أمريكا والدورُ المفقودُ في اليمن
د. فؤاد عبد الوهَّـاب الشامي
تعوَّدت أمريكا أن تكونَ لها الكلمةُ الأولى والأخيرة في الدول التي تخضعُ لهيمنتها، واليمنُ قبل ثورة 21 سبتمبر 1914م كانت من هذه الدول التي تسرح وتمرح فيها أمريكا دون أية قيود، وعندما دخل أنصار الله كان من المفترض في العرف الأمريكي أن يأتي الأنصار إلى السفارة الأمريكية؛ لخطب ودها وتقديم الولاء والطاعة، ولكن ما حدث كان العكس فقد تعرض موظفو السفارة لإهانات عديدة، من أهمها توقيفُ موكب السفير الأمريكي في إحدى النقاط الأمنية، والمظاهرات الغاضبة للشباب اليمني أمام بوابات السفارة؛ ما دفع أمريكا إلى التصرف بحُمقٍ، من خلال تحريض السفارات العربية والأجنبية على مغادرة العاصمة صنعاء، وكان الأمريكيون من أوائل من غادر، والهدف كان إتاحة الفرصة أمام تحالف العدوان لمعاقبة الشعب اليمني على عدم احترام أمريكا، في ظل عدم وجود شهود أجانبَ لرصد جرائم العدوان.
وكانت أمريكا تظن أن ما هي إلَّا أَيَّـام معدودات ويتم القضاء على أنصار الله ثم تعودُ إلى اليمن للهيمنة عليها من جديد، ولكن الواقع خيّب أمرها وتحولت الأيّام إلى سنوات، وطال انتظارُ الأمريكيين لانتهاء المعركة التي سَتدشّـن عودتهم إلى اليمن، ومع مرور الزمن زاد التفافُ الشعب اليمني حول القيادة الثورية والسياسية، وفي المقابل زاد ابتعادُ أمريكا عَمَّا يجري في اليمن بعد أن تمكّنت صنعاءُ من القضاء على معظم الأدوات التي تعملُ لمصلحتها.
وهذا دفع أمريكا إلى إظهار وجهها القبيح للتأثير على المفاوضات الجارية بخصوص الهدنة والسلام، والتدخل بشكل سافر لعرقلة تلك المفاوضات، كما عملت على إعداد الخطط والمؤامرات التي كشف جزءًا منها قائدُ الثورة السيد عبدالملك الحوثي والرئيس مهدي المشاط؛ وذلكَ بهَدفِ ضرب العلاقة بين المجتمع والقيادة، وإثارة المشاكل في المناطق المحرَّرة؛ حتى تتمكّن أمريكا من تمرير أجندتها، من خلال المفاوضات، وخَاصَّة موضوع الراتب، ولكن صمود أحرار اليمن -بقيادته الثورية والسياسية وفريق التفاوض- نجحوا في عرقلة الخطط الأمريكية، ومؤخّراً شاهدنا الجنودَ الأمريكيين في شوارع مدينة سيئون في حضرموت يتجولون بشكلٍ علني بعد أن كان تواجُدُهم غيرَ معلَنٍ، وكل ذلكَ بهَدفِ إخضاع صنعاء وإجبارها على القبول بالشروط الأمريكية للسلام في اليمن، وهذا الذي لا يمكن للشعب اليمني أن يسمحَ به أَو أن يتمَّ تمريرُه.