اليمنُ تجسِّــدُ “وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ”
أحمد عبدالله المؤيد
مع قدوم ذكرى المولد النبوي الشريف، يحتفل أحرار الشعب اليمني بمولد النور، منبع الكرامة، أصل الأخلاق -محمد صلوات الله عليه وعلى آله- سيماهم في وجوههم من أثر الفرحة والابتهاج.
في اليمن تجسد قوله تعالى: “وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ”، على صوامع المساجد وأسطح المنازل، وفي الشوارع والأحياء، “وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ”، على قمم الجبال، وَعلى هامات الرجال، وفي جبهات القتال، تسمع هتافاتهم “لبيك يا رسول الله”؛ لأَنَّه سر صمودهم، وأَسَاس انتصاراتهم وهو معلمهم وقدوتهم في الصبر والثبات.
لم يكن التعظيم للرسول الأعظم -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- بدعةً أَو أمراً مستغرباً، أَو فعلاً طارئاً، في تاريخ الشعب اليمني، الذي طالما برهن باحتفاله بالمولد النبوي الشريف، على مدى الحب العميق، والارتباط الوثيق، والعلاقة التاريخية المتوارثة، جيلاً بعد جيل، منذ زمن الأوس والخزرج، ليبقى هذا الحب والتعظيم والتوقير موروثاً شعبيًّا وإرثاً تاريخاً، في قلوب أجيالنا، إلى قيام الساعة.
إن العلاقةَ الوديةَ بين الرسولِ الأعظمِ -صلوات الله عليه وعلى آله- واليمنيين، علاقةٌ خالدةٌ ومتجدِّدةٌ، بلغوا بها أعلى المراتب، وأرفعَ المقامات، التي لم تكن لسواهم، وليس لها مثيل في التاريخ، وفي قوله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- “الإيمان يمان والحكمة يمانية”، دليل على عظمة النفوس اليمانية، التي استقت الزكاء، من منهل رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، ومع زكاء النفوس، اكتسبت وتوارثت الحكمة.
إن زكاء النفوس اليمانية، جعلها تواقة إلى الحرية والعدالة والإباء، وإلى المبادئ السامية والفاضلة، وحين حمل اليمانيون في غرائزهم السخاء، والرحمة والمحبة والكرامة، وجدوا أن محمدًا بن عبدالله -صلوات الله عليه وعلى آله- هو أعظم من أتى بها، وهو خير وأفضل من جسدها واقعاً وعملاً، ولهذا أحبوه عظموه ووقروه ونصروه، وازدادوا يقيناً بأنه رحمة ونعمة من الله للعالمين.
إن الحكوماتِ وَالشعوب وَالمجتمعات التي لا تتوقُ للحرية وللعدالة، وللخروج من هيمنة الطاغوت الأمريكي، ولا تقدِّسُ المبادئَ الساميةَ، وليس للقيم الإنسانية مكانة في واقعهم، ولا ينظرون إليها بعظمة وإجلال، فَـــإنَّهم لن يعترفوا بعظمة رسول الله، ولن يعظُموا رسول الله في أنفسهم ولا في واقعهم، بل سيقول: “إن تعظيمَه بدعة”، ولن يكون لمحمد -صلوات الله عليه وعلى آله- أية قيمة في قلوبهم، ولن يرتفع منهم ذكراً لمحمد -صلوات الله عليه وعلى آله-.
إن من يريد أن يعرف عظمة محمد بن عبدالله -صلوات الله عليه وعلى آله- يجب عليه أولاً، أن يعرف قيمة ما أتى به من الهدي، وعظمة ما دعا إليه، من مبادئ وقيم وأخلاق عظيمة، ليعرف بعدها عظمة الرسول وفضله وقيمته، وحقيقة قوله تعالى: “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ”، معبراً عن كمال وجلال وبهاء نبيه الكريم صاحب الخلق العظيم، الذي يجدد معه اليمنيون العهد والوفاء بإحياء ذكرى ميلاده الشريف، في الثاني عشر من ربيع الأول من كُـلّ عام، غير عابئين بكلام المخالفين، وإرجاف المنافقين، ومهما كانت التضحيات التي لا يتوقفون عن دفعها في كُـلّ زمان ومكان، في سبيل الحفاظ على حبهم وإجلالهم وانتمائهم الروحي والإيماني لرسولهم الأعظم، محمد -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-.