وصولُ وفد التفاوض اليمني إلى الرياض.. هزيمةٌ لمشروع العدوان الأمريكي
محمد علي الحريشي
تسارعت الأحداث الدراماتيكية خلال الأيّام القليلة الماضية في المفاوضات اليمنية السعوديّة الذي تتوسط فيها سلطنة عمان، هذا التقدم المتسارع لا شك أنه يوحي بقناعة ورضوخ الراعية الأولى للعدوان على اليمن وهي الولايات المتحدة الأمريكية للسلام بعد فشل كُـلّ مخطّطاتها العدوانية التي مارستها ضد اليمن، خَاصَّة بعد توقيع اتّفاق الهدنة في بداية شهر أبريل عام 2022م، من ضمن أهداف ممارسة الضغوط الأمريكية هو الحصول على تنازلات في ملف التفاوض تحصل من خلالها على الحفاظ على بعض نفوذها ومصالحها وهيمنتها في اليمن، من الملاحظ أن الضغوط الأمريكية تصاعدت وتيرتها عقب إنهاء جولة المفاوضات اليمنية السعوديّة في شهر رمضان الماضي، والتي كادت أن تصل إلى اتّفاق تاريخي يضع حداً للعدوان ويُنهِي حالة الحرب والحصار، وبالتالي رأت أمريكا أن الاتّفاق يخلط أوراقها في المنطقة ويضعف من وضع حليفتها السعوديّة ويعزز قوة وتواجد من تسميهم بالحوثيين في اليمن سياسيًّا وعسكريًّا، لذلك مارست ضغوطًا شديدة ورمت بكل ثقلها السياسي والعسكري، ومن ذلك تحريك قطعها البحرية العسكرية بالقرب من السواحل اليمنية، لعل أهم ورقة ضغط راهنت عليها واشنطن في تغيير موازين القوى في اليمن لصالحها هو دعم وتوحيد صفوف من يسمون بالشرعية، لكن تلك الورقة لاقت الفشل الذريع، بالإضافة إلى ممارسة الضغوط العسكرية المباشرة مارست أمريكا مزيداً من أوراق الضغط السياسي على حليفتها السعوديّة لكبح جماحها واندفاعها نحو السلام، كما مارست تحريك ورقتها الأُخرى وهي الإمارات المتحدة؛ بهَدفِ التدخل السافر في المناطق المحتلّة، خَاصَّةً جزيرة سقطرى، لكن كُـلّ ذلك لم ينتج عنه تأثيرات ولم ينتج عنه ما كانت تخطط له المخابرات الأمريكية لتحويل الصراع والحرب إلى حرب داخلية تجر فيه قوات صنعاء إلى ردات الفعل كما هو معهودٌ عن السياسات الأمريكية، بعد فشل كُـلّ المحاولات الأمريكية واحتراق كُـلّ أوراقها في اليمن وثبات وصلابة الموقف اليمني.
أدركت أن لُعبةَ الوقت ليست في صالحها وأن الأوضاع تتفاقم ضدها، هناك أرسلت إشارات إلى النظام السعوديّ للمضي في استكمال مفاوضات رمضان الماضي، أعطى الموقف الأمريكي المرن في جلسة مجلس الأمن الشهرية عن الأوضاع في اليمن مؤشراً على تغيير السياسة الأمريكية نحو اليمن، الحراك الدبلوماسي الأمريكي في الرياض والمنطقة وزيارة كبار المسؤولين الأمريكيين إلى الرياض خلال الأسابيع القليلة الماضية، كان الهدف منه التوصل إلى حلول بين اليمن والسعوديّة والعودة إلى مسار التفاوض الذي توقف في نهاية شهر رمضان الماضي.
لا ننسى انعكاس عودة العلاقات السعوديّة الإيرانية وتبادل السفراء وتأثير ذلك على تحريك جمود التفاوض، كما ننوّه إلى جهود سلطنة عمان في السير بعملية السلام نحو الأمام، بقيت هناك مسائل خلافية فنية عالقة في ملفات التفاوض خَاصَّة ملف المرتبات، لكن زيارة ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان لعاصمة سلطنة عمان مسقط خلال الأيّام القليلة الماضية وعقده لقاءات سياسية رفيعة بما فيها لقاء مع رئيس وأعضاء الوفد المفاوض اليمني، كُـلُّ تلك التحَرّكات أعطت مؤشراتٍ عن حسم نقاط الخلاف والمسائل الفنية العالقة، زيارة الوفد العماني ومعه الوفد المفاوض اليمني إلى صنعاء عقب اللقاءات التي تمت خلال الأيّام القليلة الماضية في مسقط، ومن ثم ذهاب الوفد اليمني المفاوض إلى الرياض هي تحَرّكات بروتوكولية ولم تكن تحَرّكات مفاوضات ونقاشات جديدة؛ لأَنَّ ملفات التفاوض قد تم حسمها حتى من قبل زيارة ولي العهد السعوديّ إلى سلطنة عمان، ما بعد زيارة ولي العهد السعوديّ إلى مسقط ولقاءه بالوفد اليمني هي بروتوكولات ومراسيم وإجراءات لتوقيع الاتّفاق الذي استكملت المفاوضات فيه بين اليمن والسعوديّة ولم يبقَ غير مراسيم التوقيعات وتنفيذ بنود السلام، أعلن الرئيس مهدي المشاط في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» تعليقاً على ذهاب وفد التفاوض اليمني إلى الرياض، أن اليمن ينشد السلام، هذا التصريح يحمل دلالات سياسية عميقة ويوحي بتوصل اليمن والسعوديّة إلى اتّفاق سلام، كُـلّ المبرّرات الواهية.
الشحنُ الأمريكي والغربي والصهيوني والتحريض للنظام السعوديّ لشن العدوان واستمراره على مدى ثماني سنوات كان بدافع الحفاظ على أمن المملكة السعوديّة من التهديد الذي يشكله عليها اليمن وارتباطه بإيران لكن ذلك انتهى بعودة العلاقات مع إيران، هذا جانب، تبقى الحسابات الأمريكية والتخوفات مرتبطة بأمن الكيان الصهيوني لكن في ظل تنامي القوات العسكرية اليمنية وتطور السلاح الاستراتيجي النوعي أصبحت تلك التخوفات تحديات واقعية لا مفر منها ولم تعد مبرّراً للزج بالسعوديّة والإمارات في حرب عبثية، الهدف الحقيقي منها ليس تثبيت أمن الخليج بقدر مَـا هو تثبيت لأمن الكيان الصهيوني المحتلّ والذي هو الآخر يواجه تحديات وجودية؛ بفعل تنامي حركة المقاومة الثورية الفلسطينية في مدن الضفة الغربية وتعافي الدولة السورية وتعاظم قوات المقاومة الإسلامية في لبنان بقيادة حزب الله، كلّ ذلك ولد الرضوخ الأمريكي نحو الاستسلام وليس السلام وما يجري اليوم في الرياض هو مراسيم إعلان النصر اليماني المؤزر وهزيمة المشروع الأمريكي الصهيوني، وسوف يكون لذلك النتائج التي تترك بصمات تغير الخارطة السياسية في المنطقة لصالح اليمن ومحور المقاومة خلال السنوات القادمة.
لا شك أن النصر اليماني سوف يترك آثاراً سياسية على المنطقة ومنها قضية العرب والمسلمين الأولى قضية فلسطين التي سوف تشهد تطوراتٍ مقلقةً للكيان المحتلّ تعجِّل بزواله كما بشر بذلك قائد الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخامنئي في إحدى لقاءاته في طهران قبل عدة أسابيع.