معطياتُ الواقع تكشفُ ملامحَ الخُطة البديلة للعدو: الهروبُ من الحلول بمضاعفة المشاكل!
المسيرة | ضرار الطيب:
في خطابه قبل أسابيعَ، ألمح قائدُ الثورةِ، السيدُ عبدُ الملك بدر الدين الحوثي، إلى خُطَّةٍ بديلةٍ يحاولُ العدوُّ أن ينفِّذَها لتعويض فشله العسكري بمواصلة الحصار والتجويع، وقبل أَيَّـام كشف الرئيس المشاط، أن السفارة الأمريكية أعدت خطة في نفس المسار تتضمن استهداف الجبهة الداخلية وإثارة الوضع في المناطق الحرة، وقد برزت ملامح ما كشفته القيادة الثورية والسياسية عمليًّا، من خلال العديد من الخطوات العدائية المتزامنة والمتكاملة مع بعضها بصورة تؤكّـد أن العدوّ يحاول فعلاً صناعة وفرض واقع بديل يتجنب فيه التزامات السلام ويطيل معاناة الشعب اليمني؛ الأمر الذي يترجم عدم جديته في التوجّـه نحو الحلول.
ملامح الخطة “ب”:
حديث قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، عن “الخطة ب” للعدو، جاء في سياق تحذيرات وجهها للسعوديّة، وركزت بشكل رئيسي على نقطة محورية هي أنه لا يمكن القبول باستمرار حصار الشعب اليمني وتجويعه وحرمانه من ثرواته والتآمر على وحدته وأمنه، وإشارة القائد إلى أن العدوّ يحاول اللجوء إلى هذه الخطة “بعد فشله العسكري” تعني أن الخطة تقوم على أَسَاس خلق حالة طويلة الأمد من الهدوء الشكلي على جبهات المواجهة، ومواصلة الاستهداف على الجبهة الاقتصادية والإنسانية، ثم استخدام النتائج لتحقيق مكاسب تعوض الفشل العسكري.
وجود مثل هذه الخطة كان أمراً واضحًا ومتوقعاً منذ البداية؛ إذ دأب تحالف العدوان خلال السنوات الماضية وبشكل متكرّر على محاولة استخدام فترات التهدئة كتكتيك لترتيب أوراق أُخرى، كما أن تعنته المُستمرّ منذ بدء الهدنة وما تلاها من خفض للتصعيد، كان مؤشراً ثابتاً على أنه لا يسعى إلى حلول بل إلى كسب الوقت.
لكن الأمر الآن لم يعد يتعلق بمُجَـرّد مؤشرات وتوقعات؛ إذ كشفت الأيّام الماضية أن العدوّ يمتلك بالفعل خطة بديلة يحاول تنفيذها لإطالة أمد معاناة اليمنيين ومواصلة حرمانهم من حقوقهم، وهو هدف يبدو أن دول العدوان رأت أن الطريق الأمثل لتحقيقه هو إلقاء المسؤولية على عاتق صنعاء.
هذا ما يؤكّـده بوضوح الطلب الذي وجهه برنامج الأغذية العالمي لحكومة الإنقاذ بالتوقيع على قرار تقليص المساعدات المقدمة لليمن، والذي أكّـدت صنعاء أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف وراءه؛ بهَدفِ مضاعفة معاناة المواطنين وتحميل صنعاء مسؤولية تلك المعاناة، وبالتالي فهي لم تكن فقط خطوة تجويع بل أَيْـضاً تكتيكاً سياسيًّا لتحويل الأزمة إلى مشكلة بين صنعاء والشعب اليمني، وبالتالي تجنيب دول العدوان الالتزامات وإبعادها عن واجهة المشهد.
يمكن القول إن خطوة برنامج الأغذية العالمي تكشفُ بوضوح أن التكتيك الرئيسي المستخدَم في “الخطة ب” هو تحميل صنعاء مسؤولية المعاناة (تحت غطاء حالة خفض التصعيد طبعاً)، وهذا ليس استنتاجاً سريعاً يعتمد على حادثة واحدة؛ لأَنَّ قرار البرنامج الأممي جاء متزامناً مع خطوات أُخرى كشفت الحقيقة نفسها.
من تلك الخطوات، الهجومُ الدعائي المكثّـف (والمُستمرّ) من جانب وسائل إعلام تحالف العدوان ومرتزِقته وأبواقه في المناطق الحرة، ضد صنعاء، والذي يتمحور هو الآخر حول فكرةٍ رئيسيةٍ واحدة تتمثل في تحميل السلطة الوطنية مسؤولية انقطاع المرتبات وتبرئةِ تحالف العدوان، واستخدامِ هذا العنوان المضلل للتحريض على إثارة الفوضى والصدامات بين المواطنين وحكومة الإنقاذ، وحتى بين أطراف الصف الوطني نفسه؛ وهو ما تحاول وسائل الإعلام السعوديّة فعله بشكل صريح وواضح.
