الإمامُ الهادي.. نهضةٌ دينيةٌ وَعلميةٌ وَسياسية.. بقلم/ دينا الرميمة
كغيرهم من أبناء الأُمَّــة المحمدية تعرض اليمنيون للسخط الأموي ونالهم الكثير من الذل والهوان والاستهداف الممنهج لهُــوِيَّتهم الإيمانية، خَاصَّة وأنهم الأكثر ارتباطاً بآل البيت منذ أن دخل الإسلام اليمن على يد الإمام علي -عليه السلام- الذي لقنهم كُـلّ تعاليمه وقيمه، وكان لهذا الارتباط والولاء ثمنٌ دفعه اليمنيون.
بعد أن تولى الأمويون زمام الحكم الذين صبوا عليهم جام غضبهم صباً وَجعلوا اليمن تعيش حقبة سوداء من تأريخها في ظل صراعات وَحروب، أضف إلى تدجين أدمغتهم بثقافات ما أنزل الله بها من سلطان، إلا أن اليمنيين كانوا دائماً ما يعودون إلى رشدهم وحكمتهم ويلجأون إلى الى أئمة آل البيت يستنشدونهم لإصلاح حالهم، كما حدث معهم في عهد الإمام الهادي (يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين علي) عليهم جميعاً السلام، والذي جاءه اليمنيون يشكونه حالهم المزري وَحالة الفرقة والاقتتال فيما بينهم ويستنقذونه من تسلط الظالمين على رقابهم، فما كان منه إلا أن لبى مناديهم كما هو حال أئمة آل البيت -عليهم السلام- في استنقاذ أُمَّـة جدهم من براثن الفكر الأموي المضلِّل وَسيوف الظلم والجور التي تفتك بها، ومن فوره توجّـه الإمام الهادي إلى اليمن وهو من بشر به الحبيب المصطفى بأنه من سيحيي الله به دينه وأشَارَ باتّجاه اليمن!!
وقد عُرف الإمام الهادي بذكائه وفطنته وعلمه المتوارث من أجداده وَشجاعة عرف بها حتى قدمه الناس في الإمامة منذ صغره، كان حليماً لا يلجأ إلى الحرب وَالاقتتال إلا بعد نفاد كُـلّ وسائل السلم، يهمه أن ينتصر في ميدان الأخلاق أكثر من ساحات المعارك.
وبعد وصوله إلى اليمن استقر به المقام في صعدة، فوجد الناس في حالة فرقة وشتات لا يحتكمون إلى دولة ولا يضم شتاتهم سلطة، بل إن كُـلّ قبيلة تحكم نفسها بنفسها في ظل صراعات بينهم وَفقر وَجهل، فبدأ من مسجده الذي أنشأه بصعدة، وتحت مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المكر يلم شعث الناس ويصلح ذات بينهم وعمد إلى حَـلّ الخلافات بين القبائل ونشر روح السلام، ومن ثم عمل على فتح المدارس الدينية وبدأ يُعيد للقلوب الروح الإيمَـانية اليمانيّة التي كادت أن تموت، ومن ثم بدأ بتكوين دولة يمنية موحدة وأصلح منظومة القضاء التي هي أَسَاس لإقامة العدل وَكان هو على رأسها، وكما اهتم بالزكاة ومصارفها كونها أهم موارد الدولة، واختار العاملين على المدن اليمنية ممن يثق بصلاح حالهم فنعمت البلاد بالأمن وَقضى على ظاهرة التقطع والحرابة.
وحصل في عهده اكتفاء ذاتي ونهضة اقتصادية وَعلمية وألف الكثير من الكتب العلمية والدينية في علوم القرآن وَأصول الدين والفقه، إضافةً إلى جهوده الفكرية التي انصبت على بناء الشخصية السوية فكرياً وتصورياً ومواجهة الأفكار الهدامة التي تؤثر سلباً على المجتمع ودولته العادلة!!
بعدها توجّـه إلى محاربة القرامطة والعباسيين بمساندة اليمنيين الذين أحيا فيهم الروح الجهادية، فسطروا معه انتصارات عظيمة وكانوا له خير سند كما كان هو لهم المنجي والمنقذ إلى أن توفي في العام ٢٩٨ه.
وهكذا هو حال اليمنيون، كلما ساء حالهم وَتعرضوا لحرب تستهدف دينهم أَو أرضهم يأتي من أعلام الهدى من ينتشلهم من كُـلّ الفخاخ التي توضع في طريقهم، كما هو حالنا مع الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، الذي استطاع بثقافته القرآنية انتشال اليمنيين من براثن الفكر والإسلام الوهَّـابي وأعاد لليمن هُــوِيَّتها الإيمانية بعد أن أوشكت على الضياع وَنشر الوعي حول خطر أمريكا وإسرائيل إلى أن ارتقى شهيداً ليكمل المسيرة من بعده السيد عبدالملك، فكان ولا يزال خير العلم والقائد.