21 سبتمبر ثورةُ الربيع المحمدي
منير الشامي
حينما نتحدث عن ثورة ٢١ سبتمبر المباركة تجبرنا حقائق هذه الثورة أن نتحدث عن تلك الحقائق بواقعها الفعلي بالضبط، وكما هي عليه بعيدًا عن الوصف اللغوي وعبارات الإنشاء، وعن أساليب المبالغة والإطراء، وكانت هذه الثورة المباركة قد وضعت شروطًا أَسَاسية لكل من أراد أن يتحدث عنها وفرضتها عليه، فلا يستطيع الخروج عنها سواءٌ أكان مؤيداً لها أم معارضاً لمسارها، حاملاً لشعلتها أم معادياً لنهجها.
اليوم ونحن نستعد لإحيَـاء الذكرى التاسعة لهذه الثورة والتي يتزامن حلولها والشعب اليمني يعيش أفراح الربيع المحمدي بكل أطيافه وفئاته، ويجسد ذلك عبر إقامة مختلف الفعاليات والأنشطة والأمسيات والمهرجانات في مختلف المحافظات ومديرياتها وعزلها وقراها، والتي تأتي في طريق الاستعداد لإحيَـاء الفعالية الكبرى لذكرى مولد النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- في ١٢ ربيع أول، نجزم بكل ثقة أن من أهم الأهداف التي حقّقتها ثورة ٢١ سبتمبر المباركة وأعظمها أنها أعادت الشعب اليمني إلى التمسك بهُــوِيَّته الإيمَـانية وأحيت مبادئها في أعماقه وأيقظت دوافعها بقوة في نفسه، فعاد من جديد ليجسد هذه الهُــوِيَّة العظيمة في مواقف صادقة مخلصة تعكس تمسكه بدينه القويم، كتابه العظيم ونبيه الكريم وموروثه الفكري والثقافي السليم، بزخم شعبي مضطرد يتضاعف ويتعاظم يوماً عن يوم وبوعيٍ متنامٍ يزيده حصانة ومناعة ضد أقوى الاستهدافات وأخطر المؤامرات المحاكة من أعداء الأُمَّــة والموجهة عليه منذ عقود زمنية طويلة، وها نحن نراها اليوم قد فشلت تحت أقدام هُــوِيَّته الإيمَـانية ووعيه القرآني وارتباطه القوي بنبيه وعظماء أمته، وفي لحظةٍ يشاهد شعبنا اليمني من حوله من شعوب المنطقة قد نجحت فيها تلك المؤامرات وسقطت في مستنقعها القذر بلا هُــوِيَّة ولا ثقافة، بعد أن تجردت من هُــوِيَّتها واستبدلت ثقافتها الأصيلة بثقافة الانحلال والانحطاط، التي أوردتها موارد التبعية والخضوع لأعدائها من قوى الشر والشيطان، وأوشكت أن تتخلى حتى عن آدميتها وإنسانيتها، وما يجري في السعوديّة والإمارات أكبر شاهد وأوضح دليل، ويكفينا أن نتأمل الأحداث الشعبيّة الجارية في الساحة اليمنية والساحة السعوديّة والإمارات على سبيل المثال، ففي الوقت الذي تحول الشعب اليمني فيه إلى خلايا نحل تجني شهد العشق النبوي وتجول في بهجة أنوار الربيع المحمدي وحدائقه السندسية، نشاهد شعوبًا مجاورة تحولت إلى ذباب يتجمع فوق جيف اللهو والمجون ويسبح في مستنقعات الانحراف والشذوذ، وفوهات الخمر والمخدرات، واستجلاب المغنيين والمغنيات والراقصين والراقصات والماجنين والماجنات ويحيوا أقبح المناسبات وأقذر الحفلات.
أليس هذا هو الواقع المعاش؟ بلى هذا هو الواقع المعاش فعلاً، ولعلنا إذَا رجعنا بالذاكرة إلى الوراء قليلًا وبالتحديد إلى ما قبل ثورة ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م وقارنا واقعنا الذي كنا نعيشه آنذاك بالواقع الذي نعيشُه اليوم سنجدُ الفرقَ الشاسع بين الواقعَين، وسنجد أننا كنا قد أوشكنا أن نتخلى عن هُــوِيَّتنا الإيمَـانية تماماً وعن ثقافتنا وموروثنا الفكري، ولولا ثورة ٢١ سبتمبر لربما كنا قد وصلنا اليوم إلى أبعد مما وصلت إليه بعض المجتمعات المجاورة لمجتمعنا اليمني، لكن هذه الثورة المباركة بمشروعها القرآني وقيادتها المؤمنة كانت طوق النجاة لشعبنا، أنقذته من فوهة لو سقط فيها لما قامت له قائمة بعدها أبداً.
وهذا ما يفرض علينا أن نحمد الله ونشكره على فضله علينا بنعمتي الهداية والقيادة، فبهما نال شعبنا عزته وكرامته، وبهما سينال حريته واستقلاله وسيادته على أرضه، وينعم بخيرها ويجني ثرواتها مهما حاول أعدائه أن يحرموه منها، ويكفينا فخراً أننا في ظل هذه الثورة أصبحنا مثلاً للأُمَّـة وقُدوةً لشعوبها في إعلاء كلمة الله والارتباط برسوله ومواجهة قوى الاستكبار العالمية والانتصار بفضل الله عليها أمام العالم، فبارك الله بثورتنا وقيادتنا وشعبنا وهُــوِيَّتنا، وهنيئاً لشعبٍ أدرك عظمة المولد بعشقه للمولود وارتباطه به ومعرفته بعظمته التي لم ولن يبلغها بشر.