مهدي المشاط ومرتباتُ اليمنيين!
عبدالغني علي الزبيدي
قبل عشر سنوات لم يكن أحد يعلمُ عن مهدي المشاط، أيَّ شيء، وأتذكر أنني سمعتُ بهذا الاسم قبل عشر سنوات عندما ظهر إلى جانب السيد عبدالملك الحوثي، أثناء لقائه مع قيادات المشترك في العام 2013، وعندما سألت: من هو الشخص الذي بجوار السيد عبدالملك الحوثي قالوا لي: هذا مهدي المشاط، مسؤول المِلف السياسي والتفاوضي في مكتبه.
وبدأت التساؤلات إلى ذهني، إذَا كان بهذا القدر من الأهميّة والمسؤولية فيكون هو الشخص الذي اختاره السيد عبدالملك الحوثي، للقاء قيادات أحزاب اللقاء المشترك فلماذا لم نسمع عنه أي أخبار، ووصلت إلى قناعة أن هذا الرجل لا يحب الظهور الإعلامي، ولا تلميع الذات، ويعمل خلف الكواليس بصمت والتزام عجيبَين.
عيّنه الرئيسُ الشهيد الصماد عضواً في المجلس السياسي الأعلى؛ لمساندته في إدارة المِلف الاقتصادي؛ ليتفرغ هو للاهتمام بالجبهات والتحشيد، وعندما استشهد الرئيس صالح الصماد رحمة الله عليه، وفي تلك اللحظات الحرجة والظروف الصعبة كان يتساءل الجميع: من هي الشخصية الكفؤة والقادرة على تولي المسؤولية؟.. إنه لأمر جلل.
وعندما عقد اجتماع لأعضاء المجلس السياسي الأعلى مع قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، أوكل مهمة رئاسة المجلس السياسي الأعلى إلى الشيخ صادق أبو راس، لكنه رفض تحمل المسؤولية نظراً لصعوبة المرحلة التي يمر بها اليمن من عدوان عالمي وحصار خانق، وجبهات متعددة. !!
وفي تلك اللحظات الحرجة والوقت يمر، والعدوّ يتربص، صدر بيان للمجلس السياسي الأعلى ينعي لكافة أبناء الشعب اليمني استشهاد الرئيس صالح الصماد وتعيين مهدي محمد المشاط، رئيساً للمجلس السياسي الأعلى للجمهورية اليمنية.
كانت أجواءُ الحزن تخيِّمُ على صنعاء، في كُـلّ مكان، والتحديات صعبة، دول تحالف العدوان تزبد وترعد وتتوعد بأن المشاط لن يستمرَّ لعشرة أَيَّـام متتالية وستقوم بتصفيته.
وأمام تلك التحديات وحجمها وصعوبة المرحلة تولى الشاب الثلاثيني مهدي المشاط، المسؤولية في إدارة البلاد في أصعب المراحل التي تمر بها اليمن.
كان العام 2018 يمثل ذروة الحرب الاقتصادية الدولية المنسقة ضد الجمهورية اليمنية، حَيثُ كان الأمريكي والبريطاني قد تولوا مهمة حصار اليمن وتجفيف موارده بشكل مباشر وبذلوا في هذا السياق جهوداً كبيرة، من إغلاق كامل للميناء واستهداف لموارد الضرائب والجمارك في المناطق الحرة وتشديد العقوبات وسحب السيولة من الأسواق وطباعة العملة المزورة وانتهاء بإرهاب كافة المستثمرين من العمل داخل نطاق الجغرافيا الحرة وسحب الاستثمارات واستهداف البنوك، ودبت حالة من الخوف من المجهول؛ جراء كُـلّ تلك الهجمات الاقتصادية، رغم حالة الاستتباب الأمني التي تنعم بها مناطق سيطرة المجلس السياسي الأعلى.
ورغم أن الحرب العسكرية آنذاك كانت في أوجها ولم تتوقف كما يقول الصديق، إلا أن التوجّـه الرئيسي للعدو آنذاك كان الحرب الاقتصادية وهدفها تدمير العملة الوطنية وانهيار الاقتصاد اليمني ككل وضرب الاستقرار التمويني وإدخَال البلاد في فوضى ومجاعة لا نظير لها، وكان السفير الأمريكي بنفسه قد أعلن هذه الحرب في 2016، حينما توعد الوفد الوطني في الكويت بأنه إذَا لم يوقع على الاتّفاق الذي يناسب مقاس الأمريكي -وهو الاستسلام-، فسيصبح الألف ريال لا يساوي قيمة الحبر الذي طبع عليه.
