14 سبتمبر بين ضربة “بقيق” وزيارة الوفد الوطني: صنعاء تفرض معادلات الحرب والسلام
المسيرة | خاص
مثّلت زيارةُ الوفد الوطني مع وفدِ الوساطة العُمانية إلى الرياض؛ لاستكمال مناقشات العملية التفاوضية المباشرة بين صنعاء والرياض، دليلًا جديدًا على حتمية انتصار الشعب اليمني في معركة التحرّر والاستقلال، وأبرزت بشكل واضح نجاح القيادة الوطنية في تثبيت معادلات الحرب والسلام وإسقاط كافة آمال وأطماع دول العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي، خُصُوصاً وأن الزيارة جاءت في ذكرى واحدةٍ من أكبر العمليات العسكرية التي نفذتها القواتُ المسلحة اليمنية في العمق السعوديّ، وهي عملية توازن الردع الثانية؛ الأمر الذي رسم صورة واضحة عن حقيقة تمكّن صنعاء من إنزال العدوّ السعوديّ عن شجرة التعنت ودفعه نحو طاولة التفاوض بندية، بعد أن كان يطمعُ ويحلُمُ بكسر إرادَة اليمنيين وحسم المعركة في وقت قصير.
بينَ “توازن الردع” وندية التفاوض:
توقيتُ زيارة الوفد الوطني مع وفد الوساطة العمانية إلى الرياض، دفع الكثير من المراقبين إلى الربط بين مجريات الوضع اليوم، وما كان عليه من قبل، فقبل أربع سنوات بالضبط من يوم الزيارة وفي تاريخ 14 سبتمبر، تعرضت مصافي بقيق وخريص النفطية السعوديّة لضربة عسكرية كبرى، تسببت في إيقاف نصف إنتاج المملكة من النفط؛ رداً على جرائم النظام السعوديّ بحق الشعب اليمني، وقد وصف مسؤولون سعوديّون تلك الضربة بأنها “الرعب الأكبر” في تاريخ المملكة؛ وهو ما أكّـد أن صنعاء والقيادة الوطنية قد استطاعت خلال السنوات الأربع الفاصلة بين يوم الضربة ويوم الزيارة، فرض معادلاتها على الأرض بالقوة وبالصمود، وأوصلت النظام السعوديّ إلى قناعة بضرورة التفاوض مع صنعاء بشكل ندي والتخلي عن الأوهام التي كان يحملها، بما في ذلك وهم كسر إرادَة اليمنيين وإخضاعهم.
هذه المقارنة تؤكّـد بوضوح وصول صنعاء إلى نقطة متقدمة جِـدًّا في مسار الانتصار على العدوان وفرض معادلات الحرب والسلام؛ فبعد تنفيذ عملية توازن الردع الثانية قبل أربع سنوات، رفض العدوّ السعوديّ حتى أن يعترف بأن الضربة العسكرية يمنية، ولجأ إلى تبني رواية وزير الخارجية الأمريكية حينذاك، المثيرة للسخرية، بأن الصواريخ والطائرات المسيّرة انطلقت من إيران والتفت في أجواء المنطقة لتصل إلى السعوديّة، وهي رواية كان الغرض منها عدم الاعتراف بقوة صنعاء وبمعادلاتها المفروضة على الواقع بالقوة وباستقلال قرارها العسكري والسياسي.
زيارة الوفد الوطني إلى الرياض للتفاوض المباشر بوساطة عمانية، تؤكّـد بوضوح أن ذلك السقف العالي من الأوهام والتعنت قد سقط وانهار على رأس النظام السعوديّ، الذي ظل طيلة السنوات الماضية يبحث عن ضغوط خارجية للتأثير على خيارات وقرارات صنعاء، لكنه وجد نفسَه في النهاية أمام ضرورة الإقرار باستقلال قرار صنعاء والتعامل معها بشكل مباشر لتجنب التعرض للمزيد من “الرعب”.
ويبرُزُ نجاحُ صنعاء في فرض معادلات السلام والحرب أَيْـضاً من خلال المقارنة بين تفاصيل مواقف العدوّ التفاوضية السابقة والحالية، فقبل سنوات كان سقفُ تعنت النظام السعوديّ مرتفِعاً إلى حَــدِّ المطالبة بنزع سلاح صنعاء، فيما يقف اليوم أمام ضرورة إعادة حقوق اليمنيين ورفع الحصار الإجرامي عنهم فقط لتجنب مخاطر عودة التصعيد، الأمر الذي يؤكّـد بوضوح أنه فشل تماماً في فرض تصوراته على صنعاء، برغم كُـلّ الضغوط والواجهات الدولية التي استعان بها.
محاولاتٌ للهروب من معادلات الواقع الجديد:
وليس من قبيل المصادفة أن يركِّزَ العدوُّ السعوديّ ورُعاتُه في هذه المرحلة على محاولةِ تقديمِ أنفسهم كوسطاء؛ إذ تحمل هذه المحاولة عدة أهداف منها التغطية على حقيقة نجاح صنعاء في فرض معادلات الحرب والسلام، وتمكّنها من إجبارهم على التعامل معها بندية.
وبقدر ما تكشفه هذه المحاولة البائسة من رغبة في الهروب من معادلات الواقع الذي فرضته صنعاء، فَــإنَّها تكشف إفلاساً في خيارات دول العدوان ورعاتها؛ إذ يبدو بوضوح أنهم لم يعودوا يجدون أمامهم سوى التضليل الإعلامي كمخرج من المأزق الذي يواجهونه، لكنه في الحقيقة لا يمثل أي مخرج؛ لأَنَّ الموقف الوطني الثابت في المفاوضات يضع دول العدوان أمام خيارات واضحة ومحدّدة، لا تحتمل أية عناوينَ مضلِّلة، ولا تسمح بأية التفافات حتى ولو على مستوى العناوين: فإما سلامٌ تتحملُ فيه السعوديّةُ التزاماتِ معالجة المِلفات؛ باعتبارها قائدةً لتحالف العدوان، أَو جولةُ تصعيد جديدة تواجهُ فيها ضرباتٍ مباشرةً وفقًا للاعتبار نفسه.