تحَرُّكاتُ “المارينز” في اليمن تؤكّـدُ إصرارَ واشنطن على التصعيد ونهب الثروات
المسيرة | خاص
مثّلت المشاهدُ الاستفزازيةُ الجديدة التي أظهرت انتشار القوات الأمريكية في المحافظات الجنوبية الواقعة تحت سيطرة تحالف العدوان، دليلاً واضحًا على مضي الولايات المتحدة في مسار تعزيز وتثبيت واقع الاحتلال، واقتطاع أجزاء من الجغرافيا الوطنية؛ الأمر الذي من شأنه أن يعيق أية جهود للسلام؛ لأَنَّ تواجد القوات الأجنبية يترجم استمرارًا عمليًّا في استهداف الشعب اليمني، وإصراراً واضحًا على حرمانه من ثرواته التي لا يخفي الأمريكيون رغبتهم في الاستحواذ عليها.
المشاهد التي أظهرت جنوداً من المارينز الأمريكي يتجولون في محافظة حضرموت، جاءت بعد إعلان الولايات المتحدة عن وصول قوات إضافية تتضمن آلاف الجنود إلى المنطقة تحت عناوينَ مضلِّلةٍ، منها “مكافحة التهريب” وحماية الملاحة، وهي نفس العناوين التي استخدمتها واشنطن بكثرة خلال السنوات الماضية لتبرير إرسال قواتها إلى المحافظات اليمنية المحتلّة، وعلى رأسها المهرة وحضرموت.
ويأتي الانتشار المعلن للقوات الأمريكية في المحافظات المحتلّة في سياق الموقف العدائي الذي تتخذه واشنطن تجاه اليمن وتجاه متطلبات السلام العادل، حَيثُ يصر البيت الأبيض على استمرار العدوان والحصار وإبقاء البلد تحت الوصاية وحرمان الشعب اليمني من عائدات الثروة الوطنية؛ وهو الأمر الذي يتكامل بوضوح مع التوجّـه لتعزيز تواجد قوات المارينز حول منابع الثروة، وفي سواحل المحافظات الجنوبية والشرقية الاستراتيجية.
هذا الموقف الممتد من وضع العراقيل أمام الجهود التفاوضية إلى التحَرّك المباشر على الأرض، يؤكّـد بوضوح أن الولايات المتحدة الأمريكية، تسعى إلى فرض سيطرتها على المشهد كأمر واقع يعيق أية جهود يبذلها الوسطاء بين صنعاء والرياض للاقتراب من السلام الفعلي.
وبقدر ما يوضح هذا الانتشارُ اندفاعَ الولايات المتحدة الأمريكية نحو مواصلة العدوان والحصار واستهداف الشعب اليمني وتجويعه وحرمانه من حقوقه، فَــإنَّه يضعُ النظامَ السعوديّ أمام اختبار رئيسي لإثبات جديته ونواياه في التوجّـه نحو السلام من خلال التجاوب مع مطالب الشعب اليمني، والتوقف عن دعم وتبني الموقف الأمريكي بالمماطلة والتهرب من الاستحقاقات؛ لأَنَّ هذا السلوك يمثل إصراراً على المضي في مخطّطات واشنطن وتمكينها من مطامعها.
وبحسب نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي بوزارة الدفاع، العميد عبد الله بن عامر، فَــإنَّ الولايات المتحدة حرصت خلال مراحل المفاوضات على أن تفرض قضية وجود قواتها في اليمن كأمر واقع على الطاولة، وتجرأت على أن تطالب بـ”إقامة قواعدَ عسكرية أجنبية جنوب وشرق البلاد وفي الجزر، لكن صنعاء “رفضت ذلك بشدة”؛ لتتجه واشنطن بعدها لمحاولة فرض رغبتها عن طريق “مشروع التقسيم”.
هذه الاستماتة الأمريكية الدبلوماسية والعملية؛ مِن أجل الحفاظ على موطئ قدم في اليمن، وفي مناطق الثروات السيادية بشكل خاص، تؤكّـد أن واشنطن لا تضع في حساباتها أبداً تمكين الشعب اليمني من ثرواته؛ لأَنَّ استمرارَ الاستحواذ على هذه الثروات يمثل عنصراً أَسَاسياً في معادلة تثبيت السيطرة على المحافظات المحتلّة واقتطاعها أَو حتى تقسيمها، وبالتالي فهو أَيْـضاً عنصر أَسَاسي لتحقيق الهدف الرئيسي المتمثل بتحويل اليمن أَو جزء منه إلى قاعدة نفوذ أمريكية في المنطقة.
ويبدو بوضوح أن مساعي الولايات المتحدة لتثبيت واقع تواجدها المباشر في المحافظات المحتلّة وتكريسه، تعتمد بشكل رئيسي على استمرار حالة خفض التصعيد، وتوجيه عملية التفاوض بين صنعاء والرياض إلى الاتّجاه الذي يخدم تلك المساعي ويوفر لها الغطاء والوقت.
