الرئيسُ المشاطُ يستقرئُ تفاصيلَ السيناريو الصهيوني الأمريكي في اليمن.. بقلم/ عبد القوي السباعي
المختصون في دراسةِ وتحليلِ الوضعِ العامِّ “المحلي والإقليمي والدولي” المحيطِ باليمن، وعلى الرغم من ضبابيةِ المشهد، إلا أنهم يرَون أن الجهودَ المبذولةَ حَـاليًّا تعطي مؤشراتٍ إيجابيةً من جهة وقفِ العمليات القتالية، والسماح بانسيابية التدفق المحدود للسلع والبضائع التجارية، وكذا المسافرين عبر ميناء الحديدة ومطار صنعاء، من خلال اعتماد آلية حوار شبه مباشرة، قد تصنع مساراتٍ جديدةً للدخول نحو سلامٍ فعلي؛ وهذا ما يبدو ظاهرياً، والذي طالما تُعِدُّهُ الأممُ المتحدةُ إنجازاً كَبيراً لها.
لكن وعلى المدى القريب، وبحسب المختصين والمراقبين، فكل هذه الأمور لا تسهم في إنقاذ اليمن وإعادة انتظام مؤسّساته لتقوم بدورها في خدمة الشعب ومعالجة أزماتهم؛ كون أمريكا والسعوديّة وتحالفها حتى وإن أبدوا استعدادَهم الدخولَ في حوار مثمر وبناء، إلا أن أولويتهم اليوم تسير نحو صناعة الفوضى والتحريض والتعطيل والمماطلة وعرقلة الحلول ومحاولة جَـــرِّ البلد إلى موجةٍ من الصراع والمواجهة البينية المحدودة، يكونون فيها مُجَـرَّدَ وسطاءَ ودعاةِ سلام، بعد أن قاموا باستنساخِ قيادات محلية على قياسهم وليس على قياسِ الوطن.
لذلك، وفي خطوةٍ استباقية وخلال كلمةٍ له في محافظة عمران الأربعاء الفائت، أشار الرئيس مهدي محمد المشاط، إلى أن صنعاء تمكّنت من الحصول على خطة السفارة الأمريكية في اليمن لخمسة أعوام قادمة، من 2020م، إلى 2025م، في تأكيدٍ على المستوى الذي وصلت إليه قدرات أجهزة الاستخبارات اليمنية، وأنها جاهزة لإفشالها كما أفشلت سابقاتها، وبغض النظر عن تلك المخطّطات والمشاريع الأمريكية، التي لا تعدو مُجَـرّد أوراق على مكاتبهم، فَــإنَّ الرهان الأمريكي يسير معتمداً على الوقت وعلى بعض الأدوات التي أكل الدهر عليها وشرب، بينما رهان صنعاء يعتمد على وعي وإدراك الشعب اليمني وحكمة القيادة القرآنية، ويقظة الجيش واستعداده الدائم؛ وهو الأمر الذي أكّـده الرئيسُ المشاط، وكذا السيدُ القائدُ في أكثرَ من مناسبة.
في هذا الصدد يشير الكثير من الباحثين في تعليقاتهم على مجريات الأحداث –ليس في اليمن فحسب– بل وفي مناطق الصراع المختلفة من العالم، إلا أن هناك سيناريو واحدًا سارت وتسيرُ عليه الأجنداتُ الخَاصَّةُ بالصهيونية الأمريكية العالمية، قديماً وحديثاً، سيناريو يتضح من خلاله كيفية ابتداء الحروب وتأجيج الصراعات وتغذية الأزمات، على طريقتها؛ وهو ما ركّزت وتركِّزُ عليه وعملت على إبرازِه القيادةُ الثورية “السياسية والعسكرية”، في أكثر من خطاب ومناسبة، وهذا السيناريو الوحيد يقوم في الأَسَاس على أربع مرتكزات رئيسية، ولعل الغوص في تفاصيلها سيكون بمثابة تدريب لنا لكي نتيقن أكثر ونعي أبجدياتها ونقارنها قديماً وحديثاً، وهي على النحو التالي:
أولاً: وجود الذريعة “السبب والمبرّر” لهذه الحرب أَو لذلك الصراع، بغض النظر عن صدق ومشروعية هذا المبرّر من عدمها؛ إذ إنها تارةً تكونُ المتصدِّرةَ للمشهد أَو من خلفَ أوراق لها، فمثلاً: تحت مبرّر القضاء على النازية والفاشية في أُورُوبا، ومحرقة “الهولوكوست”، خاضت الصهيونية الأمريكية الحرب العالمية الثانية، ومبرّر مواجهة “الشيوعية”، قسمت الكوريتين بعد حرب طاحنة، وخاضت حربها على فيتنام بنفسِ المبرّر، ودمّـرت أفغانستان بذريعةِ محاربة الإرهاب، والعراق بذريعة أسلحة الدمار الشامل، وَ… وَ… إلى غير ذلك، وُصُـولاً لليمن تحت زعمِ مواجهة النفوذ الإيراني… إلخ.
