إلى أدعياءِ الوطنية والوعي .. بقلم/ هاشم أحمد شرف الدين*
إلى الوطنيين المزيَّفين، والقوميين المنبطحين المستسلمين، والثوريين القاعدين.
إلى أدعياءِ امتلاكِ الوعي، وأدعياءِ العملِ الحقوقي والإنساني، وأدعياءِ السلام.
إلى جميعِ المُتنمِّرين والمُعانِدين الذين يتعمّدون النيّلَ من أحرارِ شعبِنا الذين يخوضون معركةَ التحررِ الوطني المقدّسةِ للدفاعِ عن الشعبِ وحريتِه وحمايةِ البلدِ وسيادتِه في مواجهةِ العدوانِ الأمريكي البريطاني السعودي الإماراتي الصهيوني.
إلى اللئامِ الذين يجحدون تضحياتِ الكِرامِ المُدافعين عن البلدِ المُبرهِنين عن حُبِهم لوطنِهم والولاءِ لأرضِهم وشعبِهم بالتضحيةِ بأرواحِهم وأجسادِهم للدفاعِ عن القيمِ والمبادئِ التي تجعلُ هذا البلدَ حُرّاً ومُستقلاً.
إلى من كانَ الشعبُ ينتظرُ منهم أن يكونوا الدِرعَ الحصينَ الذي يحمي الحكومةَ الوطنيةَ خلال العدوان، ولكن بدلاً من ذلك، هاجموها وحاولوا نشر الفتنة والتفرقة.
إليكم جميعاً رسالتي هذه..
إن كنتم واعين ـ كما تزعمون ـ فكيف يغيبُ عنكم أنّ أيَّةَ حكومةٍ وطنية تخوضُ حرباً دفاعيةً ضدَ عدوٍّ خارجي تكونُ إزاءَ مهمةٍ صعبةٍ ومحفوفةٍ بالمخاطر، وأن القيادةَ والتحكمَ في أوضاعِ الحربِ ليست مهمةً سهلة، وأن القرارات التي يتخذها القادة الوطنيون تعتمد على معلوماتٍ محدودةٍ وظروفٍ متغيرةٍ بسرعة، ولهذا فقد تكونُ عمليةُ الموازنةِ بينَ حمايةِ حقوقِ الفردِ وضمانِ الأمنِ القومي صعبةً؟. لقد مضيتم دوماً في توجيهِ الانتقاداتِ وإلقاءِ اللومِ والتشكيكِ بدونِ أساس، ولم تقدّموا أيَّ رأي بنّاء يساعدُ في تحسينِ العملِ الحكومي.
إنكم تعانون من الافتقارِ إلى الفَهم، لم تفهموا التعقيداتِ والتحدياتِ التي تواجهُها الحكومةُ الوطنية خلالَ العدوانِ والحصار المستمرين، ولم تستوعبوا أنكم تتعاملون مع قضيةٍ تتجاوزُ الحدودَ الجغرافية َوتتعلقُ بالكرامةِ والحريةِ والاستقلال، ولهذا تقلّلون من خطورةِ الوضع، وتفشلون في تقديرِ القراراتِ الصعبةِ التي يُتعين اتخاذُها من أجلِ حمايةِ الشعبِ والوطن.
فكيفَ لأحرارِ الشعبِ أن يفهموا تغافلَكم عن حقيقةِ أنه يجبُ أولاً وقبلَ كلِ شيءٍ أن يتذكرَ السياسيون قبلَ الجميعِ أنَّ الحربَ تستدعي التحركَ الجادَ والمسؤولَ والتضحيةَ والتلاحم، وتُوجِبَ عليهم أن يتحلّوا بالوعي والمسؤولية، وأن يضعوا مصلحةَ الوطنِ فوقَ كلِ اعتبار.
فإذا كان بعضُكم غيرَ مدفوعين بنوايا سيئةٍ فالأكيدُ أنهم لم يُفكّروا في العواقبِ السلبيةِ لكلماتِهم على الوحدةِ الوطنية وعلى قُدرةِ البلد على التصدي للتحديات الخارجية. إن هذا ينفي عنهم مِيزةَ امتلاكِ الوعي والنضجِ والرؤيةِ من منظورٍ وطني، لأن الوعيَ يُعزّز الشعورَ بالواجبِ الوطني لدى من يتحلّون به لا يُنقصه.
