قرارُ تقليص المساعدات الممنوحة لليمنيين.. مواكبةٌ أممية إضافية لتكتيكات العدوان والحصار
المسيرة: نوح جلاس:
بات من المعروف للجميع مدى التواطؤ الأممي المفضوحِ مع إجراءاتِ العدوان والحصار الأمريكي السعوديّ الإماراتي على اليمن واليمنيين، حَيثُ كانت الأمم المتحدة ومنظماتها وهيئاتها في تلاعب مُستمرّ مع إجراءات العدوان والحصار، سواءً في حالة الحرب والحصار، أَو في حالة السلام الهشِّ الزائف الذي لا يتجاوز عدسات الإعلام وإحاطات المبعوثين الأمميين، ومع تصاعُدِ آليات العدوان والحصار انتقلت الأمم المتحدة ومنظماتها من حالة التلاعب والتضليل، إلى حالة الانسجام والتناغم مع خطوات وإجراءات واشنطن في الحرب والحصار على اليمن واليمنيين، وآخرُ مظاهر هذه الحالة هو قرارُ برنامج “الغذاء العالمي” الأخير القاضي بحرمان اليمنيين من المساعدات الممنوحة لهم.
قرارٌ يعزِّزُ الشراكة الأممية في جرائم الحرب والحصار:
وبالتزامن مع عزمِ تحالف العدوان شَنَّ جولة جديدة من العدوان والحصار، ومع إصرار الأعداء على مصادرة المرتبات والثروات وتضييق الخناق المعيشي على المواطنين بشكل أكثر، واكبت الأمم المتحدة عبر برنامج الغذاء العالمي خطوات العدوان التجويعية بإعلان تخفيض المساعدات والأعمال الإغاثية على الرغم من منح البعثات الأممية كُـلّ التسهيلات وامتلاكها لكل الإمْكَانيات التي قدمها المانحون؛ وهو الأمر الذي يؤكّـد وصول الأمم المتحدة إلى مستوى مساند للعدوان والحصار بشكل لا يخفى على أحد.
القرار الأممي الذي أصدره برنامج الغذاء العالمي يقضي بتخفيض المساعدات الممنوحة لليمنين يأتي تحت مبرّرات واهية أَيْـضاً؛ وهو ما قد ينعكس سلباً على الأوضاع المادية والمعيشية لحوالي نصف مليون أسرة يمنية تعيش تحت وطأة العدوان والحصار الذي خلف أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حسب ما تعترف به المنظمة الأممية نفسها، والتي واجهت هذه الأزمة بما يلبي مخطّطات العدوان والحصار في تشديد الخناق على اليمنيين.
الأمم المتحدة -رغم ما تحمله من مسؤوليات جراء الجرائم التي ارتكبت في اليمن- تعزز بهذا السلوك شراكتها الفاضحة في كُـلّ الجرائم إلى جانب تحالف العدوان والحصار بقيادة أمريكا؛ وهو الأمر الذي يزيد من تأكيد حقيقة أن الأمم المتحدة كانت وما زالت وسيطاً لا يعوَّل عليه، بل أظهرت نفسها طيلة السنوات الماضية أحدَ الأركان الأَسَاسية التي يستند عليها العدوان والحصار، ولنا في الإحاطات الأممية المقدمة على مائدة مجلس الأمن الكثير من الشواهد، وقد امتلأت تلك الإحاطات بالمغالطات الكثيرة واليافطات الرامية إلى تغطية ممارسات العدوان والحصار وإفرازاتهما.
قرار سياسي ومآلات واضحة وفاضحة:
وبصرف النظر عن فشل الوسيط الأممي وعجزه عن حلحلة ملفات السلام -بما فيها الاتّفاقات الموقعة، سواءً في السويد الذي بقي حبيس الأدراج الأممية أَو مسقط الذي جعله التواطؤ الأممي يتحول إلى هدنة مشتعلة مليئة بمعاناة اليمنيين لا سيَّما في ملف المطار والمرتبات– فَــإنَّ الدور المسيّس الذي لعبته الأمم المتحدة ومنظماتها، أوصلها إلى حَــدّ التقييم الذاتي لدى كُـلّ المراقبين بمن فيهم المحايدون، بأن السلوك الأممي يشوبه الكثير من المنعرجات الدّالة على مدى تواطؤ الأمم المتحدة مع تحالف العدوان والحصار؛ وهو ما جعل الكثيرَ من المراقبين يعتبرون هذا القرار الأخير سياسيًّا بامتيَاز، فضلاً عن أن صنعاء أكّـدت هذا وقد كشفت عنه بالحقائق الصادمة.
وقد زادت الأمم المتحدة من انكشاف الخلفيات بعد طلبها من صنعاء المصادقة على القرار، حَيثُ كشفت الأخيرة عن ذلك، بعد أن أكّـدت مصادر خَاصَّة لـ “المسيرة” أن “برنامج الغذاء العالمي طلب قبل عدة أَيَّـام من الجهات الرسمي في حكومة الإنقاذ الوطني، التوقيعَ على قرار تقليص المساعدات في اليمن؛ وهو ما قوبل بالرفض من صنعاء”، وحسب المصادر فَــإنَّ “سبب الرفض هو “لانطوائه على أجندات مشبوهة، منها تضليل المستفيدين عمن يقف وراء تقليص المساعدات”.
