ثورة 21 سبتمبر حوّلت المسارَ من الاستهلاك إلى الإنتاج: النهوضُ بالقطاع الزراعي في اليمن.. أولويةٌ استراتيجيةٌ للقيادة الثورية والسياسية
المسيرة – محمد الكامل
تعرَّضَ القطاعُ الزراعي في الجمهورية اليمنية منذ سبعينيات القرن الماضي لتدمير ممنهج واستهداف، شاركت فيها الأدواتُ المحلية والخارجية، والتي جعلت من اليمن بلداً مستهلِكاً يعتمدُ على استيراد حاجياته من الحبوب والسلع الغذائية من الخارج.
لا شيء كان سيتغيّر لو لم يخرج الشعب اليمني بثورة، والانتصار في 21 سبتمبر 2014 على القوى النافذة في الداخل، وقطع يد الخارج التي كانت تتدخل في كُـلّ صغيرة وكبيرة في الشأن اليمني.
وبكل تأكيد، فَــإنَّ المسارَ تغير بعد انتصار الثورة، ولأول مرة يتم التركيز بشكل مكثّـف على القطاع الزراعي والنهوض به، وحث الشعب اليمني على الزراعة، وُصُـولاً إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، والعودة باليمن إلى سابق عهده في الماضي، حَيثُ كان جنة خضراء، وكان اليمنيون يأكلون مما يزرعون.
وخلال اللقاء الموسع مع قيادة السلطة المحلية ووجهاء محافظة صنعاء مؤخّراً، كان لافتاً حديثُ رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي محمد المشاط، عن الأولويات، والتركيز بشكل كبير خلال هذه المرحلة المفصلية عبر التوجّـه نحو الزراعة وخلق منظومة إنتاج محلي متزامن مع سياسات زراعية مختلفة تمكّننا من إحلال المنتج المحلي مكان المنتج المستورد، خَاصَّة في ظل التحديات والصعوبات التي فرضها العدوان الأمريكي السعوديّ الغاشم علينا طيلة ثماني سنوات مضت.
وفي هذا السياق، يرى عددٌ من الخبراء والمتخصصين الزراعيين والاقتصاديين، أن القيادة السياسية والثورية أولت كُـلَّ الاهتمام بالقطاع الزراعي؛ وذلك لمعرفتهم الحقيقية لأهميّة النهوض بهذا القطاع، ومعرفة حجم ما يتعرض له القطاع الزراعي في اليمن من استهداف ممنهج، وبالتالي العمل على إعادة النظر لتقديم المزيد من التسهيلات والضمانات والحوافز والإعفاءات اللازمة للمستثمر المحلي؛ كون رأس المال الوطني هو المحرك الأَسَاسي للتنمية.
ويقول وكيل وزارة الزراعة لقطاع الإنتاج سمير الحناني: “إن القطاع الزراعي هو العمود الفقري لأي اقتصاد فلا يمكن أن تنهض الدول إلا بالنهضة في القطاع الزراعي والاهتمام بالإنتاج المحلي والوطني”، مؤكّـداً أن “توجيهات الرئيس المشير الركن مهدي المشاط، ومن قبله القيادة الثورية للسيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- في أكثر من خطاب ومحاضرة وكلمة، في أية مناسبة طالما شدّدت على هذا الأمر الكبير والهام”.
ويوضح في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”، أن “أكثر من70 % من السكان في بلادنا يعملون في القطاع الزراعي، وبالتالي فَــإنَّ أية نهضة في هذا القطاع هي نهضة لأكثر من 20 مليون يمني”، مُشيراً إلى أن “هذا القطاع قد تعرض للاستهداف الممنهج من العام 1979م، وحتى يومنا هذا في كافة مفاصله التنموية من بنية معلوماتية، وبنية تحتية، وبنية تنظيمية، وتشريعية”، موضحًا أن “من أهم الآثار السلبية والاستهداف الممنهج التي حصلت للقطاع الزراعي هي تحويل المجتمع اليمني من مجتمع منتج إلى مجتمع مستهلك ومستورد للسلع الغذائية”.
ويضيف الحناني: “وبالتالي يحتاج هذا القطاع إلى دفعة وطاقة تنموية متكاملة من تضافر وتنسيق وتوحيد كُـلّ الجهود الحكومية والمجتمعية والقطاع الخاص وخلق شراكة حقيقية بين الثلاث جهات”، لافتاً إلى أن “فاتورة الاستيراد تقارب 5 مليارات دولار موزعة على 1440 سلعة”، مؤكّـداً أن هذا المبلغ يحتاج إلى بذل كُـلّ الجهود الممكنة لكافة الجهات والمكونات لخلق منظومة إنتاج محلي متزامن مع سياسات زراعية مختلفة تمكّننا من إحلال المنتج المحلي محلَّ المنتج المستورد وسياسة حماية وتشجيع للمنتج المحلي من خلال إيجاد بيئة استثمارية للقطاع الخاص والمجتمعي والحكومي.
