الدولُ الاستعمارية وحنينُ العودة.. بقلم/ عبدالرحمن مراد
منذ تفجّرت الأوضاعُ في المنطقة العربية، وفق ما يسمى باستراتيجية راند لعام 2007م منذ مطلع العقد الثاني من الألفية الجديدة، تماوجت الأحداث وسارت السفن بما لا يشتهي العالم الرأسمالي والذي تديره الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، فرأينا الثورات المضادة في أكثر من مكان تبزغ حاملة حنين التحرّر والاستقلال، إذ بزغت ثورة مضادة في اليمن، وقبل ذلك ثورة مضادة لما يسمى الربيع العربي في مصر، ثم خرجت تونس من تحت عباءة الإخوان بطريقة سلسة ومرنة وما تزال تعاني من تبعات ذلك، ثم خرجت ثورة مضادة في ليبيا وما تزال تدير الصراع في ليبيا إلى اللحظة، ومع بزوغ الثورات المضادة لثورات الربيع العربي التي قادها الإخوان بتوافق مع الأمريكان والنظام الرأسمالي العالمي في كُـلّ المنطقة العربية، كنا نلاحظ أنياب المستعمر القديم تبرز من جديد، فقد كشر المستعمر عن نابه في اليمن، فرأيناه يدير الصراع في الجنوب المحتلّ ويحتال على الملف السياسي من خلال المبعوث الأممي الذي جاء كي ينفذ أجندات المستعمر البريطاني في جنوب اليمن، وحاولت فرنسا أن تلعب دوراً محوريًّا في تونس، وعادت إيطاليا إلى ليبيا تحت لافتات السلام أَو مبادرة السلام، وهكذا دواليك رأينا المستعمر القديم يكشر عن نابه ويعود إلى المناطق التي كان يديرها عبر السفارات وبكادر وطني لا يكاد يحيد عن المصالح الكبرى للدول المستعمرة قديماً.
وخلال أواخر شهر يوليو 2023م حدث انقلاب في النيجر في القارة السمراء، فرأينا كيف استنفرت الدول الاستعمارية نفسها، فخرجت تتهدّد النيجر بالاجتياح العسكري، وترفض مغادرة السفير الفرنسي للنيجر، والنيجر كانت مستعمرة فرنسية منذ مطلع الفرن العشرين ونالت استقلالها في زمن الثورات التحرّرية في المنطقة العربية مطلع العقد السادس من القرن العشرين، ولم يرق للمستعمر استقلال النيجر بل حاول السيطرة على مقاليد البلاد عبر القوة الناعمة التي تدير مصالحه في ظل الشعور بالسيادة والاستقلال الظاهر شكلاً والغائب مضموناً، ومع تأثير الواقع العربي على الأوضاع في النيجر وبروز الصراع الدولي بين الدول الكبرى مثل الصراع العسكري في أوكرانيا بين الروس والغرب وأمريكا والصراع الاقتصادي بين الغرب والصين وخوف أمريكا من فقدانها زمام المبادرة في إدارة العالم بنظام القطب الواحد، وتفكك النظام الدولي، ورغبة الكثير من الدول من إقامة نظام دولي متعدد الاقطاب، كُـلّ ذلك ساهم بشكل مباشر وغير مباشر على الوضع في أفريقيا؛ باعتبار القارة السمراء أرضًا بكرًا تستغل ثرواتها من قبل المستعمر القديم / الجديد، دون أن ينعكس ذلك على الشعوب الفقيرة هناك، ولا على التنمية، مُجَـرّد استغلال وغبن تمارسه الدول الاستعمارية الكبرى على الدول الفقيرة، حَيثُ تستغل الثروات عبر الشركات الكبرى دون أية صحوة من الشعوب التي تقع تحت نير التخلف والجهل والفقر؛ ولذلك ترى الدول الاستعمارية أن انقلاب النيجر جرس إنذار قد يهدّد مصالحها، فاستنفرت كُـلّ الإمْكَانات إلى درجة تهديد أمريكا بالاجتياح العسكري للنيجر بعد أن طالب المجلس العسكري القوات الفرنسية المرابطة في النيجر بالمغادرة، وطلب مغادرة السفير الفرنسي؛ باعتباره شخصًا غيرَ مرغوب فيه وفق الأعراف الدبلوماسية الدولية، لكن فرنسا تصر على بقاء سفيرها وترى أن ذلك يمس سيادتها وكرامتها السياسية، وهي لم تدرك بعد أن النيجر دولة مستقلة ذات سيادة نالت استقلالها عام 1960م، فتجاوزت كُـلّ المعطيات الشكلية التي كانت تخدع بها العالم لتكشف عن وجهها الاستعماري القبيح.
ما حدث ويحدث في النيجر ليس غريباً بل هو إعلانٌ واضحٌ عن جوهر الأشياء في ظل النظام الدولي ذي القطب الواحد الذي يستغل مقدرات الشعوب ويفرض سيطرته على حريتها واستقلالها، وهو كذلك في كُـلّ المنطقة العربية التي كانت تحت نير استعماره خلال القرن العشرين، ولذلك نجده يقاوم كُـلّ حركات التحرّر والاستقلال في أي مكان كان من العالم طالما وهي تهدّد مصالحه.
لقد كشف المستعمر قناعه وأصبح مكشوفاً وواضحًا ولذلك يتوجب على أحرار العالم الوقوف مع قضايا التحرّر في العالم حتى تنال الشعوب كامل حريتها في تقرير مصيرها واستغلال ثرواتها بما يحقّق الرفاه والعيش الكريم للشعوب المقورة والمغلوبة على أمرها، وقد جاء موقف اليمن منسجماً مع مبدأ حرية الشعوب في تقرير مصيرها وبسط سيطرتها على كامل ترابها الوطني ومع سيادتها واستقلالها؛ لأَنَّ اليمن تخوض معركة الحرية والاستقلال منذ عقد من الزمان وربما كانت معركتها وثورتها ملهمة للشعوب حتى تنال الحرية والاستقلال.
العالم اليوم يموج مضطرباً وقد بدأت الثورات التحرّرية تجتاح الشعوب، وبدأت الصحوة تعم البلدان وبدأ النظام الرأسمالي ينحسر شيئاً فشيئاً، وبدأت الشعوب تعرف عدوها من صديقها، ولذلك يتوجب على أحرار العالم الضرب بيد من حديد لحلم عودة المستعمر إلى البلدان ليعيث فيها فساداً، فالله لا يُحِبُّ المفسدين.