كنزُ النيجر المنهوب غربيًّا.. مواردُ معدنيةٌ هائلةٌ أبرزُها اليورانيوم في بلد فقير
المسيرة | متابعة خَاصَّة:
البلد الذي يضيء شوارع باريس بينما يعيش أغلب سكانه في الظلام، هكذا توصف النيجر التي تعد من أفقر دول العالم، ولكن ثرواتها تتنافس عليها القوى العظمى، واللافت في انقلاب النيجر أن هناك ردة فعل إقليمية وغربية أكبر بكثير مما حدث، عندما وقع انقلابان في بوركينا فاسو ومالي، ويرجع ذلك إلى أنه بالإضافة إلى أن الغرب كان ينظر للنيجر أنها حليف قوي في الحرب ضد الإرهاب ومحطة لمواجهة النفوذ الروسي، فإن ثروات النيجر التي تستفيد الشركات الغربية منها وتضيء شوارع فرنسا، هي سبب أَسَاسي للقلق الغربي مما يحدث في البلاد خَاصَّة فرنسا.
النيجر هي منتج رئيسي للذهب واليورانيوم، وهذا الأخير ضروري للطاقة النووية الأُورُوبية, كما تمتلك البلاد احتياطيات نفطية كبيرة أرادت الشركات الأجنبية الوصول إليها, كما أنها تستضيف قواعد طائرات أمريكية بدون طيار وقواعد فرنسية وقوات من البلدين.
وهي أهم مصدر لخام اليورانيوم في إفريقيا، حيث تعتبر النيجر رابع أغنى دولة في العالم من حيث احتياطيات اليورانيوم, وتحتفظ الشركة النووية الفرنسية AREVA بالحق في معالجة موارد اليورانيوم في النيجر لأكثر من 50 عاماً, لهذا السبب، تولي كُـلّ من فرنسا والولايات المتحدة أهميّة كبيرة للنيجر, كما أنها سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وفرنسا، التي تعتمد على الطاقة النووية لحوالي 70% من طاقتها، هي مستورد رئيسي لليوارنيوم من البلاد، فوفقاً للمجتمع الأُورُوبي للطاقة الذرية (يوراتوم)، ساهمت النيجر بنسبة 19% من إمدَادات اليورانيوم الفرنسية خلال الفترة 2005-2020م، خلف كازاخستان وأستراليا، وهو رقم يعتقد الخبراء المناهضون للأسلحة النووية أنه لا يستهان به.
وتزداد أهميّة يورانيوم النيجر في ظل الحرب الأوكرانية ورغبة الغرب في تقليص الاعتماد على اليورانيوم القادم من روسيا أَو عن طريق حلفائها, تركز الشركة الفرنسية متعددة الجنسيات AREVA جهودها على البدء في استغلال رواسب Imouraren في شمال شرق البلاد، حيث يعتقد أن بها إمْكَانيات هائلة تقارب 200000 طن.
في السياق, وعلى مدى شهرٍ فقط، مرّت جمهورية النيجر في عدة أحداث وتحولات، أثارت استياء الغرب، وخُصُوصاً فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، والجديدة في المفهوم الحالي؛ بسَببِ ما اسمته بالانقلاب العسكري والاطاحة بالرئيس محمد بازوم، الذي كان يُعدُّ رجلها الأول في منطقة الساحل الأفريقي, وبدأت التظاهرات المناهضة لفرنسا بعد 4 أَيَّـام من تولي المجلس العسكري السلطة، حين احتشد مئات من أنصاره أمام السفارة الفرنسية في نيامي, وتخللت تظاهرات التأييد للمجلس العسكري شعارات معادية لفرنسا و”اكواس”.
وخلال الأيّام الماضية, تجمع الآلاف من شعب النيجر، في العاصمة نيامي وغيرها من المدن الرئيسية، في فعالياتٍ ومظاهراتٍ حاشدة, دعماً واسناداً للمجلس العسكري، تمخضت بإمهال السفير الفرنسي 48 ساعة لمغادرة البلاد, وشهدت العاصمة نيامي, احتشاد الآلاف من المؤيدين للمجلس العسكري, حيث احتشد أنصار العسكريين في ملعب سيني كونتشي، الأكبر في البلاد، ملوِّحين بأعلام النيجر والجزائر وروسيا في المدرجات.
وفي كلمة له أمام الحشد، قال عضو المجلس العسكري، الكولونيل إيبرو أمادو: إنّ “النضال لن يتوقف حتى اليوم الذي لن يكون فيه هناك أي جندي فرنسي في النيجر”., وأضاف, “أنتم ستُخرجونهم. وبعد عودة الجميع إلى ديارهم، سينتهي بهم الأمر بالمغادرة”.
وقالت النيجرية، راماتو إبراهيم بوبكر خلال مشاركتها في التجمعات: “لدينا الحق في اختيار الشركاء الذين نريدهم، وينبغي لفرنسا احترام هذا الخيار”, وأضافت, أنّ “النيجر لم تكن مستقلة منذ 60 عاماً، لكنّها أصبحت كذلك منذ عزل محمد بازوم”، في 26 تموز/يوليو، مضيفةً: “لذلك، نحن ندعم المجلس الوطني لحماية الوطن مئة في المئة”.
