الإمامُ الهادي.. دينٌ ودولة.. بقلم/ أميرة السلطان
عندما خلق الله الإنسان وجعله مستخلفًا في هذه الأرض، سهل له كُـلّ السُبل التي من خلالها يستطيع القيام بمسؤولياته على هذه الأرض، واقتضت الحكمة الإلهية والتدبير الحكيم لهذه الدنيا أن هذا الإنسان بحاجة إلى قيادة ربانية تمتلك من الصفات ما تجعلها قادرة على تربية النفس البشرية وتزكيتها والرفع من مستواها الإيماني مترافق مع ذلك تطويع كُـلّ ما سخره الله في هذا الكوكب خدمة للدين والناس.
أدرك اليمنيون هذه الحقيقةَ منذ وقت مبكِّر؛ فعرفوا حقَّ المعرفة أن لا مخرج مما كانت تعيشُه اليمن آنذاك من حروب وفتن وفقر إلا بقيادة مختارة من الله من أهل بيت رسول الله -صلوات الله عليهم- فبادروا وبلا تردّد بالذهاب إلى الحجاز وشرح الحالة التي كانوا يعيشونها للإمام الهادي، فقد كانت الحالة في اليمن مأساوية بكل ما تعنية الكلمة، فقد وصل الانحراف في الدين إلى منتهاه، أضف إلى ذلك حالة التشرذم والتفرق والاقتتال والثارات.
وتأتي مع تلك المبادرة اليمنية الروحية العالية التي عهدناها في أهل بيت رسول الله ومن دون تردّد ذهب معهم ليقيم دولة الإسلام المنشودة وينقذ أُناس أتوا إليه طالبين منه الغوث والنجدة.
عند وصول الإمام الهادي إلى اليمن حدّد ملامح دولته وصاغ الأهداف التي ستقام عليها هذه الدولة فكان مما قاله كشروط لبيعته: “إني اشترط لكم أربعاً على نفسي: (الحكم بكتاب الله وسنة نبيه، والأثرة لكم على نفسي فيما جعله الله بيني وبينكم، أؤثركم ولا أتفضل عليكم، وأقدمكم عند العطاء قبلي، وأتقدم أمامكم عند لقاء عدوي وعدوكم بنفسي) واشترط لنفسي عليكم اثنتين: (النصيحة لله ولي في السر والعلَن، والطاعة لأمري في كُـلّ حالاتكم ما أطعت الله فيكم، فإن خالفت طاعة الله فلا طاعة لي عليكم، وإن ملتُ أَو عدلت عن كتاب الله فلا حجّـة لي عليكم)”.
ومن خلال هذه الشروط يتضح لنا الفرق بين قيادة أهل بيت رسول الله التي تبحث عن التقوى وتحث على النصيحة في حين كان هشام بن عبدالملك يقول: “والله لو يأمُرُني أحدٌ بتقوى الله لأقتلنه”!.
كان الإمامُ الهادي حريصًا كُـلَّ الحرص على الإنسان فوجه كُـلّ جهوده إليه من خلال إيقاف الثارات ورأب الصدع الذي ساد بين القبائل وسعى -عليه السلام- جاهدًا للبحث عن مصادر عيش كريم للإنسان اليمني بما يحفظ له كرامته وعزته.
من الأشياء أَيْـضاً التي تدل على عظمةِ هذا الإمام أنه قال: “واللهِ الذي لا إله إلا هو ما أكلتُ مما جبيت من اليمن شيئاً، ولا شربت منه الماء، والله يعلم ما أقول، وما أنفق إلا بشيءٍ جئت به معي من الحجاز”، ليكون ذلك الكلام منبع طمأنينة لتلك الأُمَّــة التي قد صار حاكمًا عليها، أنه لم يأتِ إليها طمعاً في مال أَو منصب أَو جاه وإنما جاء إليهم لإقامة ما أماته الظالمين من عالم الدين؛ فكان بحق هادياً إلى الحق عاملاً به أولًا، داعياً إليه، مرسخاً هذا المبدأ في نفوس أمته.
كان ذلك هو الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين -عليهما السلام- الذي ما يزال حاضراً بيننا وإن بعد بيننا الزمان، فما زالت مكتباتنا زاخرة بتلك المؤلفات العظيمة التي تركها بين أظهرنا، كمجموعة رسائل الإمام الهادي وكتاب أصول الدين وكتاب الجملة وغيرها من المؤلفات.
إن الحديث عن هذا الإمام العظيم وما عمله من إنجازات يطول كَثيراً؛ كونه الوحيد الذي استطاع أن يُقيم دولة إسلامية مكتملة الأركان بعد تلك الدولة التي أقامها النبي -صلوات الله عليه وآله- في المدينة، وما هذه السطور إلا شذرات من عطر سيرته الفواح شذاها في كُـلّ أرجاء اليمن.