ثانياً: فرض العقوبات والحصار والتجويع المنظم والإفقار الممنهج، كسياسةٍ انتهجتها الصهيونية الأمريكية العالمية؛ مِن أجل السيطرة على الحكومات والهيمنة على قراراتها، وفرض شروطها وإملاءاتها، وإخضاع الشعوب وإذلالها، ونهب ثرواتها وخيراتها، حَيثُ ظل الحصار الاقتصادي وفرض العقوبات المختلفة وسيلة لإخضاع كُـلّ القوى الحرة المناهضة لمشاريع قوى الاستكبار العالمية، هو السائد قديماً وحديثاً، بدءًا بألمانيا، وكوريا الشمالية وكوبا وفيتنام وإيران وفنزويلا والعراق وسوريا… إلخ، وما تفرضُه هذه السياسةُ من تبعاتٍ على المستوى المحلي للدول المستهدفة، من خلال إغراقها بمنظماتها المختلفة، وإظهار الحكومات عاجزة أمام شعوبها، مُرورًا بتوليد وإثارة السخط الشعبي وُصُـولاً إلى تجسيد مبدأها المتمثل بالفوضى الخلاقة.
ثالثاً: التشويه والتحقير والتحريض، سياسة تمارس بكل حرفية وإبداعية ضد كُـلّ من يحاول استعداء الصهيونية الأمريكية العالمية، أَو الخروج عن مساراتها، عبر استخدام كافة الوسائل والأساليب المتصلة بالوعي والإدراك وبالثقافة والفكر، بشكلٍ برعت فيه وتفوقت على من سواها في التضليل والتزييف، حتى أظهرت الضحية في هيئة الجلاد، والمجرم في لباس المنقِذ والمخلِّص، من خلال تسويق وتمويل الحملات الإعلامية والدعائية الخبيثة التي أَدَّت بالمستهدف تارةً إلى الفشل والاستسلام لإرادتها، والعودة إلى حضيرتها، أَو تجعله يعيش حالة صراع داخلية دائمة من خلال بعض الحمقى من الببغاوات التي تظل تردّد تلك الادِّعاءات والأباطيل المختلفة، عبر وسائل وأساليب شتى.
رابعاً: فرض الحلول وصياغة المخارج ورسم الاتّفاقيات، كسياسةٍ تعتمدها الصهيونية الأمريكية العالمية لإنهاء تلك الحروب أَو الصراعات بعد الاكتفاء من تحقيق الأهداف المعلنة والخفية، والاطمئنان للمسارات التي فرضتها الحاجة إلى الإنهاء، سواء عبر وسيط، إقليمي أَو أممي، أَو انسحابها من المشهد العام في دوامة الصراع بشكلٍ يوحي بعجزها وعدم قدرتها على المواصلة، بعد أن يتأكّـد لها إعفاء القوى “المحلية والإقليمية والدولية” المنخرطة معها في هذه الحروب من كُـلّ التبعات القانونية والإنسانية والأخلاقية، أَو المُسَاءلات الدولية في ارتكاب جرائم حرب، وكلّ ما يمكن أن يفرض عليها منطقياً في إطار جبر الضرر وتعويض الضحايا أَو إعادة الإعمار، غير أنها لم تُخْلِ مسؤولياتها في تأسيس منهجيةٍ تحقّق ما يسمى بالعدالة الانتقالية لما بعد الحرب، بعد أن تزرع أذرعها في هذا البلد أَو ذاك.
وهكذا ظل وسيظل هذا السيناريو “الصهيوأمريكي”، قائماً بكل مرتكزاته، فيما لم تجدْ تلك الشعوبُ التي طحنتها هذه السياسة حتى الآن، الإجَابَة عن التساؤل الملح من يتحمل مسؤولية تلك الحروب؟.. من يتحمل تبعاتها الكارثية على الأرض والإنسان؟.. وماذا بقي في ذاكرتهم من تلك الحروب التي كلفتهم ملايين من الضحايا وتريليونات من الدولارات؟.. هُنا يؤكّـد الشعب اليمني وعلى لسان قائده، بالقول: “في اليمن غير وارد”؛ فالشعب اليمني لم ولن ينجر إلى ما يريده هؤلاء، ولن يقف مكتوف الأيدي أمام سياساتهم ومخطّطاتهم وأحقادهم، وسيعمل بكل جهد وجهاد على تطبيق العدالة والثأر والقصاص بالطريقة والوقت المناسب، وسيعمل على انتزاع حقوقه، وسيسعى بكل جهد وأمل على إيجاد المخارج والحلول، انطلاقاً من إيمانه بعدالة قضيته، وحرصه على وحدة الوطن وأمنه واستقراره وسيادته على كُـلّ ذرة رملٍ فيه، وإن غداً لناظره قريب.