السكوتُ عن جَور العدوان تواطؤٌ معه وخذلانٌ للموظف
حسام باشا
إنه عدوان سعوديّ إماراتي، عدوان يقطع عنق الحياة من شريانها، ويجفف مصادر الرزق من أهلها، وينهب ثروات الأرض من أصحابها، عدوان جاء ليحرق الأخضر واليابس في بلادنا، ويزرع الفوضى والخراب، ويسفك الدماء والدموع، وينتهك حرمة الأرض والحقوق، ويختلق الكذب والتضليل، ولا يرحم الصغير ولا الكبير، ولا يفرق بين المدني والعسكري، ولا يحترم حرمة المسجد والمستشفى.
هذا العدوان الذي انكسرت أنيابه وفشل في فرض إرادته بالحديد والنار، لم يجد مفراً إلا أن يخطف البنك المركزي اليمني في سبتمبر 2016م، وينقله بخفة الحرامية من صنعاء إلى عدن، فغيَّر وجهته من خدمة الشعب إلى خدمة عدوانه وطغيانه، وسلّم مفاتيحَه إلى رجل من أذنابه، واستولى على أمواله وخزائنه في الخارج، وسرق ثمار النفط والغاز التي كانت تسد رمق الموظفين، وبذلك أشعل نار الفقر في البلاد، وأذاق ملايين الموظفين وأسرهم غصة الحرمان، وأضعف قوة الدولة في تلبية حاجات الشعب.
ولم يكتفِ بذلك وحسب، بل ذهب ليتقمص دور البريء، وينشر أكاذيبه في وسائل الإعلام في محاولة لغسل يديه من تبعات الكارثة التي أحدثها، وتحميل السلطة الوطنية في صنعاء المسؤولية عنها، فزعم أن نقل البنك المركزي كان لإنقاذ أموال الشعب من نهب ما سماها ميليشيات الحوثي، بل وتجرأ على اتّهام صنعاء بأنها تمنع صرف رواتب الموظفين، وهذه الادِّعاءات لا تستند إلى أية حجّـة صادقة أَو برهان، فالحقيقة هي أن نقل البنك المركزي كان جزءاً من مخطّط تحالف العدوان لإفقار الاقتصاد اليمني، وإشعال الفوضى في البلاد، فتحالف العدوان لم يصرف حتى رواتب الموظفين في المحافظات التي يحتلها، بل استولى على مداخيلها، وأغرقها في بحر لا شطآن له من المصائب والأحزان، أما صنعاء فقد كانت حريصة على صرف رواتب الموظفين رغم ضنك الموارد، وأطلقت حملات لجمع التبرعات، ودافعت عن حق الموظفين في استلام مستحقاتهم، وكان صوت الوفد الوطني في كُـلّ جولات المفاوضات عالياً فيما يخص الراتب وضمن شروطًا الأَسَاسية.
للأسف، تلك الادِّعاءات الزائفة والمغرضة والتي حاول أصحابها أن يثيروا من خلالها الريبة في قلوب المواطنين، وأن يطمسوا الحقائق الساطعة بالأكاذيب القاتمة، وجدت من يتلقفها ويروجها من المتآمرين والسذج، الذين أغلقوا عيونهم عن الواقع الملموس، فقد غاب عن ذهنهم أَو تجاهلوه أن صنعاء كانت تحمل في ظهرها مسؤولية صرف رواتب الموظفين بانضباط وانتظام قبل أن يتم نقل البنك المركزي بشكل غير شرعي، وأنها كانت تصرف الرواتب في جميع المحافظات دون استثناء، كما غاب عن ذهنهم أَو تجاهلوه أن صنعاء لا تطالب بالصدقة من جيب أحد، بل تطالب بإعادة حقوق الشعب التي سُلِبت وسُرِقت، وإلزام تحالف العدوان بإعادة عائدات الثروات الطبيعية لصالح المرتبات.
ومن خلال مرآة الحقيقة يتجلى للناظر أن تحالف العدوان عبر أدواته في الداخل لا يزال مصراً على موقفه المتعنت، ولا يرغب في إطفاء نار هذه الكارثة الإنسانية التي تسبب بها، ولم يشف عطشه من دماء هذه الموظف المنكوب الذي أضرم فيه حرائق المأساة والمعاناة، بل يسعى إلى تأجيجها ليحقّق طموحاته السوداء ومخطّطاته الشيطانية السياسية والعسكرية، فقد ألقى بشروط مستحيلة ومجحفة، مثل تسليم صنعاء لإيرادات المحافظات الحرة، مقابل التزامه بصرف المرتبات، وهذه الشروط لا تقبلها العقول ولا تحتملها الأنفس، فهي تمثل اغتصاباً لسيادة الدولة وإهانة لكرامة الشعب.
إن معركة استرداد المرتبات معركة حق وعدل، تمثل نفساً مشروعاً للموظفين وأهلهم، وتمثل أَيْـضاً عَصَباً مهماً لتحسين الأحوال الاقتصادية والمعيشية في الوطن، ولذلك، فَـــإنَّ صنعاءَ لم تسكت عن رفع هذه المطالبِ في كُـلّ المحادثات والمفاوضات السياسية، وأولتها قمة الأولويات، كما لن تقبل صنعاء بالسلام دون انتزاع هذا الحق، وقد شهدنا الضربات العسكرية التي استهدفت منابع نفطية وغازية ومنشآت حيوية في السعوديّة والإمارات، والتي كانت تهدف إلى فرض ضغط على تحالف العدوان لقبول مطالب صنعاء المشروعة ومنها إطلاق المرتبات.
وهنا فَـــإنَّ من الواجب على كُـلّ يمني غيور أن ينهض في سبيل هذا الحق بكل ما أوتي من قوة، وأن يتحد مع هذا النضال، ويستنكر الظلم والطغيان الذي يفرضه تحالف العدوان على شعبه وأرضه، فلا يجوز أن يصمت على هذه المؤامرة، أَو يبرئ من يحركها، ويتهم من يقاتل؛ مِن أجلِها، فالسكوت عن جور العدوان تواطؤ معه، وبراءة المجرم خذلان للضحية.