نموذجُ القيادة وإدارةُ الأزمة
أنس عبد الرزاق
نعرف أن الواقع قبل ثورة 21 سبتمبر يفصل بين الثابت؛ أي المنهج وهو القرآن الكريم، وبين القيم والمبادئ والسلوكيات المتغيرة أمام استمرارية المنهج الإلهي التاريخية والأزلية.
إن القيادة اليوم تؤكّـد أن جوهر السلوك العام ومنهج الأمة واحد يجب ألَّا تتغيرَ مضامينُه.
فإذا كانت (الحرية) مثلاً أحد مرتكزات الثقافة قبل ثورة 21 سبتمبر، فَــإنَّها لا تبقى على المعنى والمضمون ذاته في القرآن الكريم نتيجة للتبعية الغربية الأمريكية وتغيراتها، فَــإنَّها اليوم تعني أشياء أُخرى؛ إذ أصبحت تعني الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحرية الضمير في ظل قيادة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي –حفظه الله–.
وتختلف اختلافاً كَبيراً عن المعنى المحسوس للحرية قبل ثورة 21 سبتمبر، فالحرية بصفتها قيمة ثابتة في الثقافة بقيت كما هي ولكن مضمونها تغير بفعل الاحتكاك بالأعداء ونحو ذلك، فأصبحت الجانب المتحول من هُــوِيَّتنا الإسلامية، وعلى ذلك في بقية الثوابت.
الاستثناء ليس فيما كان سابقًا فهذه عملية تاريخية واقعة، ولكن الاستثناء هو الحفاظ على الهُــوِيَّة والعمل على تطبيق قيم ومبادئ القرآن الكريم دون أن يدع السيد القائد للمتغيرات الداخلية والخارجية فرصة اختراقه والتفاعل معه خارج نطاق القرآن.
إن الشق الخاص في قيادة ثورة 21 سبتمبر إنما تعبر عن شخصية وتاريخ شعب الإيمَـان والحكمة، أما الشق العام فهو تعبير السيد القائد عن البعد الإنساني للقرآن، والذي يجب أن لا يكون ظاهراً بصفته وإنما نتاج حضاري شامل ملك للإنسانية جمعاء، وليس لفرد بعينه أَو شعب بذاته أَو ثقافة بنفسها.
بتنا ندرك تماماً أن حضارتنا هي سلسلة متصلة من الحضارة المحمدية الخالصة، والتي تؤكّـد أن الأُمَّــة الإسلامية لم تصل إلى خاتمة المطاف ونهاية التاريخ فيما يتعلق بأنظمة الحكم والسياسة.
فتوجّـهات السيد القائد تؤكّـد أننا يجب أن نصل إلى نتيجة واحدة، إلَّا وهي ضرورة سيادة المنهج الإلهي وهذا شيء طبيعي، إذ إن هذا المنهج يتعلق بمستقبل ومصير البشرية عامة، هذا لا يعني عدم وجود صراع بين الثقافات في الوقت الحاضر.
ولكن السؤال: هل هذه المنهجية دائمة؟
لا مجال للنقاش في أن القرآن الكريم هو منهج الأُمَّــة المعاصرة والسابقة الأولى للبشرية، وأنه أرقى منهج في تاريخ البشر حتى قيام الساعة، سواء تحدثنا عن المعجزات العلمية أَو المتعلقة بالنظم السياسية أَو الاجتماعية والاقتصادية، والتي تنتهجها قيادتنا المتواضعة بإمْكَاناتها البسيطة، في مواجهة الصعاب أمام الحضارة الغربية المادية المتقدمة، والتي أصبحت تفتقد الإنسانية والحافز على التغير والحركة ومن ثم الانتقال إلى شكل حضاري أرقى وتتجه إلى الصراع.
ندرك اليوم أن الحضارة الإسلامية في ظل القيادة القرآنية باتت أكثر مرونة في وجه التحول، ذات طابع استثنائي، قابل للتطبيق في أصعب الظروف.
فهي منهج للإنسانية جمعاء بكل فئاتها العرقية والطبقية والمناطقية والسياسية، التي فشلت أمامها السياسة الغربية الأمريكية وعجزت عن التحول في صالحها.
إن السياسة الأمريكية هي ذاتها التي أوصلت الحياة إلى حافة الخطر عن طريق مكننة كُـلّ شيء والاتّجاه نحو الضخامة في كُـلّ شيء، إذ أصبح الفرد في المجتمعات فاقداً للمعنى في كُـلّ ما حوله، إذ تحول الإنسان نفسه إلى آلة في حضارة آلية.
ما نعرفه في الأخير هو أن قيادتنا ليست أُحادية الفرض سواء على نطاق المجتمع اليمني أَو على نطاق العالم.
إذ إنها تحث على التقدم والبناء ابتداءً من الفرد وُصُـولاً إلى كُـلّ العالم، في إطار المنهج الإلهي الموحد الذي يعد الإطار المشترك للتعايش بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
فالقيادة اليوم تعيد الأمل للإنسان عقلاً ووجداناً، وقادرة على الإشارة إلى الاتّجاه الصحيح على الرغم من العراقيل والضغوطات.
وهذا ما بشّر به سيدُ البشرية محمد –صلى الله عليه وآله وسلم– بقدرة الإسلام على جعل الحياة جميلة لكل إنسان، ولكن ذلك لا يكون إلَّا بتفاعل الأُمَّــة وقدرتها؛ مِن أجل إيضاح أن الإنسان يصل إلى قمة إبداعه وتجسيد جوهره بعيدًا عن السياسة الغربية بل باتباع منهجه الصحيح.