هنا تجلت قدرات الرجل القادم من رئاسة اللجنة الاقتصادية قبل أن يتولى مهامَّ رئيس المجلس السياسي الأعلى، وقد خاض الرئيس مهدي المشاط غِمارَ المعركة رغم الصعاب والتحديات، من حَيثُ متابعة الجبهات واحتياجاتها والصناعات العسكرية الصاروخية والطيران المسيَّر وتطويرها، ولم يغفل عن الحرب الاقتصادية الأمريكية التي لا تقل أهميّة عن الحرب العسكرية، فقام بترتيب الجانب الاقتصادي ولقاء رجال المال والأعمال، وضبط السياسة المالية، والإشراف على لجنة المدفوعات وضبط الصرافين، وإسناد البنوك وتشجيع الاستثمار وإقرار حزم الإعفاءات ومعالجة الملفات المعقدة مثل الكهرباء والخدمات بحسب الممكن والمتاح وإصدار القرارات الصارمة والمتناسبة مع مواجهة الحرب الاقتصادية للعدوان، وتحقّق ما يشبه المعجزة بعودة الاستثمار، واستقرار أسعار الصرف، وتوفر السلع الغذائية والدوائية رغم الحصار بحيث تكون بشكل يراعي ظروف المواطن اليمني الصامد في ظل العدوان والحصار، ويراعي التاجر على قاعدة لا ضرر ولا ضرار. (راجع الوضعَ الاقتصادي والتمويني حَـاليًّا في اليمن وهي في ظل الحرب أفضل من وضع اقتصادات دول لا حرب فيها مثل لبنان)
وفي كُـلّ مرحلة أَو قرار يتخذه الرئيس المشاط لحماية الاقتصاد الوطني واستقرار أسعار الصرف، كنا نحقّق انتصاراً في المعركة الاقتصادية ونرد العدوّ الأمريكي والبريطاني اللذان يشرفان على الحرب الاقتصادية خائبين مهزومين، لكنهم لم يسكتوا، كانوا يحركون أدواتهم في الداخل للتشكيك في تلك القرارات ومهاجمتها ومحاولة إثارة الرأي العام والتجار عليها، وفي الحقيقة كان المشاط يتلقى طعنات الصديق في الظهر منذ وقت سابق ورغم ألمها، كان يعمل بصمتٍ؛ لكي لا يفتح لتحالف العدوان أيةَ ثغرة إلى الداخل.
عند كُـلّ تقدم للرئيس المشاط لمواجهة تحَرّكات العدوّ في أية معركة اقتصادية أَو عسكرية أَو لإصلاح خلل هنا أَو هناك، كانت أمريكا تحَرّك أدواتها لبث الشائعات، وتحيك المؤامرات، وأتذكر القرار التاريخي الذي اتّخذه الرئيس عندما قامت أمريكا بطباعة العملة غير القانونية بغرض ضرب الاقتصاد الوطني، فأمر الرئيس بإيقاف التعامل بها، ومثل هذا القرار ضربة قاصمة في رأس المشروع التخريبي الخارجي للاقتصاد اليمني، حينها رأيت حملة إعلامية من شخصيات في الداخل اكتشفنا اليوم ارتباطهم بالخطة الأمريكية (ب) تهاجم هذا القرار، وتشكك في قدرات من اتخذه، وتبث الشائعات وتحرض رجال المال والأعمال والشعب مثلما تعمل اليوم، ولكننا رأينا اليوم صوابيةَ هذا القرار، وكيف ساهم في الحفاظ على العملة الوطنية واستقرار أسعار الصرف في مناطق سيطرة المجلس السياسي الأعلى.
ثم تقدم المشاط مرة أُخرى ليعلن أنه ممنوع على الغزاة سرقة ونهب الثروات النفطية والغازية اليمنية وأن أية سفينة ستقترب من موانئ اليمن لسرقة نفطه وغازه فستكون عرضة للاستهداف، وقد مثل هذا القرار انتصاراً لمفهوم السيادة والاستقلال التي لم تنعم بهما اليمن منذ قيام الجمهورية إلا في عهد مهدي المشاط، وقد بلغ صراخ العدوّ من هذا الإجراء صدى واسعاً سمعه القريب قبل البعيد.
لن أتحدث عن الخطوات المتقدمة في توطين المنتجات المحلية، وسأقول إنه ومنذ أشهر يمنح الرئيس المشاط الجزء الأكبر من اهتمامه ووقته لملف متابعة المرتبات واستعادة حقوق الموظف اليمني من العدوّ الحقيقي واللص الرئيسي الذي حول إيرادات نفط اليمن إلى البنك الأهلي السعوديّ وحاصر عوائد وثروات هذا الشعب من الوصول إلى أبنائه، وحين وصل العدوّ إلى قناعة تامة بأنه لا بُـدَّ من تسليم مرتبات اليمنيين حتى يقي نفسه (ومدينة نيوم) شر ضربة يمنية قاضية، عادت ذات الخلايا الفوضوية والغوغائية والمدعومة من فريق الخطة (ب) في السفارة الأمريكية لإفشال مساعي المشاط في استعادة مرتبات اليمنيين وتقديم هدية على طبق من ذهب للعدو للتملص من هذه الالتزامات.
في هذا اليوم أقول لكم سينتصر المشاط في معركة الراتب كما انتصر في معركة النفط ومعركة الميناء من قبلها، وستدفع السعوديّة راضية أَو مجبرة مرتبات كُـلّ موظف يمني منذ توقفت حتى آخر يوم، فالرجل مُجرب ومتعود منه النجاح وقد أثبت ذلك مرات عدة، المهم فقط أن ذباب السفارة وأذناب (الخطة الأمريكية “ب”) سيبوؤون بالفشل كما فشل الذين من قبلهم والله من وراء القصد.