لو أنكم تمتلكون وعياً لعملتم بروحِ التعاونِ لمواجهة التحديات التي أنتجها وفاقمها العدوان والحصار، ولكنتم قادةَ رأيٍ وطنيين تبذلون الجهودَ لتوحيدِ الشعبِ وتعزيزِ الروحِ الوطنيةِ والثقةِ بين الجميع، لتكونَ الجبهةُ الداخليةُ أكثرَ تماسكاً وقوة، بدلاً مِن تكديسِ الخلافاتِ وتأجيجِ الانقسامات، ولرأيناكم سياسيين مُلهِمين تقدمون القدوةَ في تقديمِ الحلولِ البنّاءةِ والتضحيةِ من أجلِ المصلحةِ الوطنية.
أين الوطنيةُ يا “وطنيون”؟!
وإن كنتم وطنيين ـ كما تزعمون ـ فلماذا تضربون قيمةَ الولاءِ الوطني في نفوسِ أبناءِ الشعبِ في أهمِ وأخطرِ مرحلةٍ يحتاجُها الوطن، هي مرحلةُ التعرضِ لعدوانٍ وغزو؟. لقد قعدتُم وجبنتُم وتوانيتُم، ولم يَبدُرْ منكم أيُّ دعمٍ للجبهاتِ لا بالرجالِ ولا بالمالِ أو حتى بالكلمة، وظللتم تُشيعون الإرجافَ والتثبيط، وتحرّفون الحقائقَ لدرجةِ تصويرِ المعركةِ بأنّها معركةُ فئةٍ لا شعب، مع أن الجميعَ يرى المجاهدين والشهداءَ من كلِ المحافظاتِ والشرائح، ويرى تلك الحشودَ المليونيةَ التي تشاركُ في المسيراتِ المتكررةِ المجسِّدة للإرادةِ الشعبيةِ والمُعبِّرةِ بحقٍ عن أصواتِ ملايين المواطنين المنتمين إلى شرائحِ المجتمعِ المختلفة، الذين يَسعون إلى العيشِ بحريةٍ وكرامةٍ وإلى تحقيقِ تقدمٍ حقيقي للجميع.
على العكسِ منكم كان المدافعون عن البلدِ يشعرون بالفخرِ والولاءِ لخدمةِ وطنِهم، مؤمنين بأنها مهمةٌ رفيعةُ المستوى، مُعتزّين بأنفسِهم، كَونَهم يَحمون ويُدافعون عن شعبِهم ووطنِهم.
إنكم بعيدون جداً من الوطنية. لقد كنتم دوماً تستاؤون وتعبّرون عن غَيظِكم كلما كانت الدولةُ تُظهِر التقديرَ العامَ لأبناءِ الشعب، وتُقدمُ لهم الدعمَ الماديَّ والمعنويَّ بِقَدرِ ما يُمكنها، وتعملُ على تشجيعِ المبادراتِ المجتمعيةِ وصَرفِ الزكاةِ في مصارفِها الشرعية، وتواصلُ تطويرَ قُدراتِ القُواتِ المسلّحة، وتبذل جهدَها في توفيرِ الدعمِ القانوني للضحايا وتجهيزِ ملفاتِ مسائلةِ وملاحقةِ مرتكبي تلك الجرائم دولياً، وتعملُ على تثبيتِ الأمنِ والاستقرارِ في المناطقِ الحرة.