وبالتالي، فَــإنَّ التحذير الذي وجهه الرئيس المشاط، قبل أَيَّـام للقوات الأمريكية والبريطانية والذي أكّـد فيه أن يد صنعاء “خفيفة على الزناد” وجه رسالة قوية للولايات المتحدة بأن مشروعها لا مستقبل له؛ لأَنَّ خروج القوات الأجنبية من المحافظات المحتلّة حتمي سواء عن طريق الالتزام بمحدّدات السلام على طاولة التفاوض، أَو عن طريق القوة، وبالتالي لا وجود لأي واقع يمكن أن تقبل فيه صنعاء بقاء القوات الأمريكية في المحافظات المحتلّة وسيطرتها على الثروات الوطنية، أَو حتى “تضطر” للتعايش مع ذلك الواقع.
تصريحاتُ المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ الأخيرة التي حاول فيها إنكار وجود مطامع عسكرية للولايات المتحدة في اليمن، أكّـدت بوضوح أن تحذيرات الرئيس المشاط والمعلومات التي كشفها عن حقيقة الموقف الأمريكي، أسقطت الغطاء الذي تحاول واشنطن استثماره لتثبيت مشروعها الاستعماري على الأرض، وهو غطاء “دعم جهود السلام”.
بعبارة أُخرى: لقد ذكر الرئيس المشاط الولايات المتحدة بأن المعركة معركة تحرّر واستقلال، وأنه لا يمكن بأي حال أن تكون هناك مساحة في هذه المعركة للتغاضي عن تواجد قوات أجنبية في البلد، وبالتالي فَــإنَّه لا مجال لأية “صفقة” قد تحاول الولايات المتحدة فرضها لخدمة مشروعها الاستعماري.
ولا تقتصر أهداف مشروع التواجد الأمريكي في المحافظات المحتلّة على مسألة نهب الثروات وفرض مشروع التقسيم وتحويل أجزاء من البلد إلى مناطق نفوذ أمريكية؛ لأَنَّ تلك الأهدافَ تقتضي تحقيق هدف آخر يتمثل في استهداف المقاومة الوطنية والمشروع التحرّري في بقية اليمن؛ وهذا ما يوضحه تصريح لعضو المكتب السياسي لأنصار الله، علي القحوم، لقناة “الميادين” أكّـد فيه أن تواجد القوات الأمريكية يكشف “التحضير لمرحلة مقبلة من التصعيد العسكري”.
الرئيس المشاط، كان قد أشار إلى ذلك قبل أَيَّـام في كلمته التي ألقاها بمحافظة صعدة، حَيثُ أوضح أن العدوّ يسعى لإثارة مشاكلَ داخلية في المناطق الحرة؛ مِن أجل الإقدام على تصعيد عسكري خاطف.
وفقاً لكل ما سبق، تتضحُ الكثيرُ من ملامح الخطة الأمريكية في اليمن، حَيثُ يبدو بشكلٍ جلي أن واشنطن تراهن على المماطلة السعوديّة؛ مِن أجل إبقاء حالة خفض التصعيد قائمة، كغطاء، وكفرصة زمنية مفتوحة لفرض واقع جديد على الأرض.
وإذا كانت تحذيراتُ الرئيس المشاط قد أكّـدت للولاياتِ المتحدة أن خطتَها هذه ستصطدمُ مباشرةً بقوة الردع الوطنية، فَــإنَّ تحذيراتِ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الأخيرةَ قد وضعت السعوديّةَ أَيْـضاً أمام تداعيات دورِها العدائي الذي تلعبُه في خدمة الخطة الأمريكية، حَيثُ أوضح القائدُ بشكل صريح أن استمرارَ الرياض بتنفيذ الإملاءات والخطط الأمريكية والبريطانية سيجعلها هي الأُخرى عرضة لردود مؤثرة، وخُصُوصاً على الجانب الاقتصادي.
وإجمالاً يمكن القولُ إنه وعلى الرغم من خطورةِ الخطة العدائية التي تترجمها التحَرّكات الأمريكية الاستعمارية في المحافظات المحتلّة، فَــإنَّ صنعاءَ قد استطاعت أن تضمنَ حتميةَ فشلِ هذه الخطة، من خلال ثبات الموقف الوطني، وعدم السماح لدول العدوان بتحويل العملية التفاوضية إلى فُرصةٍ مفتوحة لترتيب الأوراق، إضافةً إلى تعزيزِ هذا الموقف باستعدادات عسكرية وقتالية، تجعلُ الولاياتِ المتحدةَ والنظامَ السعوديَّ يواجهان بشكلٍ دائمٍ أسوأَ المخاوف التي يحاولان الهروبَ منها.