التكامل الواضح بين خطوة برنامج الأغذية ومضامين الحملات الدعائية يؤكّـد ما كشفه الرئيس المشاط حول وجود خطة أعدتها السفارة الأمريكية؛ لإثارة الوضع في المناطق الحرة وتبرئة دول العدوان من التزامات صرف المرتبات ورفع الحصار، بل يؤكّـد أن خطة السفارة الأمريكية تمثل “القالب البديل” التي يسعى تحالف العدوان أن يعيد تشكيل الواقع فيه ثم تثبيته كواقع بديل على الأرض.
وبالتالي يمكن القول إن الخطة “ب” للعدو تتضمن ثلاثة أجزاء رئيسية:-
الأول: هو الهدف الأولي والمتمثل في مواصلة الحصار والتجويع مع تجنيب دول العدوان العواقب.
والثاني: هو التكتيك أَو القالب الذي يساعد على تحقيق ذلك الهدف وهو إلقاء المسؤولية على عاتق صنعاء وإعادة تشكيل صورة الأزمة كأزمة داخلية واستغلال حالة خفض التصعيد لصرف الانتباه عن حقيقة الصراع المُستمرّ.
ثم الجزء الثالث: وهو الهدف النهائي المتمثل في الضغط على صنعاء بنتائج “الواقع البديل”؛ لفرض الإملاءات المرادة على الطاولة، أَو الإقدام على تصعيد عسكري خاطف، لجني مكاسب مباشرة على الأرض.
صنعاءُ تُربِكُ حساباتِ خطة العدو:
لكن هذه الخطة تواجهُ الكثيرَ من العقبات؛ فهي تعتمدُ بشكل رئيسي على فرضيةِ استمرارِ حالة خفض التصعيد وتثبيت حالة طويلة من الهدوء الشكلي، وهو الأَسَاسُ الذي نسفته تحذيراتُ قائد الثورة في خطابه الأخير؛ لأَنَّه أكّـد بشكل صريح على استحالة القبول ببقاء الوضع الراهن، بل أعاد وضع النظام السعوديّ أمام مخاوفِ تعرُّضِ اقتصادِه لضربات مزلزلة، وأكّـد أن الفرصةَ الممنوحةَ لجهود الوسطاء قد بلغت قَدْراً كافياً.
صحيحٌ أن الوساطةَ العُمانية قد استطاعت أن تدفع نحو جولة تفاوضية جديدة بعد تحذيرات القائد، لكن ذلك لم يغير من حقيقة ركاكة الأَسَاس الذي تعتمد عليه خطة العدوّ البديلة؛ لأَنَّ صنعاء قد أكّـدت بشكل واضح أن الجولة الجديدة ستكون “حاسمة”؛ وهو ما يعني أن العدوّ لن يملكَ الوقتَ الطويلَ الذي يحتاجُه لتنفيذ خطته.
وليس من قبيل المصادفةِ أن يندفعَ العدوُّ نحوَ الإسراع في محاولة فرض خطته البديلة في هذا التوقيت؛ إذ بدا بوضوح أن تحذيرات قائد الثورة وحديث الرئيس المشاط عن برنامج السفارة الأمريكية، وتأكيدات صنعاء، قد وضعت العدوّ أمام حقيقة عدم توفر الوقت المطلوب؛ الأمر الذي دفعه لتكثيف نشاطه من خلال الحملات الدعائية الواسعة ومحاولة إحداث اختراقات سريعة في الجبهة الداخلية، مع اتِّخاذ قرار تقليص المساعدات ومحاولة توريط صنعاء فيه.
هذا الاندفاع العدائي الكبير نحو فرض واقع بديل، يؤكّـد وجود خطة يحاول العدوّ تنفيذها للابتعاد عن طريق الحلول الفعلية، ومواصلة استهداف الشعب اليمني؛ وهو ما يشير بدوره إلى أن دول العدوان لا تنوي الاستفادة من الفرصة الأخيرة المتاحة لإنجاح جهود الوسطاء، بل إنها تصر على تقديراتها الخاطئة وتسعى لاستغلال ما تبقى من وقت لخلق أوراق ضغط وابتزاز جديدة، عوضاً عن حلحلة القضايا المطروحة.
هذا أَيْـضاً ما يؤكّـده انعدام المؤشرات الإيجابية فيما يتعلق بالجولة التفاوضية الجديدة، فبالرغم من أن الاحتمالات ما زالت قائمةً في نظر الكثير من المطلعين والسياسيين للتوصل إلى تفاهمات، فَــإنَّ المعطيات على الواقع لا تشجّع كَثيراً، وحتى الإعلان عن عودة “الرحلات الإضافية الثلاث” بين صنعاء والأردن، لم يكن إيجابياً بما يكفي، بل أكّـد أن دول العدوان لا زالت تحتفظ بكل تفاصيل الملف الإنساني كأوراق تفاوُضٍ ومساومة خاضعة لتقديراتها وحساباتها الخَاصَّة؛ وهو ما يعني تكرارَ نفسِ تجربة الجولات السابقة.