إن الحقيقةَ أنكم انتهازيون استغلاليون، ظللتم تمارسون دوراً غيرَ أخلاقيٍّ؛ للحصولِ على مطامعَ شخصيةٍ سواءً من الداخلِ أو من الخارج، عبرَ تأليبِ الرأي العامِ على الحكومةِ الوطنيةِ المدافعةِ عن البلدِ التي تخوضُ حرباً شرسةً ضدَ أعتى قوى الشرِ والظلمِ في العالم، متجاهِلين أن أيَّةَ حكومةٍ وطنيةٍ تتعاملُ خلالَ الحربِ مع تحدياتٍ كبيرة ومُعقّدةٍ أكبرَ بكثيرٍ عمّا تواجهُه خلالَ حالةِ السلم. ظللتم تُحمّلونها فوقَ ما تحتملُه أيُ حكومةٍ وطنيةٍ تخوضُ حرباً، وتضغطون باستمرارٍ على توفيرِ الخدماتِ التي لم تكن توفرُها حكوماتُ الأنظمةِ السابقةِ ابتداءً في الظروفِ العادية. وظللتم تعزفون على وَتَرِ معاناةِ أبناءِ الشعب، وتتلاعبون بمشاعرِهم بالأخبارِ المُزيّفةِ والشائعاتِ المُغرِضةِ الكاذبة، عبرَ تشويهِ كلِ فعلٍ تفعلُه يساهمُ في تحسينِ حياةِ المجتمع، بل وعمدتم إلى إشاعةِ الشكوكِ حولَ قدرتِها على إدارةِ الحربِ بنجاح، لجعلِه يفقدُ الثقةَ بقيادتِه وحكومتِه الوطنيةِ المواجهةِ للعدوان، ولسلبِه الأمل في القدرةِ على الصمودِ والانتصار. لا يُمكن أن يُفهمَ من سلوكياتِكم تلك سوى أنها محاولاتٌ حثيثةٌ تهدفُ إلى زعزعةِ الاستقرارِ السياسي.
استغللتم حِلمَ القيادةِ الوطنيةِ ومساحةَ حريةِ التعبيرِ التي أتاحتها. ورغمَ كونِ البلد يمرُّ بظرفٍ خطيرٍ ووضعٍ حسّاسٍ لكنكم لم تتعاملوا بمسؤوليةٍ واحترامٍ مع الجهودِ المبذولةِ ومع المُدافعين عن البلد. ظللتم تضخّمون الأخطاءَ أو القراراتِ الخاطئةَ التي قد تحدثُ في سياقِات الحرب، مستغلين حالة الحربِ لأغراضٍ سياسيةٍ كالظهورِ بمظهرِ المُدافعِ عن حقوقِ الشعب، ومارستم تأليبَ الرأي العامِ ضدَ الحكومةِ الوطنيةِ غيرَ مبالين بأن ذلك يؤدي إلى تشتيتِ الجهودِ وتقسيمِ المجتمع، وقد يؤثرُ سلباً على قدرةِ الحكومةِ على حمايةِ البلدِ والتعاملِ مع التحدياتِ القائمة.
إنَّ الحقيقةَ التي يُدركُها ويَعيها أحرارُ شعبِنا أنَّ أعمالَكم جميعَها ظلّت تصبُ في مصلحةِ الأعداءِ الغُزاةِ الاحتلاليين، يُمثلُ الحدُّ الأدنى منها أنكم كنتم تُعطون العدوَ زخماً جديداً لمواصلةِ عُدوانِه، فقد كنتم وما زلتم تبعثونَ فيه الأملَ بإمكانيةِ تصدُعِ الجبهةِ الداخليةِ عندما تؤلبون المجتمعَ ضدَ القوى الوطنية. متغافلين عن أن الذين يدفعون الثمنَ في هذا هم جميعُ أبناء شعبِنا الذين يسعون للعيشِ في حريةٍ وكرامة، وليس أنتم الذين تسعون لمصالحَ شخصيةٍ ومكاسبَ سياسية.
إلى جميعِ المُتنمِّرين والمُعانِدين: بِــمَ خدمتم الشعب؟
وإن كنتم حريصين على قيمِ المجتمع ـ كما تزعمون ـ فلماذا تضربون القيمَ الاجتماعيةَ التي عُرف بها شعبُنا اليمنيُ العزيزُ عبَر التاريخ، لا سيما الإسلامي منه، وفي مقدمتِها قيمُ الشجاعةِ والإباءِ والكرمِ والدفاعِ عن الوطن؟.
فبينما كنتم تجلسون بأمانٍ في مَنازلِكم، لم تُقدّروا تضحياتِ المجاهدين المقاتلين المدافعين عن البلد، ولم تُظهروا الاحترامَ لتحمّلِهم ضغوط الحربِ والانفصالِ عن أسرِهم وأحبائِهم لفتراتٍ طويلة.
