أمريكا تناورُ بعرقلة السلام لتحقيق مكاسبَ سياسية.. بقلم/ محمد علي الحريشي
سارعت وزارة الخارجية الأمريكية في إصدار بيان أَو تصريح مقتضَب تعليقًا على انتهاء جولة زيارة الوفد المفاوض العماني إلى صنعاء بداية الأسبوع الجاري، التصريح المقتضب «عبر عن تمسك الولايات المتحدة بتسوية سياسية يمنية -يمنية»، فسر البعض هذا التصريح أنه رفض لنتائج مباحثات السلام اليمنية السعوديّة.
أولاً لم نكن نعتاد من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية أنها تسارع في إصدار بيانات سياسية عن الأوضاع في اليمن، كانت تتعامل مع حكومة وقيادة صنعاء بالصمت وعدم التعليق إلا فيما ندر من مواقف عرضية تطلقها الجهات الأمريكية المسؤولة بحذر شديد؛ تماشيًا مع ما تدَّعيه واشنطن أنها لا تتعامل مع انقلابيين ومليشيات تعتبر خارج مسار الدولة وشرعية الدولة، هكذا كانت تتعامل الحكومة الأمريكية مع اليمن باستهتار وغرور مسكون بجنون العظمة كونها القوة الأولى العسكرية والسياسية والاقتصادية في العالم، كانت تعتبر أن أي تصريح يشير إلى قيادة وحكومة صنعاء أنه تلميح بتعامل قوة عظمى مثل الولايات المتحدة مع مليشيات يعطيها حجم أكبر من حجمها، غطرسة ليس لها حدود.
مَـا هو الذي جرى حتى جعل الحكومة الأمريكية تتنازل عن كبريائها وتغير سياساتها وتصدر بيانات رسمية سريعة تتعامل مع حالة ووضع قيادة صنعاء كحالة ندية مثلها مثل أية دولة ذات حجم كبير أكبر من حجم أية دولة عربية في المنطقة؟ هذا التحول الدراماتيكي في المواقف والسياسات الأمريكية مع القيادة والحكومة اليمنية في صنعاء ليس بالأمر السهل من النواحي السياسية والاستراتيجية.
من يعرف بواطن السياسة الأمريكية ويدرس مظاهرها أمام القوى الثورية المناهضة لها مثل حركة وقوات حزب الله اللبناني والقيادة الإيرانية والقيادة الكورية وَالقيادة الكوبية، سوف يكتشف أن تلك الهالة الكبرى والفوبيا عن جبروت وقوة ومكانة القوات والحكومة الأمريكية، ما هي إلَّا هالات إعلامية وبروبوغاندا صنعتها أبواق الدعاية الأمريكية في وجه أعدائها وخصومها وحتى أصدقائها على حَــدّ سواء، القوة الأمريكية تنهار أمام إرادَة أحرار المقاومة، وهكذا فرض اليمن موقعه كقوة ثورية مناهضة لمشروع الهيمنة الأمريكية وارتبط روحياً ووجدانيًّا بالمشروع الثوري الجامع لدول وقوى محور المقاومة الذي يشكل اليوم تهديداً جدياً لمستقبل الهيمنة الأمريكية في المنطقة والعالم.
إسراع وزارة الخارجية لإصدار بيان رسمي عبر عن امتعاض الحكومة الأمريكية لسير المفاوضات الندية اليمنية السعوديّة برعاية عمانية، البيان السياسي الأمريكي، وإن كان يرى فيه البعض عرقلة أمريكية لمباحثات السلام اليمني السعوديّ، لكن لديَّ وجهة نظر مغايرة، أرى في البيان الأمريكي اعتراف بواقع اليمن كقوة عسكرية وسياسية فرضت نفسها على خشبة المسرح الدولي وذلك بما أصبحت تمتلكه من قوات عسكرية نوعية فرضت واقعاً عسكريًّا وسياسيًّا في المنطقة والعالم بحيث أصبحت تمثل لاعباً كَبيراً يرسم مجريات خيوط اللعبة ويفرض الخطوط العريضة في مجرى السياسة الدولية في المنطقة والعالم، أمريكا غير قادرة على عرقلة إحلال السلام في اليمن والمنطقة وإنهاء العدوان، لو كانت لديها المقدرة لما وصل الوفدُ العُماني إلى صنعاء، ولَتم وضعُ العراقيل للحيلولة دون وصوله، لكن الحقيقة تقول عكس ذلك، هناك دفعٌ سعوديٌّ ووساطات تقودها أكثر من أطراف دولية وعربية لدفع الوساطة العمانية للذهاب إلى صنعاء، الدليل عدم تناول وسائل الإعلام السعوديّة لنتائج مباحثات صنعاء وعدم الاعتراض على التسريبات التي بثتها وسائل إعلامية مختلفة عن قرب التوصل إلى اتّفاق يمني سعوديّ لحلحلة أهم الملفات الإنسانية مثل صرف المرتبات وفتح موانئ الحديدة ومطار صنعاء وغيرها من النتائج التي أصبحت مسودة الاتّفاق جاهزة وتحت اللمسات الأخيرة، أمريكا بوضعها الدولي والإقليمي الحالي والتغيرات السياسية الخليجية الإيرانية لن تستطيع عرقلة السلام ولن تستطيع فرض أجندات على طاولة الحوار؛ لأَنَّها تدرك جيِّدًا الموقف الصلب والثابت للقيادة اليمنية الرافض للتدخلات والضغوط الأمريكية، فهي تدرك جيِّدًا أن صنعاء لن تقبل بالجلوس في الحوارات والمفاوضات مع ما يسمى «حكومة الشرعية» ولا لأي طرف من أطرافها، هذا الموقف الثابت لم تستطع زحزحته كُـلّ ممارسات الضغوطات الأمريكية من تاريخ نقل البنك المركزي اليمني إلى مدينة عدن عام 2017م حتى اليوم، في تلك المرحلة التي كان اليمن لا يمتلك فيها سلاح الردع، أما اليوم فقد أصبح اليمن رقماً صعباً قوياً متسلحاً بالانتصارات التي حقّقها وتحقيق توازن الردع، فكيف ستمضي الضغوطات الأمريكية في ظل هذه الأوضاع؟
إذن ما تمارسه أمريكا من مواقف وبيانات هي عبارة عن تسجيل مواقف سياسية موجهة إلى الداخل الأمريكي وإلى دول الخليج التابعة لها، سوف تمضي الوساطة العمانية إلى الأمام؛ لأنها أصبحت مطلباً سعوديّاً أكثر مما هو مطلب يمني، موازين القوى تشكل القلق والخوف المسكون في الكيان الصهيوني وأنظمة الذل والخنوع العربية، هذا ما اعترفت به مراكز صنع السياسات الصهيونية والأمريكية، اليمن يفرض المعادلة الإقليمية والدولية بالتشابك مع قوى محور المقاومة، لا قلق ولا خوف من عرقلة أمريكية للسلام فهي أعجز من أي وقت مضى، سوف تثبت الأيّام القادمة صوابية هذا الاتّجاه والأيّام بيننا.