هذا ما صنعه “الحوثي” ومشروعُه القرآني..!
عبد القوي السباعي
إلى كُـلّ الذين لا يزالون عالقين في زاويةٍ مظلمةٍ بين “مطرقةٍ وسندان”؛ بين مطرقة السطحية والتبلد المفخخة بالحقد والكراهية واستعداء الآخر، ونظرتها المغلوطة المتطرفة للدين والحياة، المتقاطرة عن الخطاب التكفيري المؤدلج الوهَّـابي والإخوانجي، وبين سندان النظريات الحداثية والمفاهيم الفضفاضة المترفة تناقضاً وغموضاً، والمشحونة بالانتهازية والضبابية وعُقدة الاستعلاء المعارضة للأخر، المتسربة عن الخطاب السياسي الحزبي المضطرب لقوى وتكوينات أثبتت التجارب فشلها وفسادها وإفسادها على مدى عشرات السنين من تواجدها على الخارطة الجيوسياسية لليمن.
تأملوا بواقعيةٍ وتجرد، لكل ما يدور حولكم، وتابعوا تفاصيل ما يجري اليوم على الساحة اليمنية، من أحداثٍ ومتغيرات، ومساراتٍ وتحَرّكات، حاولوا رؤية هذا الواقع الجديد بعيدًا عن تأثيرات تلك المطرقة وذلك السندان، وانظروا إليه بمنظاركم أنتم، بعيدًا عن كُـلّ القيود والوسائل التي دائماً ما كانت تصنع أفكاركم وترسم توجّـهاتكم، وترسخ معتقداتكم، وتأتي على اثرها مواقفكم وتصرفاتكم.
وكما دعوتكم إلى النظر بتجرد، سألتزم أَيْـضاً الحياد في طرحي، لذا تأملوا معي وقارنوا.. بين ما صنعه “الحوثي” ومشروعه القرآني، خلال التسعة أعوام من عمر ثورته، رغم أنها سنوات عانى فيها من الحرب والدمار والخراب والحصار وشتى وسائل الاستهداف المادية والمعنوية والنفسية التي واجها بإمْكَانياته المحدودة، وبين ما صنعه أعداء الحوثي المحليين والإقليميين والدوليين، ومشاريعهم المختلفة، وقد تهيأت لهم كُـلّ الإمْكَانيات والوسائل والظروف، وحازوا على كامل الدعم والرعاية والمباركة العالمية.
لقد استطاع الحوثي أن يواجه بكل صمودٍ وثبات؛ بكل شجاعةٍ واقتدار؛ عدواناً كونياً تمثل في بدايته الأولى بـ32 دولة، واستطاعت منظومته الدبلوماسية وحنكته السياسية أن تقلص هذا العديد من الدول إلى أن ضم 17 دولةٍ فقط، والذي ما لبث عددها بالتناقص مع كُـلّ جولةٍ ميدانية، إلى أن تولى كبره، (السعوديّ، الأمريكي، الإماراتي، الصهيوني)، حتى تبدى للجميع في نهاية المطاف أن (الصهيوأمريكي)، هو المتصدر والمسؤول الأول عن هذا العدوان، وظل الحوثي يرفع شعار الموت لهذا العدوّ (أمريكا وإسرائيل)، في تحدٍ وأنفةٍ وكبرياء، بل ويدوس هيبتها ورموزها بنعليه، في الوقت الذي تحسب دول العالم لهما ألف حساب.
عسكريًّا استطاع الحوثي أن يخوض حرباً ضروساً ومعاركَ شرسة ومشتعلة في أكثر من 50 جبهة، بجيشٍ دمّـرت معظم أسلحته، وضربت نفسيته واستهدفت عقيدته القتالية، وتمت هيكلته وتمزيقه في فترات سابقة للعدوان، غير أنه وفي وقتٍ قياسي استطاع أن يعيد ترتيب صفوف هذا الجيش وتجسير بنيانه، وتوحيد شتات توجّـهاته وولاءاته، وعزز فيه الروح المعنوية الوثابة، المتشبعة بالعقيدة القتالية الجهادية، التي حطمت بتكتيكاتها القتالية وتكنيكها العسكري وعتادها الحربي، كُـلّ الاستراتيجيات والنظريات والقواعد والخطط العسكرية المتعارف عليها عالميًّا.
