للصبر حدودٌ وعاجلًا أَو آجلًا سوف يدفع العدوُّ الثمنَ
محمود المغربي
لقد أصبحنا جميعاً -كِبارًا وصِغارًا، رِجالًا ونِساءً- في كُـلِّ قريةٍ ومحافظةٍ يمنية ندركُ ونفهَمُ الأهدافَ القذرةَ والخبيثةَ لتحالف العدوان من العدوان على بلادنا، ونؤمن جميعاً أن استمرار العدوان وبقاء التواجد الأجنبي في اليمن هو خطر عظيم لا يخدم أحداً إلا مصالح وأهداف أمريكا والأنظمة الخليجية التي تقود هذا العدوان، أما دول وشعوب الخليج فهي خاسرة وسوف تتضاعف خسارتها بعد أن يفقد أبناء اليمن صبرهم وإيمَـانهم بالسلام، خُصُوصاً وأن تلك الأنظمة قد أوغلت في الحقد والكراهية وإهانة كُـلّ أبناء اليمن، حتى أُولئك الأدوات والمرتزِقة الذين جعلوا العدوان على اليمن ممكناً، وهم من أتاح لتحالف العدوان السيطرة واحتلال الأراضي اليمنية وتنفيذ الأهداف القذرة له، وبرّروا كُـلّ الجرائم والمجازر التي ارتكبها بحق أبناء اليمن، وكلّ ما قام به من تدمير وما يقوم به الآن من تمزيق وتقسيم لليمن، ولولا أُولئك المرتزِقة لما فكر النظام السعوديّ مُجَـرّد تفكير في الاعتداء على اليمن ولما صمد أمام الجيش واللجان الشعبيّة لشهور قليلة.
صحيح أن مرتزِقة العدوان وكافة الفصائل الخاضعة لدول العدوان يشعرون اليوم وفي أعماقهم بفداحة وعظمة ما ارتكبوا من خيانة لهذا الوطن، وفداحة وعظمة ما تسببوا به من خسارة للوطن، ولم يعد هناك من يكابر إلا كُـلّ جاهل، إلا أنهم غير قادرين على الاعتراف بذلك أَو التراجع أَو تعويض ما فعلوه فقد باعوا أنفسهم وكرامتهم، وفي أيادي العدوّ عليهم هفوات وزلات وأشياء تبقيهم عبيداً للنظام السعوديّ والإماراتي ما تبقى من حياتهم.
كما أن العدوّ قد استطاع تكبيل أيادي الجيش واللجان الشعبيّة بالهدنة والملف الإنساني والحصار، الذي يصعب مواجهته وتحمل تبعاته الإنسانية، التي سوف تزيد من معاناة الناس المنهكة والمستنزفة بفعل 9 سنوات من الحروب والأزمات، وهذا ما يجعل القيادة السياسية تتحمل وتصبر على كذب ومراوغة العدوّ وتلتزم بضبط النفس.
إن العدوّ يسعى إلى ذلك وسوف يستفيد من هذا الوضع إلى أقصى درجة؛ كونه كان مستعداً لهذا الأمر ويعمل عليه منذ زمن، وقد جعل من الهدنة معركة جديدة وورقة من أوراق العدوان على اليمن، ومع ذلك لم يكن أمام القيادة السياسية من خيار إلا القبول بذلك لأخذ نفس وللتخفيف على الناس وكي يتم الإعداد والاستعداد ورفع مستوى الجهوزية والقدرة العسكرية، وقد تحقّق الكثير مع أن الثمن مرتفع على الأنصار الذين تحملوا ذلك لوحدهم على حساب شعبيتهم والحاضنة الشعبيّة لهم، وكانوا أكثر من تضرر، إلا أن القيادة كانت ولا تزال تراهن على الله وعدالة القضية ووعي الناس.
ومع ذلك للصبر حدود ومن المستحيل أن يستمر الصبر إلى ما لا نهاية، وعاجلًا أَو آجلًا سوف ينفد صبر القيادة وقد يدفعها تمادي العدوّ ونشاطه المفرط في تفتيت وتقسيم اليمن وتجويع أبنائه وتغذية الفوضى والصراعات والانقسامات واستخدام الراتب كورقة للمساومة إلى اللجوء إلى الخيارات الصعبة التي لا مفر منها، صحيح أن تلك الخيارات سوف تزيد من معاناة الناس إلا أننا لن نكون أكثر من يخسر ويتألم من مرحلة كسر العظام، بل العدوّ الذي يعلم ويفهم ذلك ومع ذلك يستمر في الضغط واللعب بالنار بهزلية وطيش سياسي، ولعل ذلك من تدابير الله وحكمته لتأديب من اعتدى على اليمن وسفك دماء أبنائه ونشر الفوضى والموت والإرهاب والجوع؛ حتى يجعله يدفع الثمن، كما أننا جميعاً وعلى الرغم من رغبتنا في السلام وتجنب الصراعات العسكرية إلا أننا وفي أعماق نفوسنا ندرك أن السلام لن يتحقّق إلا بالقوة وبمزيد من التضحيات، خُصُوصاً أننا نواجه عدواً جباناً لا يؤمن إلا بالقوة ويرفض التخلي عن الهيمنة وتقبل فكرة يمن موحد وقوي ومستقل في القرار والسيادة الوطنية، ويرفض فكرة أن يستفيد أبناء اليمن مما يمتلكون من ثروات وموقع استراتيجي مميز ومهم للغاية، كما أننا جميعاً ندرك أن ليس هناك طرف يمني آخر يمتلك القرار والإرادَة ولديه مشروع وطني يمكن الجلوس معه على طاولة المفاوضات والحوار والخروج باتّفاق يكون فيه خير للوطن وهذا الشعب الصابر والصامد، وهذا يجعل السلام العادل والمشرف أمرًا مستحيلًا في مثل هذه المعطيات والظروف، ومن المفاوضات مضيعة للوقت وإطالة للوضع الراهن ووسيلة لتمكين العدوّ وإعطائه المزيد من الفرص والوقت لتنفيذ الأهداف والمشاريع التي يعمل عليها وجاء؛ مِن أجلِها وأنفق مئات المليارات في سبيل ذلك، وهذا يجعلنا أمام خيار واحد ليس هناك سواه حتى نستكمل تحرير كامل الأراضي اليمنية المحتلّة والقضاء على الهيمنة والوصاية الخارجية وهو الحسم العسكري ومواصلة الكفاح المسلح، ولن يتحقّق ذلك إلا بالوقوف خلف القيادة السياسية والعسكرية وبذل المزيد من التضحيات والصمود والصبر والوعي، وإلا فعلى الجميع تقبل الوضع الراهن والتعايش مع ذلك وتحمل فاتورة ذلك والتي سوف تكون باهظة ومذلة نخجل منها وتخجل الأجيال القادمة من الانتساب لمن فرط بالوطن.