الطلب الأممي من الطرف الوطني بالمصادقة على القرار ترك الكثير من علامات الاستفهام وراء السلوك الأممي وأهدافه التي لا تخرج عن سياق إضفاء طابع خاص للحصار، ويتمثل هذا الطابع بإشعال أزمات داخلية وسخط شعبي يخدم أجندات العدوان، وما يؤكّـد أَيْـضاً أن الهدف من تقليص المساعدات هذه المرة يرمي إلى مواكبة خطط وتكتيكات العدوان والحصار، وأن الطلب الأممي لصنعاء بالمصادقة أتى بغرض تحميلِها المسؤوليةَ والتغطيةِ على هُــوِيَّة الطرف الذي أصدر أوامر تقليص المساعدات، فضلاً عن توقيت الإعلان في ظل معطيات الوضع الراهن المليء بالإصرار الأمريكي البريطاني السعوديّ الإماراتي على خوض جولة جديدة من الحرب والحصار وتضييق الخناق المعيشي بصورة أبشع على اليمنيين بعد أن وقعوا في فضيحة نهب المرتبات والثروات وتوحدت كُـلّ أصابع بالإشارة صوب متهم واحد بدون رتوش ولا حتى قناع، فقد تمكّنت صنعاء بطاولاتها الدبلوماسية وصواريخها الباليستية وطائراتها المسيَّرة من إجبار العدوّ ورعاته وأدواته على الاعتراف بتورطهم في حرمان الشعب من مرتباته وثرواته، فضلاً عن إجبارهم على الظهور أمام الجميع بمدى غطرستهم وسعيهم لمواصلة النهب ومضاعفة الحصار واختلاق الأزمات.
كما أن القرار وحيثياته وخطواته اللاحقة المشبوهة الموسومة بطلب المصادقة عليه رسميًّا من صنعاء، يزيد من تأكيد تناغم الأمم المتحدة مع مخطّطات العدوان القادمة، حيثُ إن إشعال الفتن الداخلية والسخط الشعبي ومفاقمة الأزمة الإنسانية يتواءم مع تكتيكات العدوان القادمة التي تعوِّل بشكل كبير على تفكيك التماسك الداخلي عبر اختلاق أزمات معيشية وإنسانية وإثارتها؛ بغرض إرباك المشهد ومنح دول العدوان أوراق ضغط أُخرى يساوم بها على حقوق اليمنيين ويغطي بها على إجراءات إجرامه وحصاره.
صنعاء في مكاشفة جديدة.. انكشافُ المكشوف أكثر:
صنعاء -ومع إدراكها لكل التحَرّكات ورصدها لكل الخطوات التي يسير وفقها العدوُّ ورعاتُه، وعلمها المسبق بكل المخطّطات، حسب ما أكّـده خطاب قائد الثورة الأخير وخطاب الرئيس المشاط من محافظة عمران- قد وضعت الطرف الأممي في مكاشفة جديدة قد يعني الصمت فيها إثباتًا دامغًا عن مدى تورط الأمم المتحدة في الأهداف المشبوهة من قرار تقليص المساعدات، حَيثُ أكّـدت صنعاء على لسان عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، خلال لقائه بمسؤولين أممين، أمس الاثنين، في العاصمة صنعاء، أن “تقليص المساعدات يأتي استجابة لرغبات وضغوط أمريكا والمنظومة العليا التي تقود العدوان والحصار على اليمن”.
وقد أكّـد الحوثي، للمديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “كورين فلايشر”، والممثل المقيم لبرنامج الأغذية “ريتشارد ريجان”، أن “قرار تخفيض المساعدات لليمن سياسي وبإيعاز من الإدارة الأمريكية في الوقت الذي تستمر فيه معاناة اليمن نتيجة العدوان والحصار الذي يتعرض له منذ تسع سنوات”، وهي مصارحة لم يعلق المسؤولون الأمميون عليها!
وصارح الحوثي المسؤولين الأمميين بـ”عجز آلية عمل الأمم المتحدة وعدم فاعليتها في التعامل مع الأزمة الإنسانية في اليمن والتي تعد الأسوأ على مستوى العالم”، منوِّهًا إلى أن “قرارَ تخفيض المساعدات في ظل استمرار العدوان والحصار يهدفُ إلى تجويع الشعب اليمني”.
وفيما حمّل الحوثي دول العدوان بقيادة أمريكا وكذلك الأمم المتحدة المسؤولية عن التداعيات الناجمة عن القرار، وكذلك التداعيات الناجمة عن معاناة اليمنيين، فَــإنَّ المسؤولين الأمميين لم يتذرَّعوا بأكثرَ مما وصفوها “أزمةً مالية”، في ظل إعلان المانحين تقديمَ المساعدات لليمن؛ وهو ما يؤكّـد أن القرارَ الأممي ليس سوى بصمة جديدة وضعتها الأمم المتحدة على سجلِّ العدوان والحصار الممهور بإجرام واشنطن ولندن وأدواتهما في المنطقة.