ثورةُ 26 سبتمبر ومدى نجاحها في بناء جيش وطني قوي
منصور البكالي
خلال مشاهدة الشعب اليمني للعرض العسكري في الذكرى التاسعة لثورة 21 سبتمبر الفتيه، يتسأل جيل ما بعد ثورة 26 سبتمبر، أين هو الجيش الوطني القوي الذي بنته هذه الثورة وقياداتها؟ وأين ذهب الجيش الذي سبق وعرضه عفاش في عام 2000م في ميدان السبعين، وفي صف من يقف ذلك الجيش خلال 9 أعوام من العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا؟ وما مدى نجاح ثورة 26 سبتمبر في بناء جيش وطني قوي؟ ولماذا فشلت في تحقيق نجاح الأهداف الأُخرى؟ وما سر نجاح ثورة 21 سبتمبر في تحقيق هذا الهدف؟
قبل الإجَابَة على هذه التساؤلات نبين أن ما بين تاريخ 26سبتمبر للعام 1962م إلى 21 سبتمبر للعام 2014م 52 عاماً و5 أَيَّـام هي سنوات وشهور وأيام كفيلة بتحقيق أهداف استراتيجية كبرى، تتجاوز بناء دولة حرة وقوية ومستقلة، إلى بناء إمبراطورية عسكرية واقتصادية وسياسية وثقافية وحضارية، تناهض أكبر وأقوى دول العالم، بمقوماتها الاستراتيجية وموقعها ومكانتها التاريخية، وقوة وعظمة وإرادَة وشجاعة واستبسال وصمود شعبها العظيم.
ثانياً: ثورة وصل عمرها إلى اثنين وخمسين عاماً، إذَا ما وجد فيها القيادة الوطنية والمشروع الوطني، لم يكن واقعها وحالها كما كانت عليه قبل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ذات الـ9 أعوام، والتي حملت على عاتقها تحقيق ما عجزت عن تحقيقه الثورة “الأم”، كما يحلو للبعض تسميتها وسماعها.
وإذا ما قرأنا أهدافَ ثورتَي “26”، وَ”21 ” السبتمبريتين، نجد أنها هي ذات الأهداف، -والشعب منتظر لمن يحقّقها وموعد الاستفادة منها-، مع أن الفارق في وعي القادة الثوار، ومصدر تفكيرهم ووعيهم المستمد منه روح الثورتين، هو سبب رئيسي في تحقيق النتائج وتحويل تلك الأهداف إلى واقع معاش يعود بأثره على كُـلّ أبناء الشعب.
فثورة 26 سبتمبر مصدر فكرها قومي علماني ممتد عن فكر خارجي وافد يحمل في طياته أجندة استعمارية وولاءات خارجية، يتنافى في كثير من تفاصيله مع هُــوِيَّة شعبنا الإيمانية، وقيمه ومبادئه الدينية، وعادته وتقاليده وأعرافه وأسلافه القبلية والعروبية الأصيلة، فيما ثورة 21 سبتمبر مصدر فكرها إيماني قرآني يمني الهوى والهُــوِيَّة، وحام لها ومنسجم معها في كُـلّ تفاصيله مع الفطرة البشرية والروح الإيمانية والقيم والمبادئ الدينية والعادات والتقاليد والأعراف والأسلاف القبلية الأصيلة.
تحت هذه الفوارق الجوهرية تنكشف أسباب نجاح قادة الثورتين من فشلهم، وتحت هذه الفوارق تتجلى مكامن الضعف والقوة، فثورة انطلقت لتحقيق إرادَة وتطلعات وهموم الشعب اليمني استطاعت تحقيق أهداف ثورتها وثمار صبر وصمود وتضحيات شعبها عزاً وقوة وانتصاراً وحرية واستقلالاً وجيشاً وطنياً قوياً بكل ما تحمله عبارة بناء جيش وطني قوي من معنى ودلالات، في المقابل ثورة تلوثت أيادي قياداتها بدماء المخلصين من أبناء الشعب، وكانت عقولهم مُجَـرّد أرشيف يحتوي مؤامرات ومخطّطات وأجندة خارجية تمثل “س أَو ص” من القوى الإقليمية والدولية، كيف يمكن لها أن تحقّق لشعبها أية أهداف مما أعلنت عنها، بل استخدمت هذه الأهداف كحامل سياسي تعبوي لمشروع خارجي، ويافطة دعائية، لتجنيد جيش فاقد للهُــوِيَّة والعقيدة القتالية ومسخر لقتل شعبه، وأدَاة لتحويل اليمن إلى حديقة خلفية لهذا أَو ذاك ممن ينهبون ثرواتنا ومقدراتنا ويحتلون بلدنا.
فأين هو جيش ثورة 26 سبتمبر؟ وما هي الترسانات العسكرية التي صنعها؟ وما هي الدول والجيوش الأجنبية التي وقف في وجهها!! في الواقع ذهبت قيادات وجيش ثورة 26 سبتمبر للقتال في صف المحتلّ الأمريكي السعوديّ ومعها جيش الاستعراض حسب اعتراف عفاش، وأعطت ما كان معها من أسلحة الدفاع الجوي بيدها الذليلة للأمريكي ليفجرها في مشهد موثق، وتعرضت الطائرات الحربية حينها للاستهداف والمؤامرة، وكانت صنعاء وكلّ المحافظات اليمنية حينها مرتعاً للقاعدة والاغتيالات والعمليات الانتحارية والتقطعات والسرق والنهب، وكان الجيش الأمريكي في قلب العاصمة صنعاء وسفير أمريكا من يحكم اليمن، فماذا بقي لثورة 26 سبتمبر، وماذا حقّقت للشعب غير كتل من الأحزاب السياسية المتسابقة للعمالة وبيع الوطن في سوق النخاسة والخيانة لله وللشعب وللتاريخ وللأجيال اليمنية مقابل فتات من المصالح الخَاصَّة، وفلل وشركات في تركيا ومصر!
فيما يعرف كُـلّ أبناء اليمن وأعدائها أن جيش ثورة 21 سبتمبر هو من هزم دول تحالف العدوان وهو من أفشل مخطّطاتهم العسكرية والأمنية، وهو اليوم من يصنع سلاحه بيده، وهو من سيحرّر كامل التراب اليمني من الغزاة والمحتلّين، وهو من أجبر الأعداء للقعود على طاولة المفاوضات، وبات مصدر فخر واعتزاز كُـلّ أحرار شعبنا اليمني العظيم وأحرار الأُمَّــة العربية والإسلامية.
و9 أعوام مقابل 52 عاماً أثبتت للجميع جوهر كلتا الثورتين، ووطنية قاداتها، وأصل الثوابت والمنطلقات والأهداف لكليهما، مع الأخذ بعين الاعتبار أنها مقارنة ظالمة في الإمْكَانيات، والظروف الزمانية والمكانية.