إصرارٌ أمريكي مُستمرٌّ على فرض تصورات وإملاءات عدائية تعيقُ جهودَ الحل
المسيرة | خاص
على الرغمِ من عودةِ “الإيجابيةِ” إلى أجواءِ المفاوضاتِ بينَ صنعاءَ والعدوِّ السعوديِّ، ولو على المستوى “النظريِّ” بحسبِ وَصْفِ رئيسِ الجمهورية، مهدي المشاط، فَــإنَّ مواقفَ الولايات المتحدة الأمريكية لا زالت تعبِّرُ عن إصرار واضح على قطع الطريق أمام الحلول الفعلية، وتحويل العملية التفاوضية إلى غطاءٍ لتمرير رغبات البيت الأبيض في إطالةِ أَمَدِ العدوان والحصار.
خلال الأيّام القليلة الماضية تحدَّثَ المبعوثُ الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، إلى العديدِ من وسائل الإعلام العربية والأجنبية، حول مستجدات المفاوضات، لكن تصريحاته كانت بعيدة عن الإيجابية؛ وهو الأمرُ الذي يطرحُ تساؤلاتٍ حول نوايا واشنطن، خُصُوصاً أن ليندركينغ لعب خلال فترة خفض التصعيد دورًا سلبيًّا رئيسيًّا في عرقلة التفاهمات بين صنعاء والرياض، إلى حَــدِّ أن وصفَه الرئيس المشاط بـ”بومة الشؤم”.
من تلك التصريحاتِ ما جاء في حديث ليندركينغ لمحطة “إن بي آر” الأمريكية، حَيثُ قال إنه “سيكون على الأطراف اليمنية مواجهة القضايا الاقتصادية والتنافس على الموارد، وهذا هو بالضبط السبب الذي يجعل الولايات المتحدة تدفعُ نحو حوار يمني يمني”.
هذا التصريح ليس جديدًا في مضمونه؛ إذ حرص ليندركينغ والخارجية الأمريكية بشكل مستفز خلال الفترة الماضية على تأكيد تمسك الولايات المتحدة بضرورة التفاوض مع المرتزِقة كشرط لمعالجة مِلف المرتبات والموارد، وذلك إلى جانب وصف مطالب الشعب اليمني المتمثلة بصرف المرتبات ورفع الحصار بأنها “مستحيلة وغير واقعية”.
والإصرار على ترديد نفس الكلمات بعد المتغيرات التفاوضية الجديدة التي وُصفت بـ”الإيجابية” يترجم تمسكًا أمريكيًّا بمواصلة عرقلة الجهود المبذولة للسلام، ويثيرُ تساؤلًا حول مدى تأثير هذا التعنت المُستمرّ على المتغيرات الجديدة، خُصُوصاً في ظل غياب أية مؤشرات تدل على امتلاك النظام السعوديّ القدرةَ على تجاوز الهامش المسموح به من جانب واشنطن.
الموقفُ الأمريكي السلبي ترجمه ليندركينغ أَيْـضاً في تصريحٍ آخرَ للمحطة نفسها قال فيه: إن “تنظيم القاعدة ما يزال في اليمن” وإن الدورَ الذي تلعبُه الولاياتُ المتحدة في الصراع يتعلَّقُ بـ”مصالح الأمن القومي الأمريكي”؛ وهو ما يشيرُ بوضوح إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تتعاطى مع الملف اليمني من زاوية تحقيق مطامعها الخَاصَّة التي تنطوي على استمرار التواجد المباشر في اليمن، وبالتالي عدم تحقيق السلام الفعلي.
وإلى جانب ذلك، صرّح المبعوث الأمريكي لقناة “سكاي نيوز عربية” بأنه لا توجدُ “ضمانات” للالتزام بما قد يتم التوصل إليه من اتّفاقات، وأن ذلك سيعتمد على مدى التزام الأطراف، حسب تعبيره، محذرًا من “تحديد سقف زمني لعملية السلام”، وهو تصريح آخر يشيرُ إلى أن الولايات المتحدة تنوي تحويلَ المفاوضات إلى مارثون طويل يحافظ على بقاء الكثير من جوانب العدوان والحصار، إن لم تكن كُـلّ الجوانب، علمًا بأن ذلك ينسجم بشكل غير مفاجئ مع العنوان الرئيسي الذي تحرص واشنطن على تثبيته وهو عنوانُ “التفاوض بين الأطراف اليمنية”، حَيثُ يبدو بوضوح أن البيتَ الأبيضَ يسعى لإبعاد النظام السعوديّ عن المشهَدِ باتّفاق شكلي، ثم فرض عملية تفاوض يمنية يمنية لا نهائية يستمرُّ خلالها استهدافُ الشعب اليمني وتجويعُه واحتلالُ أرضه ومياهه وجزره.
وبالمجمل فَــإنَّ تصريحاتِ ليندركينغ تعبِّرُ بوضوحٍ عن إصرار أمريكي على فرض إطار خاص لعملية التفاوض لا يتضمن أي سلام حقيقي وثابت، بل يضمنُ فقط توقُّفَ العمليات العسكرية من جانب صنعاءَ بشكل أَسَاسي، مع بقاء المجال مفتوحًا لانتهاك السيادة اليمنية واستهداف الشعب اليمني، سواء بشكل مباشر أَو خلف واجهة المرتزِقة.