رئيس الهيئة العامة لحماية الآثار والمتاحف عباد الهيال في حوار خاص لصحيفة “المسيرة”: الاحتلالُ يعبثُ بآثار اليمن والكثيرُ من النقوش الثمينة تعرَّضت للنهب والسرقة
المسيرة – حاوره إبراهيم العنسي:
أوضح رئيسُ الهيئة العامة لحماية الآثار والمتاحف، عباد الهيال، أن الاحتلال يسعى جاهداً لنهب وسرقة الآثار اليمنية في وقت تتعرض فيه الآثار في عدد من المحافظات للسرقة بطرقة تخريبية.
وقال في حوار خاص مع صحيفة “المسيرة”: “إن بعض المواطنين تمكّنوا من إدخَال أجهزة كشف المعادن بالتواطؤ مع الاحتلال الإماراتي وبالاعتماد على هذه الأجهزة يتم الحفر والعبث بالمواقع الأثرية والآثار اليمنية”.
وَأَضَـافَ أن “الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الإنقاذ الوطني بصنعاء هي الجهةُ الأكثرُ تعاوناً مع الهيئة، في حين أن هناك قصورًا لدى بعض الجهات”.
إلى نص الحوار:
– بداية أُستاذ عباد.. خلال سنوات العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ الغاشم على بلادنا كان هناك نشاطٌ ملحوظٌ لمهرِّبي الآثار، وسرقتها من قبل الاحتلال والمرتزِقة.. ما تعليقكم على ذلك؟
المحتلُّ دائماً ما يعبث بآثار البلاد التي يدخلها، وهذا ما حصل على سبيل المثال مع الآثار العراقية وما حصل في سوريا واليمن ومصر أَيَّـام الثورة، ففي العراق تم نهب المتحف العراقي، حَيثُ تم الكشفُ من أن عناصرَ يتبعون الموساد كانوا أولَ من دخل إليه؛ لسرقة محتوياته الثمينة، بما فيها نقش السبي البابلي.
وفي اليمن في معبد أوام الذي كان يضم آلافَ النقوش اليمنية التاريخية، حَيثُ كان ملوكُ اليمن يقومون بالنقش داخل هذا المعبد؛ لتسجيل انتصاراتهم واحتفالاتهم، فيما اليوم نجد أن الكثير من تلك النقوش قد سُرقت، كما انتهكت مكانة المعبد التاريخية مع طلاء بعض المواطنين على جدرانه ككتابتهم لذكريات وما شابه، وهنا تكمن المشكلة، حَيثُ يغيب الحس والشعور بالمسؤولية وضرورة حماية آثار اليمن عن الجميع؛ والأمر ذاته يحدث في بيحان وأماكن الحضارة القتبانية والأَوْسَانية في المناطق الجنوبية المحتلّة.
– هناك نهبٌ وتخريبٌ وسرقة كبيرة لآثار البلاد؟
مع فرض المحتلّين للحصار علينا فَــإنَّ حاجاتِ الناس تدفعُهم للبحث عما يمكن بيعُه، أَو الاستفادة منه بما في ذلك البحث عن الكنوز؛ وهذا يجعل هذه الأعمال نشطة نوعاً ما؛ ولهذا تتعرض آثارنا للسرقة والتهريب، حَيثُ تُعرض بمزادات الغرب، وُصُـولاً إلى عرضها في إسرائيل، حَيثُ كان هذا النهبُ على أشدِّه، كما كان حاصل في محافظة الجوف الأثرية، وكما هو حاصل في محافظات الجنوب والشرق المحتلّة؛ فهناك ضعاف النفوس ممن لا يفهمون قيمةَ آثارنا وتراثنا وتاريخنا العريق.
