البحرية وأننا فقط ننتظر القيادة العليا».
رسائلُ سياسية عسكرية.. الحذرَ كُـلَّ الحذر:
هذه الرسائل التحذيرية التي أطلقتها صنعاء على لسان قادتها السياسيين والعسكريين، هي رسائل واضحة وقوية وجادة، ينبغي على الأمريكي أن يتلقفها ويعي خطورة أية حماقة لتحَرّكاته العدائية في البحر الأحمر والمياه الإقليمية اليمنية، كما تؤكّـد هذه الرسائل على الجهوزية العالية للقوات المسلحة اليمنية للتعامل مع أي انتهاك للسيادة البحرية اليمنية، كما أن هذه الرسائل هي امتداد وعلى سياق ما أكّـدته صنعاء سابقًا في أكثر من مناسبة، حَيثُ أعلن قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، بأن « القوات المسلحة باتت قادرة على ضرب أية نقطة في البحر من أية نقطة في البر».
كلّ هذه الرسائل الواضحة التي وجهتها صنعاء لقوى العدوان قد حملت في شقها السياسي الموقف السياسي الوطني القوي الثابت مبدئياً تجاه السيادة اليمنية والمعبر عن المواقف الشعبيّة للشعب اليمني المؤيد والمساند لقيادته وللقوات المسلحة ضد تصعيد وتحَرّكات قوى العدوان، كما حملت في شقها العسكري تأكيدات للجاهزية القتالية للجيش اليمني وَالتعامل عسكريًّا مع التحَرّكات العسكرية المعادية للقوات الأمريكية في البحر، كما تؤكّـد هذه التصريحات العسكرية على أن الجبهة البحرية ستكون لها الأولوية في المراحل القادمة؛ بهَدفِ فرض السيادة الكاملة على المياه الإقليمية والجزر اليمنية، إضافة لتأمين خطوط الملاحة البحرية وحمايتها من الانتهاكات والقرصنة الأمريكية.
تحَرُّكٌ مكشوف:
إن التدفق المُستمرّ للقوات الأمريكية وبوارجها الحربية العدائية قبالة السواحل اليمنية وباب المندب والجزر اليمنية المحتلّة والتموضع عسكريًّا في قاعدة العند وخور عميرة بمحافظة لحج وَأَيْـضاً في حضرموت والمهرة وجزيرة سقطرى وميون، هو قطعاً عملٌ عدائي تآمري يستهدفُ اليمن والمنطقة برمتها ويمثل هذا التواجد العسكري الأمريكي خطورة بالغة على اليمن والمنطقة، كما يهدّد الأمن العالمي والإقليمي، ويمثل انتهاكاً وتحدياً صارخاً للأعراف والقوانين الدولية والتي دائماً ما تلاعبت أمريكا بمفاهيمها ومعانيها وفق مصالحها وأطماعها، أَيْـضاً هذه التحَرّكات للقوات الأمريكية مؤخّراً تأتي في ظل تغيير المناخ العالمي والإقليمي سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا وكسر حالة القطبية الواحدة لأمريكا والتي تزعمتها لعقود، وبروز تعدد للأقطاب والقوى الصاعدة، وإنهاء سيطرة أمريكا والغرب الاستعماري في بلدان القرن الإفريقي والبلدان الإفريقية الأُخرى ومناطق مختلفة في العالم، إضافةً إلى صعود دول الشرق والبريكس في سلم التنافس القوي والمتصاعد بسرعة والذي يمضي في خلق توازنات دولية وإقليمية، وإضعاف سيطرة أمريكا والغرب المتحالف معها.
كما أن هناك سببًا مهمًّا لا يمكن تجاهله أَو الخروج عنه من الأسباب الحقيقية للتحَرّك الأمريكي ودفع المزيد من قواتها للانتشار والتموضع في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن وبحر العرب، وهو التحول الكبير للصمود اليمني لأكثر من ثماني سنوات، والذي أَدَّى اليوم إلى تفكك التحالف العسكري الدولي والإقليمي الذي شن عدوانه وحصاره على الشعب اليمني، وقد شكل هذا الصمود صدمة كبيرة لقوى العدوان وأفضت نتائجه إلى تغير معادلات الردع العسكري وترنحت معه السقوفات السياسية لقوى العدوان والتي كانت في أعلى مستوياتها مع بداية العدوان والتي وصلت اليوم إلى مستوى الهزيمة السياسية والفشل الذريع أمام حكمة القيادة الثورية والسياسية التي أدارت هذه المعركة بحنكة وحكمة وصبر واقتدار، كما شكل فشل الوكيل الإقليمي لأمريكا (السعوديّة والإمارات)، مأزقاً حقيقيًّا لها ووضعها اليوم في مواجهة مباشرة مع القوات المسلحة اليمنية وهي ما كان تخشاه وتتحاشاه طوال الفترات السابقة من المعركة العسكرية بين الجيش اليمني وجيوش دول تحالف العدوان والحصار.
