استئنافُ العملية التفاوضية: الوفدُ الوطني يتوجّـهُ إلى السعوديّة مع الوسطاء بأولويات ثابتة
المسيرة | خاص:
بدأت، الخميس، مجرياتُ الجولة التفاوضية الجديدة، والتي تُستأنفُ فيها العمليةُ التشاوريةُ المباشرةُ بين صنعاءَ والرياض من حَيثُ توقفت بعد جولة شهر رمضان الفائت، حَيثُ عاد الوفدُ الوطني برفقة وفد الوسطاء العُمانيين إلى صنعاء للقاء القيادة الوطنية، التي وافقت على توجُّـه الوفدَين إلى العاصمة السعوديّة؛ لاستكمال النقاشات، وفقاً للمحدّدات الثابتة للموقف الوطني، وأبرزها: إعطاء الأولوية للملف الإنساني، على أن هذه الجولة تختلف عن سابقاتها من حَيثُ طبيعتها الحاسمة التي لا مجال فيها لترحيل الحلول ومحاولات كسب المزيد من الوقت؛ وهو ما يجب أن ينتبه إليه النظام السعوديّ الذي لا يزال يصر على التضليل، من خلال تقديم نفسه إعلامياً، كراعٍ للحل بين اليمنيين.
الرئيسُ يؤكّـدُ استمرارَ دعم جهود الوسطاء:
استئنافُ العملية التفاوضية جاء بعد أسابيعَ من إعلان صنعاء عن الترتيب لجولة مشاورات جديدة “حاسمة” تمثل فرصة أخيرة للعدو؛ حرصاً على إنجاح جهود الوسطاء، وقد بدأت الجولة الجديدة رسميًّا بزيارة قصيرة للوفد الوطني المفاوض ووفد الوسطاء العمانيين إلى العاصمة صنعاء، تم خلالها اللقاء برئيس الجمهورية مهدي المشاط، الذي ثمَّن جهودَ الوساطة العمانية، وجدَّد التأكّيد على أن “السلام كان وما يزال الخيارَ الأولَ الذي يجب أن يعملَ عليه الجميع”.
وأكّـد الرئيسُ استمرارَ تجاوُبِ صنعاء مع جهود الوساطة العمانية، من خلال الموافقة على توجّـه الوفد الوطني برفقة الوفد الوسيط إلى العاصمة السعوديّة الرياض؛ “لاستكمال مسار المشاورات التي جرت خلال الفترة الماضية في صنعاء ومسقط، وكانت آخر جولاتها في شهر رمضان المبارك”، في إشارة إلى زيارة الوفد السعوديّ والوسطاء إلى صنعاء.
وتوضح هذه التصريحاتُ ثباتَ الموقف الوطني التفاوضي، وثباتَ أولوياته الرئيسية ومحدّداته المعلنة منذ البداية، والمتمثلة بضرورة معالجة المِلف الإنساني بشكل كامل للتقدم نحو عملية سلام شاملة تضمن سيادة البلد ووحدته واستقلاله؛ وهو ما يعني عدم البدء من نقطة الصفر، أَو تغيير الملفات؛ الأمر الذي يجعل كرة الجولة التفاوضية الجديدة في ملعب دول العدوان بشكل أَسَاسي؛ لأَنَّها المعنية بإنجاح مسار التفاوض؛ كونها الطرفَ المعرقِلَ له.
هذا أَيْـضاً ما أكّـدته مصادرُ دبلوماسية أفادت للمسيرة بأن المشاوراتِ التي سيجريها الوفدُ الوطني والوسطاء العمانيين في السعوديّة، ستركِّزُ بشكل أَسَاسي على معالجة جوانب المِلف الإنساني.
عبدُ السلام: معالجةُ المِلف الإنساني مهمةٌ أَسَاسية:
رئيسُ الوفد الوطني المفاوض، ناطق أنصار الله محمد عبد السلام، أكّـد أَيْـضاً ثبات أولويات ومحدّدات موقف صنعاء، حَيثُ صرح بأن “جولة التفاوض الحالية تأتي في إطار النقاشات التي دارت مع الوفد السعوديّ في لقاءات عديدة في مسقط ولقاءات متكرّرة في صنعاء”، مُشيراً إلى أن “هذه الجولة تأتي في ذات المسار الذي تم التحَرّك فيه سابقًا بدعم مشكور ومقدر من الأشقاء في سلطنة عمان”.
وَأَضَـافَ عبد السلام أن المِلفات التي سيتم العمل عليها خلال الجولة الجديدة تتضمن: “الملف الإنساني المتمثل في صرف مرتبات جميع الموظفين وفتح المطار والموانئ والإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين”، وَأَيْـضاً “ملف خروج القوات الأجنبية وإعادة إعمار اليمن، وُصُـولاً إلى الحل السياسي الشامل”.
لكنه أكّـد أن “النقاشات في الملف الإنساني تمثل مهمة أَسَاسية للوفد الوطني في التفاوض مع الطرف السعوديّ ودول العدوان والمجتمع الدولي”؛ وهو ما يعني أن الأولوية ستبقى لتخفيف المعاناة المعيشية والإنسانية.