والأمر ذاته في محافظة البيضاء وخَاصَّة منطقة موكل التي تتعرض فيها الآثار للحفر والسرقة بطرق تخريبية، حَيثُ يتم إدخَال أجهزة كشف المعادن والتي تُظهِرُ ما هو في باطن التجاويف أَو مدفون تحت الأرض، ويتم إدخَال تلك الأجهزة عبر دولة الإمارات المتحدة، وبالاعتماد عليها يتم الحفرُ والعبث بالمواقع الأثرية والآثار اليمنية بشكل بدائي، حَيثُ يتعرض بعضها للتكسير.
– كيف يتم السماحُ بدخول تلك التجهيزات هكذا وَلا تتم مصادرتها؟
عندما يتم الإبلاغُ ويتم التحفُّظُ على تلك الأجهزة وبعد ضبط الجهات الأمنية لها تختفي، ولا نجد لها أثرًا؛ وهذا ما يدفعنا للتساؤل: كيف يتم إخفاء تلك المعدات المهربة ومن يقوم بهذا ولصالح من؟
وفي العموم فَــإنَّ تعاون الأجهزة الأمنية هو الأكثر حضوراً معنا فيما تغيب إدارة المحافظات عن المشهد، حَيثُ يمكن عزو هذا إلى ضعفِ الوعي العام بأهميّة وقيمة الآثار اليمنية وما تمثّله من قيمة حضارية لبلد حضاري كبير.
– ما حجمُ الدعم المقدَّم للهيئة من الحكومة والقيادة لمواجهة هذا العبث؟
هذا السؤالُ يقودُنا للإفصاح عن أن هيئة الآثار منذ أحد عشر شهراً ليس لديها موازنة، كما أنه ليس لديها مخصَّص، أَو حتى سيارةٌ واحدةٌ للتنقل، وأنا شخصيًّا لدي سيارتي التي أسافر بها للمحافظات والمناطق الأثرية.
– أستغرب أنكم كهيئةِ حماية الآثار ليس لديكم مخصص أَو موازنة تشغيله فيما البلاد تنهب آثارها على مرأى ومسمع؟
هذا هو الواقع، ومع هذا فَــإنَّ هناك من يقفُ معنا وهم من الرجال الذين لا يحبون الظهور، أَو الاستعراض، وهو الأُستاذ أحمد حامد (أبو محفوظ) والذي نشكُرُه كَثيراً على اهتمامه وتفاعله معنا رغم انشغالاته الكثيرة، إلا أن هيئة الآثار بحاجة لاهتمام أكبر من الدولة، بحيث تكون لها مكانتها التي تتناسب مع قيمة آثار وتاريخ اليمن العريق.
وهنا أتساءل: لماذا يغيب القطاعُ الخاصُّ وتجارُ البلاد عن هذا القطاع الهام ذي المردود ببُعدَيْه: التاريخي وَالاقتصادي الكبير، في حال شهدت البلاد حركة تنقيب أثرية متخصصة، هذا سيعود على البلاد بالخير الوفير.
تصور الآن المتحف الوطني مغلق أمام المواطنين بعد أن هبطت أسقفه؛ نتيجةً لتأثير القصف الجوي لدول العدوان على صنعاء، كما أن جدرانَه تصدَّعت وظهرت بها تشققاتٌ، وهذا يحتاج لموازنة إسعافية لإعادة ترميمه، وفتحه أمام الجمهور، ولو تبرَّع تاجرٌ، أَو اثنان، بتكاليف الإصلاحات والترميمات للمتحف الوطني لأنجزنا هذه المهمة، ولحُلت المشكلة، وأعيد فتحُ المتحف الوطني من جديد.
– اليوم تبسط صنعاء سلطتها على محافظة الجوف بأكملها وهذا مشجعٌ لمنع أية أعمال تخريب أَو تهريب لآثار اليمن
الجوفُ اليوم تعيشُ حالةَ فوضى في مجال الآثار، حَيثُ تتعرض المحافظة لنهب واسع، ولا تقومُ السلطات المحلية بواجبها، وعلى رأسها محافظ المحافظة، كما أن هناك أمورًا أُخرى تهدّد المواقع والمناطق الأثرية.