أمريكا تدرك أنه من خلال تحريك قواتها قبالة السواحل اليمنية والمياه الإقليمية وفي المنطقة، لا يمثل هذا التحَرّك أمام من يدرك حقيقة وضع أمريكا اليوم بأن تحريك قواتها يعكس مظهراً لقوتها، والتي باتت اليوم أضعف بكثير مما كانت عليه أثناء تزعمها للعالم قبل أعوام، ورسائلها في ذلك بالنسبة لليمن قيادة وشعباً قد تم الرد عليها رسميًّا وشعبيًّا بردود قوية وواضحة مع توجيه رسائل تحذيرية، متلازمة معها جهوزية عسكرية عالية، وهو ما سيشكل لأمريكا وأدواتها مأزقاً كبيراً إن أقدمت على أي عمل عدائي يمس السيادة اليمنية، ولأنها تدرك أَيْـضاً حجم الفداحة والكلفة الكبيرة في حالة خوض معركة عسكرية مباشرة مع الجيش اليمني لذا فهي اليوم تحاول من خلال تضليلها وادِّعاءاتها الكاذبة، بأن قواتها التي استجلبتها للتمركز والانتشار في البحر الأحمر، جزء من جهودها المزعومة لحماية مصالحها الاستراتيجية والنفطية في المنطقة ولمصلحة العالم!، وهي بذلك تريد إضفاء المشروعية على تواجد قواتها العسكرية وتحَرّكاتها العدائية في حين أن الواقع والحقيقة والأحداث يشهد بأن وجود هذه القوات وهذه التحَرّكات في اليمن والمنطقة لم يجلب لبلدانها وشعوبها إلَّا الويلات والحروب والدمار والجرائم البشعة التي ارتكبتها ضد أبناء هذه الأُمَّــة.
تضييقُ أُفُقِ السلام وتوسيع مسارات المعركة
الإصرارُ الأمريكي اليوم في مواصلة التحكم بمسار السلام في اليمن وفقًا لمصالحها ورغباتها الإجرامية، هي تجسد الاستمرارية العدائية لها في استهداف الشعب اليمني عبر هذه التحَرّكات العدائية ومواصلة العدوان والحصار ودفع السعوديّة والإمارات لتنفيذ رغباتها والتي تتضح من خلال رفض مطالب الشعب اليمني المحقة والمشروعة.
خيارات أمريكا اليوم باتت في اليمن والمنطقة مخنوقة وضيقة ومحدودة بفعل القوى الحرة والمقاومة في اليمن ودول محور المقاومة التي كبدتها وكبدت أدواتها خسائر فادحة وأفشلت كُـلّ خططها ومشاريعها الخبيثة ضد الأُمَّــة، وللشعب اليمني خصوصية ودور بارز في خنق وتقليص الخيارات الأمريكية، التي باتت محدودة ومكبلة له في التوسع العدائي في اليمن والمنطقة.
أمريكا بهكذا تحَرّكات عدائية ضد اليمن والمنطقة تواصلُ انتهاجَها التقليدي الأحمق الغبي مع أذيالها وأدواتها الرخيصة في الاتّجاه المعاكس لرياح المتغيرات والتحولات العالمية والتي قطعاً ستدفعها إلى المجهول، ويبدو من خلال هذه التحَرّكات العدائية لأمريكا وأدواتها في اليمن والمنطقة ستدفع بلا شك إلى معركة حتمية وأخيرة مع الشعب اليمني بخصوصيته وهُــوِيَّته الإيمَـانية وبأسه الشديد وتاريخه العريق ومع الشعوب الحية والحرة في دول محور المقاومة، فكل المؤشرات تؤكّـد حتمية ذلك وما تبقى من إرهاصات ومناورات سياسية اليوم هي مُجَـرّد تفاصيل.