إنَّ الواجبَ على كلِ يمنيٍ حريصٍ على استمرارِ قيمِ مجتمعِه الحميدةِ أن يعملَ على تبجيلِ وتكريمِ ودعمِ أولئك المُضحِّين، فالامتنانُ لتضحياتِهم يُعزز تلك القيمَ في المجتمعِ بأكملِه. لكنكم ظللتم تعملون على الضِدِ من ذلك، لم يلمسِ الشعبُ منكم تقديراً لهم، لم تقدّموا أيَّ دعمٍ لهم طوالَ سنواتِ العدوان سواءٌ أكان معنوياً أو ماديا، بل كنتم لا تتوانون عن نشرِ التثبيطِ لهم ولأسرِهم. لم يُكن منكم أيُّ تكريمٍ لهم، لم تتبنوا أو تشاركوا في أيَّةِ مبادراتٍ مجتمعيةٍ أو منظماتٍ خيرية تدعمُ المدافعين عن البلدِ وأسرَهم، أو تدعمُ أيّاً من أبناءِ شعبِنا المُعاني جرّاءَ العدوانِ والحصار، ولم يُلمس منكم أيُّ دورٍ يعودُ بالفائدةِ على المجتمعِ بأكملِه.
إنَّ تجاهُلَكم لتضحياتِهم أو جُحودَكم لها ليسَ إلا نقصاً في قدرتِكم على تقديرِ قيمِ شعبِنا الأساسيةِ، أو شاهداً على مخالفتكم لها.
لقد وقفَ أحرارُ اليمنِ في كافةِ الجبهاتِ والميادينِ صفّاً واحداً في مواجهةِ الغزاةِ المعتدين، مُجسّدين أروعَ صورِ التوحدِ والترابطِ والإخاء، فمثّلت تضحياتُهم دافعاً قوياً لقبائلِ اليمنِ للتصالحِ فيما بينها والتعافي والتآخي، كما لم يحدث مِن قبلُ في تاريخِ اليمن كلِه. لكنكم ظللتم تعملون على النقيضِ من ذلك، غيرَ مكتفين بتجاهلِ ذلك الحراكِ المجتمعي العظيم، بل كنتم ساعين على الدوامِ في إثارةِ النعراتِ بينَ أبناءِ المجتمع، لإعاقةِ تنامي ذلك الترابط.
أأنسانيٌّ فقط بصرفِ المرتباتِ وتجاهل مآسٍ أنتجها العدوانُ والحصار؟!
وإن كنتم إنسانيين وحقوقيين ـ كما تزعمون ـ فلماذا تجاهلتم مآسيَ شعبِنا التي أنتجها العدوانُ والحصار؟ عليكم أن تعلموا أنه ليس إنسانياً أو حقوقياً مَن يطالب فقط بصرفِ المرتباتِ ويتجاهلُ كلَّ تلك المآسي والآلام التي تكابدُها الأسرُ التي قُتلَ أو جُرحَ بعضُ أفرادِها بقصفِ مقاتلاتِ التحالفِ التي ظلّت تصُبُّ حِممَها ونيرانَها على أطفالِ ونساءِ ورجالِ شعبِنا العزيز.
لم تقدّروا الضغوطَ النفسيةَ والعاطفيةَ التي لَحِقتْ بِهمْ وهُم مَن عاشوا لحظاتٍ عنيفةً رأوا خلالها مَشاهدَ مُروِّعة، وخاضوا بها تجاربَ قاسيةً جداً قد لا تحتملونها أنتم.
إنسانيتُكم وحقوقيتُكم لم تجعلكم تتحركوا نحو أيِّ عملٍ يساعدُ تلكَ الأسرَ على مواجهةِ التحدياتِ الماليةِ والعاطفيةِ والاجتماعيةِ التي نجمتْ عن فقدانِ من يُعيلها، أو عن الحاجةِ إلى مُداواةِ جَرحاها.
إنَّ الإنسانيةَ والحقوقيةَ كانت تقتضي منكم أن تتحركوا بكلِ جدٍ واهتمامٍ ليحصلَ أولئك قبلَ غيرِهم على دعمٍ واهتمامٍ شاملٍ من الحكومةِ والمجتمعِ للمساعدةِ في التعاملِ مع تلك الضغوطات، لكنكم تناسيتموهم، لأنهم ليسوا في حسبانكم ابتداءً.