– ما هي؟
ما يهدِّدُ المناطقَ والمواقعَ الأثريةَ في الجوف هو زحفُ المناطق الزراعية على المناطق الأثرية؛ فمزارع رأيناها قبل شهرين مثلاً على بُعد اثنين إلى ثلاثة كيلو مترات عن المناطق والمواقع الأثرية، نتفاجأ، وكأنَّها قد تمدَّدت وتوشك أن تلتهمَ المناطقَ الأثرية، وهذا في حَــدِّ ذاته انتهاكٌ لقيمة هذه المواقع؛ الأمرُ الذي يتطلَّبُ التعامُلَ الحازمَ مع هؤلاء؛ فالمحافظة على المواقع الأثرية مهم كما هي الزراعة مهمة أَيْـضاً.
– هل هناك مِن تنسيق بينكم وبين اليونسكو للتراث؟
اليونسكو لا تعترفُ بنا هذا من جانب، ومن جانب آخر تهتم اليونسكو بالمدن التاريخية أكثرَ من اهتمامها بالآثار والمواقع الأثرية.
– برأيكم أُستاذ عباد.. كيف يمكن استعادةُ وحمايةُ الآثار اليمنية اليوم في ظل الفوضى التي تسمحُ بالمزيد من تهريبها، وآخرها ما حصل قبل أَيَّـام مع تحريز السلطاتِ المصرية لمجوهرات ومقتنيات أثرية يمنية تم تهريبُها عبر مطار عدن؟
قبل أن نبحَثَ عن استرداد آثارنا في الخارج، علينا أن نمنَعَ الجريمةَ قبل وقوعها، علينا أن نحميَ آثارَنا في الداخل، وأن نوقف سرقتَها المُستمرّة، وأن تفرض السلطات الأمنية هيبتَها كذلك المجتمع المحلي، وأن يتم التنسيق بأعلى مستوياته لتحمل المسؤولية؛ فعقال وشيوخ القرى ومديرو النواحي ومديرو المديريات، وُصُـولاً إلى المحافظة والجهات الأمنية كلها يجب أن تعملَ معاً، وقد طرحت في لقاء أن الدولة يجب أن تشجِّعَ المواطنين وأن تعطيَهم ما هو بمثابة مكافآت لمن يعثرون على شيء من تلك الآثار، والمواطنُ اليمني بكل أمانة يرضى بالقليل وليس ذلك الجشع الذي سيبحث عن مساومة الدولة، حَيثُ سيكون هذا المواطن باسمه مساهماً في حفظ آثار اليمن، وهذا سيشجِّع الناس على تسليم ما لديهم أَو كما يجدونه للدولة.
في المقابل على الدولة -كما أشرت- أن تحميَ المناطق والمواقع الأثرية بقوة، وأن تمنعَ العبث وأي نشاط تخريبي بهذه المواقع الأثرية الثمينة.
قبل خمسةَ عشَرَ عاماً كان المواطنون يقومون بتسليم ما لديهم من قطع أثرية للدولة، على أَسَاس الحصول على مكافآت، وقد رفعت لرئاسة الدولة بهذا، وتم الموافقة عليه والتوجيه لوزارة المالية، لكن لم تتم الموافقة حتى الآن.
– كلمة أخيرة لكم؟
نريدُ أن نكونَ على تواصُلٍ مع وسائل الإعلام وقنواتنا التلفزيونية والإذاعية ومواقع التواصل الاجتماعي؛ بحيث تكون عونًا لنا في توعية الناس وعرض برامجَ عن آثار اليمن والتعريف بقيمة الآثار اليمنية، كما فعلت قناةُ “اليمن” حين عرضت ثلاثين حلقة عن الآثار اليمنية، كذلك قناة “الساحات” وقناة “سبأ”، فيما “المسيرة” كان لها الفضل في نشر تقاريرَ هادفة في زياراتنا الميدانية، واليوم نطلبُ منهم المزيدَ من الاهتمام؛ فالارتقاء بوعي الناس مهم للغاية؛ كي نحافظَ ونحميَ آثارَنا من سطو العابثين ولصوص التاريخ.