ونُظّم هذا التجمع الجديد لدعم المجلس الوطني لحماية الوطن، غداة طلبه إلى السفير الفرنسي في النيجر، سيلفان إيتي، مغادرة البلاد؛ بسَببِ عدم استجابته لـ”دعوة” من وزارة الخارجية؛ مِن أجل مقابلة، بالإضافة إلى تصرفات أُخرى من الحكومة الفرنسية تتعارض مع مصالح النيجر، بينما استنكرت وزارة الخارجية الفرنسية هذا القرار.
وتسير النيجر على خطى مالي وبوركينا فاسو، حيث لم يعد لدى أيٍّ منهما أَيْـضاً سفير فرنسي, وهاتان الدولتان أبدتا تضامنهما مع جنرالات نيامي، قائلتين إنّهما على استعداد للقتال إلى جانب الجيش النيجري، في حال تدخلت “إكواس” عسكريا.
وكانت الجماعة الاقتصادية لدول غربي أفريقيا، “إكواس”، قرّرت، بعد عزل بازوم، فرض عقوبات اقتصادية ومالية شديدة على النيجر، وتعليق عضويتها في المنظمة الإقليمية، كما هدّدت بالتدخل عسكريًّا؛ مِن أجل إعادة بازوم إلى منصبه.
واتهم المجلس العسكري، بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني، فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، بالرغبة في التدخل عسكريًّا لإعادة بازوم إلى السلطة, كما اتهم الجماعة الاقتصادية لدول غربي أفريقيا بأنّها تابعة لفرنسا، التي تنشر 1500 عسكري في النيجر.
وفي إثر فرض شركاء النيجر الإقليميين والغربيين، وبينهم فرنسا، عقوبات واسعة النطاق على البلد الأفريقي، أوقف الأخير بثّ محطتين فرنسيتين إخباريتين رسميتين، هما “فرنسا 24″ و”راديو فرنسا الدولي” (آر.أف.آي)، وهي خطوة ندّدت بها الخارجية الفرنسية.
وفي 3 آب/أغسطُس، ألغى المجلس العسكري الاتّفاقيات العسكرية الثنائية مع فرنسا، وهو قرار تجاهلته باريس، التي قالت إنها لا تعترف سوى بمحمد بازوم “رئيساً شرعياً” للنيجر.
واتهم المجلس العسكري فرنسا بانتهاك مجال البلاد الجوي المغلق بصورة متكرّرة، وبأنّها “أطلقت سراح إرهابيين” في إطار “خطة حقيقية لزعزعة استقرار البلاد”.
في غضون ذلك، أمر رئيس الأركان في النيجر، موسى سالاو بارمو، الذي عينه المجلس العسكري، بوضع القوات المسلحة في البلاد في حالة تأهب قصوى.
وأوضح بارمو أنّ القرار اتُّخذ على خلفية التهديدات الملموسة بصورة متزايدة بالعدوان على النيجر؛ مِن أجل “تجنب المفاجأة العامة، وضمان الرد الملائم”.
في المقابل، أعلن رئيس مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غربي أفريقيا، “إكواس”، عمر توراي، “رفض المجموعة برنامج الأعوام الثلاثة، والذي اقترحه المجلس العسكري في النيجر، ومحاولات تشكيل حكومة جديدة هناك”.
وقال توراي، في مؤتمر صحافي: إن “إكواس ليس لديها خطة لغزو النيجر، بل تعتزم انتهاج كُـلّ السبل؛ مِن أجل استعادة النظام السابق هناك”، لكنه عاد وأكّـد أن “اللجوء إلى خيار استخدام القوة في النيجر، لا يزال مطروحاً على الطاولة”.
يُذكر أنّ جيش النيجر أعلن عزل رئيس البلاد، محمد بازوم، وتشكيل “المجلس الوطني لحماية الوطن”، والذي تَرأسه مجموعة من القيادات العليا في الجيش.
والرئيس محمد بازوم، الذي انتُخب عام 2021م، هو حليف وثيق لفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة للنيجر. وشهدت البلاد محاولة إطاحته في 31 مارس 2021م، قبل يومين فقط من تنصيبه.
إلى ذلك, وبحسب برنامج الأغذية العالمي، فإنّ الوضع الحالي في النيجر قد يتفاقم، حيث يكافح أكثر من 3 ملايين شخص؛ مِن أجل توفير وجبة واحدة فقط على المائدة يومياً, في بلدٍ كانت كنوزه محرمة على أهلها, “نفط وذهب ويورانيوم” وهناك المزيد، فأين كانت تذهب ثروات هذا البلد الفقير؟
تعد أهم صادرات النيجر هي الذهب (2.7 مليار دولار)، والبذور الزيتية (344 مليون دولار)، والمواد الكيميائية المشعة (297 مليون دولار)، والبترول المكرّر (235 مليون دولار)، واليورانيوم والثوريوم (36.5 مليون دولار) واللحوم.
وتذهب معظم صادرات البلاد إلى الإمارات العربية المتحدة (2.68 مليار دولار) والصين (344 مليون دولار) وفرنسا (197 مليون دولار) وبوركينا فاسو (123 مليون دولار) ومالي (110 ملايين دولار)، حسب مرصد (oec).