حتى مطالبتكم بتسليمِ المرتبات كانت غيرَ نزيهة، فأنتم تحمّلون الحكومةَ الوطنيةَ المسؤوليةَ عن ذلك، مع عِلمكم اليقيني بأنَّ المُتسببَ في توقفِ الصرفِ هو تحالفُ العدوانِ ومرتزقتُه. ثم حين أوشكتْ الحكومةُ الوطنيةُ على انتزاعِ المرتباتِ منهم رفعتم أصواتَكم المطالبةَ بها ليظنَّ الشعبُ أنكم كنتم السببَ وراءَ تسليمِها، ألا تخجلون مِن سرقةِ نضالِ غيرِكم، والتسلقِ على تضحياتِهم؟.
أتحرُّريٌّ قوميٌّ ثوريٌّ تحت العباءة السعوديةِ والهيمنةِ الأمريكيةِ؟!
وإن كنتم تحرّريين قوميين ثوريين ـ كما تزعمون ـ فلماذا قدّم بعضُكم نفسَه تحررياً طوالَ سنين، وصوّرَ نفسَه مناضلاً ضدَ الهيمنةِ الأمريكيةِ والاستعماريةِ والأجنبيةِ أو الوصايةِ السعودية، لكننا وجدناه يعملُ على خدمةِ أجندةِ أمريكا وبريطانيا في اليمن، بتشويهِ أبناءِ شعبِه الذين يتصدون لعدوانِهم على اليمن، وبالصمتِ عن أفعالِ الاحتلالِ الأجنبي الجديدِ لبلدِه، نسيَ أو تناسى قضيةَ التحريرِ وما تقتضيهِ مِن جهادٍ ومقاومةٍ وكفاحٍ مسلح، وتَنَصّلَ عن كلِ المبادئِ القوميةِ والاشتراكيةِ التي تَحضُّ على واجبِ تحررِ الشعوبِ المضطهدةِ مِن الهيمنةِ الأمريكية. نسيَ كلَ ما ظلَ يتشدّقُ ويتغنّى به طوالَ عقود، نسيَ النضالَ الفلسطينيَ للتحررِ من الاحتلالِ الإسرائيلي، نسيَ “عُمرَ المختار” ومقاومتَه للمحتلين الإيطاليين، نسيَ “غاندي” وكفاحَه مِن أجلِ الاستقلالِ عن الحكمِ البريطاني، ونسيَ كفاحَ الفيتناميين ضدَ الأمريكان، نسيَ أنّ مهمةَ التحرّريين الرئيسيةَ في زمنِ الحربِ هي التعبئةُ الشعبيةُ لمواجهةِ الغزاة ولا سواها. لم يجدِ الشعبُ لكم أيَّ دورٍ في التعبئةِ الثقافيةِ لمناهضةِ المحتلين، ولهذا لا يشعرُ أبناءُ الشعبِ بأنّ أحداً منكم يُعبّر عن تطلعاتِهم، أو جديراً بالحديثِ عن مظالمِهم.
هل مواقفُكم وطنيةٌ مسؤولةٌ لتكونوا مؤهَّلين للعملِ من أجلِ السلام؟!