الزراعة أَسَاس التنمية:
من جانبهِ، يقول الصحفي المختص في الجانب الاقتصادي رشيد الحداد: “إن الأولويات الثلاث واضحة، والأُخرى هي إصلاحات مؤسّسات الدولة من الداخل كونها تعاني من إرث تاريخي، وتعاني من هياكل تنظيمية وإدارية متقدمة تتسبب في بطء تقديم الخدمات وروتين ممل، وإن الأمر يحتاج إلى معالجات داخلية في إطار المؤسّسات العامة للدولة، وهذا سيحدث بتغيير حقيقي سيؤدي إلى رفع معدلات الأداء”.
ويؤكّـد في تصريح خَاص لصحيفة “المسيرة”، أن بيئة الاستثمار تحتاج لتهيئة وإعادة نظر لتقديم المزيد من التسهيلات والضمانات والحوافز والإعفاءات اللازمة للمستثمر المحلي؛ كون رأس المال الوطني هو المحرك الأَسَاسي للتنمية، لافتاً إلى أن هذا الأولوية ستسهم في استقطاب المزيد من رؤوس الأموال الوطنية، يضاف إلى أن هذه الأولوية سترفع معدلات الإنتاج المحلي من مختلف الصناعات.
ويوضح أن الجانب الزراعي هو أَسَاس التنمية لارتباطه بالأمن الغذائي القومي وهذه الأولوية تنال اهتمامات القيادة الثورية والسياسية منذ سنوات، لافتاً إلى أن تحقيقها له دور في تحقيق الاستقلال الكامل للوطن والتحرّر من الوصاية الاقتصادية
بدوره يؤكّـد مدير الإدارة العامة للتجارة الخارجية والتسويق بوزارة الزراعة منير المحبشي، أن جميع الاقتصاديات القائمة والمتربعة على عرش الاقتصاد العالمي كانت دائماً ولا تزال تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع، وخير مثال على ذلك اليابان والتي تولي النهضة الزراعية جل اهتمامها.
ويقول المحبشي في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: “إننا في الوقت الحاضر ملزمين بالتوجّـه نحو الإنتاج وذلك وفقاً للموجهات الثورية والسياسية ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي، ورئيس الجمهورية المشير الركن مهدي المشاط”، مُشيراً إلى أن “اليمن يمتلك كافة المقومات من عمالة ماهرة وخبرات ممتدة على مدار السنين، بل على امتداد الحضارات، وأن الله ذكر اليمن بقوله تعالى: ((بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ))، كما أن اليمن يتمتع بميزة نسبية عن غيره من الدول والمتمثلة في تعدد المناخ، وبالتالي يمكن أن ننتج السلعة أَو الصنف على مدار العام”.
ويواصل المحبشي حديثه: “ومن الأَسَاسيات أن يكون هناك إدارة للإنتاج وربط الإنتاج بالتسويق، فالقاعدة الأَسَاسية المعمول بها اقتصاديًّا هي (إنتاج ما يمكن تسويقه)”.
ويزيد بالقول: “إذاً يجبُ أن نحدّدَ ما هي أولوياتنا، حول ماذا نزرع؟ ومتى نزرع؟ ولمن نزرع؟ وذلك حتى نصل لمرحلة ما تسمى أَو تعرف بالزراعة الموجهة، أي ننتج بحسب الاحتياج وبما يعمل على خلق استقرار في العرض والطلب”.
ويستشهد في كلامه بقول الشهيد القائد السيد حسين بن بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه-: “حاجتنا للغذاء أشد من حاجة المصلي للماء والذي يمكن أن يستخدمَ بدلاً عنه التراب”.
ويشير إلى “ضرورة أن يواكب ذلك إرشاد قوي وكذلك بنى تحتية كافية من مخازن وثلاجات تبريد ومعامل ومصانع تحويل غذائي لامتصاص الفائض وكذلك التوجّـه نحو التصدير لتوفير العُملة الصعبة”.
ويوضح أن “من أهم العوامل التي تعمل على تحقيق النهضة الزراعية والاكتفاء الذاتي من خلال إيجاد تعاونيات وجمعيات متخصصة؛ فغالب اقتصاد الدول بيد تعاونيات، ونحن في وزارة الزراعة والري قد بدأنا في ذلك وحقّقنا خطوات ملموسة وإيجابية في هذا الجانب”.