وفي هذا السياق أَيْـضاً، أوضح عبد السلام، أن الطرف الوطني “يعمل للحصول على الحقوق العادلة للشعب والوصول لحلول تنهي الوضع الراهن الذي لا يمثل أي استقرار ولا يعالج المتطلبات الإنسانية لليمنيين”.
السعوديّةُ تتمسَّكُ بكذبةِ “الوساطة بين اليمنيين”:
على الجِهة الأُخرى، وبرغم ما يمثّله استئنافُ العملية التفاوضية من فرصة؛ لإنهاء حالة المراوغة ووضع حَــدٍّ للتعاطي السلبي مع حقوق ومطالب الشعب اليمني، فَــإنَّ تفاعُلَ النظام السعوديّ مع الجولة الجديدة لم يبدِ عليه أيَّ تغيير إيجابي على مستوى الخطاب الرسمي؛ إذ زعمت وزارة الخارجية السعوديّة أن زيارة الوفد الوطني إلى الرياض جاء بناءً على “دعوة” وجَّهتها المملكة “لاستكمال مناقشة المبادرة السعوديّة المعلنة في مارس 2021″، (والتي لم تكن مبادرة سلام أصلاً، بل كانت اقتراحاً مراوغاً يركز فقط على ضرورة إجراء مفاوضات بين الأطراف اليمنية).
وقد زعمت الخارجيةُ السعوديّة أَيْـضاً أن هذه الزيارةَ تأتي “ضمن جهود السعوديّة وسلطنة عمان للتوصل إلى لحل سياسي مقبول من كافة الأطراف اليمنية”.
البيانُ حاول -كما هو واضح- تقديمَ السعوديّة في دور الوسيط والراعي للحل إلى جانب سلطنة عُمان، وتصوير المشكلة وكأنه مشكلة صراع داخلي بين اليمنيين، وهي مغالطة كان السفير السعوديّ محمد آل جابر، قد حاول بوقاحة ترويجَها في تصريحاته أثناء جولة المفاوضات التي احتضنتها صنعاء في رمضان الفائت، وهي التصريحات التي اعتبرها مراقبون حينها مؤشراً سلبياً، سرعانَ ما صدق عليه التعنت السعوديّ الذي أَدَّى إلى إيقاف العملية التفاوضية.
والحقيقة أن موضوعَ اعتبار السعوديّة “وسيطاً” قد شكّل عائقاً رئيسياً في مسار المفاوضات طيلة الفترة الماضية، وقد ردَّت عليه القيادة الثورية والسياسية في عدة مناسبات بتأكيدات صريحة وحاسمة على أن الرياض هي المسؤول الأول عن العدوان وأن محاولاتها للتهرب من التزامات السلام من خلال ادِّعاء “الوساطة” لن تنجح، ولن تُجنِّبَها تداعياتِ فشل المفاوضات.
وبرغم أن بعضَ المراقبين فسّروا بيانَ الخارجية السعوديّة بأنه محاولةٌ إعلاميةٌ لتجنب الاعتراف بحقيقة انتصار صنعاء، فَــإنَّ البيانَ يبقى بمثابة علامة استفهام ومؤشر عدم جدية لا يمكن تجاهله ببساطة نظراً لكل التجارب السابقة.
الحوثي: نفاوِضُ السعوديَّ كقائدٍ لتحالف العدوان:
ورَدًّا على بيان الخارجية السعوديّة، جدّد عضوُ المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، التأكيدَ على أن “الحوار لا يمكن أن يكون إلا مع تحالف العدوان؛ باعتبار قرار إنهاء الحرب والحصار بيده”.
وَأَضَـافَ الحوثي في تغريدة أن “التفاوض مع السعوديّة يستمر؛ باعتبارها قائدة لتحالف العدوان وبوساطة عمانية”، في إشارة واضحة إلى عدم وجود أي مجال لتقديم النظام السعوديّ كوسيط بين اليمنيين.
وعبّر الحوثي عن أمله بأن “يتم النقاش الجدي لما فيه مصلحة الجميع وتجاوز التحديات”.
وتدفعُ الولاياتُ المتحدة الأمريكية نحوَ تجنيب النظام السعوديّ التزاماتِ الحل من خلال ربط استحقاقات الشعب اليمني ومطالبه بشرط إجراء مفاوضات بين صنعاء والمرتزِقة؛ وهو ما يجعل بيان الخارجية السعوديّة مؤشراً على استمرار التزام الرياض بالموقف الأمريكي، الذي يعتبر صرف المرتبات ورفع الحصار “مطالِبَ مستحيلةً وغيرَ واقعية”.
وبالتالي فَــإنَّ السعوديّةَ لا تزالُ مطالَبةً بإثبات توقُّفِها عن تنفيذ الرغبات الأمريكية، التي حذَّر قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في وقت سابق من أن عواقبَها ستكونُ وخيمةً على الرياض.