وبعد أن كان اليمنيون يستوردون كُـلّ شيء حتى “الملاخيخ”، استطاع الحوثي وفي إطار “الحاجة أم الاختراع” تأسيس هيئات تصنيعية وطنية بخبرات يمنية 100 %، في مختلف المجالات، ومنها العسكرية التي كان لها الدور الأبرز في فرض قواعد اشتباك خَاصَّة بالجيش اليمني كسرت هيلمان القوة والعنجهية لتحالف البغي والعدوان، وتحطمت أُسطورة التفوق والتطور للسلاح الأمريكي تحت ضربات الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، وتحت أقدام المجاهدين في هذا الجيش، الذي لو كتبنا ما كتبنا لن يسعنا اللحاق بركب منجزاته الاعجازية، والتي كان أخرها، أن نشاهد جيشاً جاء من مختلف الجبهات بجحافله وعتاده ليقوم بعرضٍ عسكري في صنعاء ويعود إلى تلك الجبهات دون أن يثير وراءه الغبار.
اقتصاديًّا استطاع الحوثي أن يدير مؤسّسات الدولة وينتشلها من حدودها الدنيا إلى أن أخذت موقعها بعد أن حافظ على ديموميتها وصان ممتلكاتها وصوب مساراتها، حتى وصل بها إلى أن تقدم للشعب من الخدمات، وفي زمن الحرب، ما كانت تعجز عن تقديمه في أزمنة السلم، بعد أن أدار الجبهة الاقتصادية بكل كفاءةٍ واقتدار، وقدم التسهيلات منها المجال الزراعي والاستصلاح فيه، حتى كان للمنتج المحلي بمختلف أنواعه الدور الأبرز في تحقيق الاكتفاء الذاتي، ومن خلال برامجها التي وائمة بين معطيات وتفاصيل الإيرادات وناتج الدخل القومي وبين متطلبات الموازنة وأوجه مخرجاتها، كما عملت على خلق الفرص وتبني مشاريع التمكين الاقتصادي والمبادرات، وتخطي مستويات العجز، وخففت من الأعباء التي كانت تثاقلها المنظمات وأرقام المستوردين، ما ساهم في ترشيد سحب العملات الأجنبية وحافظ على العملة الوطنية من الانهيار.
ثقافيًّا استطاع الحوثي أن يعيد للشعب اليمني رونقه المتميز بهُــوِيَّته الثقافية التاريخية وموروثه الحضاري، من خلال ترسيخ الهُــوِيَّة الإيمانية اليمانية الأصيلة وتجذيرها على أسس الثقافة القرآنية المباركة، ومسيرتها الجامعة التي عززت الارتباط بالله سبحانه وتعالى وبالرسول الأعظم محمد صلى الله عليه واله وسلم، وبالثقلين “القرآن الكريم والعترة المطهرة”، بعد أن تبينت الأُمَّــة مسارات صنعتها الثقافات المغلوطة والملغومة، وبرامج التهجين والتدجين، والتي كشفت الأحداث اليوم انحرافاتها المتمثلة في محاولات فصل الشعوب المسلمة عن دينها ونبيها وشريعتها وثوابتها، والارتماء في مستنقع التطبيع والخيانة لقضايا الأُمَّــة المصيرية، والاستسلام لمخرجات الحرب الناعمة.
إن هذا قيض من فيض مما صنعه الحوثي ومشروعه القرآني، قأروني ماذا صنع الذين من دونه بمشاريعهم مجتمعةً؟، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا، فأعلموا أنكم تمضون إلى الهاوية، ولتتداركوا مصيركم المحتوم والماضي إلى الزوال، ما عليكم إلا الركوب في سفينة النجاة قبل أن تغرقوا ويجرفكم طوفان الغضب الإلهي، وإني لكم من الناصحين، والعاقبة للمتقين.