ولو كنتم انصاراً للسلام ـ كما تزعمون ـ لكنتم حريصين على أن تكونَ مواقفُكم وطنيةً مسؤولةً لتكونوا مؤهلين للعملِ من أجلِ السلام، وليكون لكم ـ بعدَ الحرب ـ دورٌ مقبولٌ في الإسهامِ في تعزيزِ المصالحةِ الوطنيةِ وتضميدِ الجراحِ وإعادةِ بناءِ التماسكِ الاجتماعي. لكن كيف يُمكن أن يقبلَ أحرارُ الشعبِ بأن يكونَ لكم هذا الدورُ وأنتم قد مارستم الاستغلالَ غيرَ الأخلاقي لحالةِ الحربِ لتحقيقِ مكاسبَ شخصيةٍ أو سياسية، وتجاهلتم المسؤوليةَ الأساسيةَ عليكم خلالَ العدوانِ ألا وهي إعطاءُ الأولويةِ للأمن القومي. كيف يُمكنُ أن يمنحَكم أحرارُ الشعبِ هذا الدورَ وأنتم لا تُبدون اكتراثاً بالأمنِ القومي حين تُطالبون بنشرِ المعلوماتِ السريةِ على الملأ فيستفيدَ منها العدوُ كما حصلَ في تسريبِ مِيزانيةِ أحدِ الأعوامِ بعدَ تسليمها لمجلس النواب؟ كيف يُمكنهم ذلك وقد فَشلتُم في الانخراطِ في حوارٍ ونقاشٍ بنّاءٍ معهم؟، لقد كنتم دوماً ساخطين مندفعين للنَيلِ من الحكومةِ الوطنيةِ دونَ حرصٍ على إيجادِ أرضيةٍ مشتركةٍ معها. كيف لهم أن يمنحوكم هذا الدورَ وأنتم لم تتجاوزوا المصالحَ الشخصيةَ والسياسيةَ الضيقةَ، ولم تعملوا من أجلِ الصالحِ العام؟.
الحقيقةُ أنكم قد جنيتم على مستقبلِكم السياسي، فمنْ لم يكنْ له دورٌ إيجابيٌ خلالَ الحرب هو قد خَسِرَ أيَّ معركةٍ سياسيةٍ فيما بعد. ومَنْ تقاعسَ عن اللقاءِ والتحاورِ مع أحرارِ الشعبِ خلالَ الحربِ للوصولِ إلى حلولٍ بنّاءةٍ لن يتحركَ لتعزيزِ العملِ الوطني المشتركِ بعد انتهائِها.
رُبَّما يكونُ لديكم ـ في بعضِ الحالات ـ الحقُّ في التعبيرِ عن آرائِكم والاختلافِ مع القراراتِ الحكوميةِ، لكنّ الجُحودَ والإنكارَ وتجاهلَ انتصاراتِ الشعبِ العسكريةِ والأمنيةِ والاقتصاديةِ أو تشويهَها ليسَ سوى تجاوزٍ للخطوطِ الحمراء، وعملٍ مُنحَطٍ ومُشين.
نحنُ نعرفُ أنّ بعضَكم غيرُ مرتبطٍ بالعدوان، لكننا نعرف أيضاً أن عُقَدَاً وأحقاداً مُستحكِمةً تحكمُ تَحرُكَهم، ولهذا يبذلون ما في وِسعِهم؛ كي لا ينتصرُ شعبُنا العزيزُ في هذهِ المعركة تحتَ رايةِ هذهِ القيادةِ الحكيمةِ المباركةِ، أو على الأقلِ لتشويهِ هذا الدفاعِ المُقدّسِ؛ كي لا ترتبطُ الأجيالُ بهذهِ المسيرةِ القرآنيةِ العظيمة.
إنَّ تشويهَ أبهى صورةِ دفاعٍ وطنيٍ مشروعٍ رسمَها أحرارُ الشعبِ اليمني هو محاولةٌ رخيصةٌ لِسَلبِ فَخرِهم بصمودِهم وانتصارِهم أمامَ أكبرِ عدوانٍ عالمي، لأنّ الحاقدين يُغيظهم جداّ أن يُدّوَنَ في التاريخِ لأحرارِ اليمنِ أعظمَ نِضالٍ عَرفَتْهُ الإنسانيةُ عبرَ العصور.
إنكم بهذا تُشبهون العدوَّ السعوديَ كثيراً الحاقدَ على اليمنِ والذي لا يريدُ لليمنيين أن يَحظوا بهذا الفَخر.
إلى اللئام: كفى خدمةً للعدوِ الخارجي
فيا أيها اللئام، أنتم مُنزوون في بُؤرةٍ من الجُحودِ والجَهل، تتجاهلون وتنكرون التضحياتِ العظيمةَ التي يقدّمُها أحرارُ الشعبِ في الدفاعِ عن البلد، رغم أن تضحياتِهم لا تُقدّر بثمن، وهي تستحقُّ كُلَّ التقديرِ والامتنان. استوقفوا أنفسَكم وانظروا حولَكم، وتفكّروا في حالِ المناطقِ المحتلةِ من وطنِنا الجريح، عَسى أن تقدّروا تضحياتِ الأحرار فتعملوا على مواجهةِ الغزاة المُعتدين ومرتزقتِهم، بدلاً عن الانغماسِ في اللؤمِ والجحودِ، بمواجهةِ أحرارِ الوطنِ الذين يناضلون نضالاً شريفاً لاستعادةِ حقوقِ شعبِنا المشروعةِ وتحريرِ بلدِنا من الاحتلالِ والظلم.
حاولوا أن تفهموا أن تشويهَ صورةِ مسيرةِ التحررِ الوطني والنضالِ العادلِ بالأكاذيبِ والأفكارِ المغلوطةِ هو خدمةٌ للعدوِ الخارجي، وخيانةٌ للشعبِ ولقضيتِه العادلة.
أنتم مُلزمون بالدفاعِ عن الوطن، فإن كانت لديكم شجاعةٌ حقيقيةٌ، فقوموا بدورِكم وانضموا إلى صُفوفِ الوفاءِ والشرف، وصَوّبوا أقلامَكم نحوَ الهدفِ الصحيحِ الغزاةِ والمعتدين ومرتزقتِهم، فالوقتُ يمضي والمصيرُ ينتظر، ولن يسامحَكم التاريخُ إن أسهمتُم في سَلبِ وطنِكم حقِه في الدفاعِ عنه.
ندعوكم إلى أن تتوقفوا عن هذه السلوكياتِ غيرِ الأخلاقية، وإلى أن تعيشوا حياةً تتسمُ بالوطنية والإنسانية والتضحية. فإذا كنتم غيرَ قادرين على تقديمِ التضحيات، فعلى الأقل توقفوا قليلاً عن تغليبِ مصالحِكم الشخصية. وإذا كنتم لا تستطيعون أن تكونوا جزءاً من الحل، فلتكفوا عن نشرِ الشائعاتِ والانتقاداتِ الساقطة.
أمّا إذا استعصى عليكم الوقوفُ مع وطنِكم وأحرارِ شعبِكم، فاخلعوا أقنعتَكم وارحلوا، وقِفوا هناك مع العدو في قِطعان المرتزقة، فأنتم لستم شجعاناً، ولستم أبطالاً، ولا تستحقون أن تنتموا إلى هذا الشعبِ الحُرِ العزيز، فعزوفُكم عن العمِل الوطنيِ في مثلِ هذه الأوقاتِ الحرجةِ هو عارٌ كبير.
ولتعلموا أنَّ شعبَنا العزيزَ الواعي يعلمُ الحقيقةَ، ويعرفُ الشجاعةَ والتضحيةَ التي يبذلُها المدافعون عن الوطن، الذين يجاهدون لإعادةِ الكرامةِ والحريةِ إلى شعبِهم المظلوم، يعرفُ أبطالَه الحقيقيين الذين يواجهون التحدياتِ بكلِ شجاعةٍ ويدافعون عن الوطنِ بكلِ ما أوتوا مِن قوة، باذلين أكبرَ التضحياتِ التي تجسّدُ أعلى مُستويات النُبلِ والإخلاص، وتعكسُ رغبتَهم الصادقةَ في إحداثِ فَرقٍ إيجابيٍ وتغييرٍ حقيقي.
ستبقى حكومتُنا الوطنيةُ المدافعةُ عن البلد رمزاً للشجاعة والعزيمة، وسيبقى أحرارُ شعبِنا يجسّدون رُوحَ الأمةِ التي لا تُقهر، وستظلُ تضحياتُهم ومساهماتُهم محفورةً إلى الأبدِ في قلوبِ كلِ اليمنيين وفي تاريخِ أمَّتِنا. وستظلُ الحقيقةُ ساطعةً، وسيظلُ صوتُ الأحرارِ مرتفعاً وواضحاً في مواجهةِ إعلامِ العدو ومرتزقتِه ومَن يسيرون في فَلكِه. وهذا النضالُ العادلُ سيستمر بإذن الله سبحانه وتعالى حتى إحرازِ الانتصارِ الكاملِ وتحقق حريةِ شعبِنا وسيادةِ وطنِنا.
والله من وراء القصد..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* 17 صفر 1445هـ الموافق 02 سبتمبر 2023م