في يمنِ الإيمان.. لا غرابة!
غانم الصيادي
لا غرابةَ على هذا القدر من التجهيز للاحتفال بمولده عليه الصلاة والسلام، ولا دهشة من الحاجة التي باتت ملحة لاستدعاء رسول الله في هذا الزمن وسعي شعوب الأُمَّــة الدؤوب للاحتذاء بحذوه، واقتفَاء أثره، والتمسك به نهجاً وقيادةً، في وقتٍ تكالبت فيه الأمم وأجمعت حقدًا وعدوانًا؛ للنيل من أمتنا الإسلامية شعبًا وفكرًا ومنهجًا وقيادةً.
وليس بغريبٍ ولا بخفيٍّ على أحد ما بات عليه واقع الأُمَّــة وشعوبها، وهذا التباين الحادث في مواقفها وَردود فعلها، والتي توزعت ما بين مستنكر غيور لدينه أخذته فطرته للذود عنه، وبين مستنكر غلبته العادة، وغشيته روتينية مملة ضعيفة لا تتعدى عن كونها تسقط الحجّـة عن الجناة بموقفها الضعيف المتخاذل، فيما آخرون أدعوا الحياد وزعموا ضبابية المشهد رغم وضوحه وضوح الشمس في كبد النهار.
من بين هذه الأطلال كلها ومن بين ركام هذه الانتكاسة انتفض اليمانيون وحيدون في المشهد الشاغر، ومن خلال مظاهرات حاشدة عمت أرجاء المحافظات؛ رفضًا وتنديدًا لسخرية وإساءة دويلات الغرب لكتاب الله الكريم.
وفي زمنٍ بات عنوانه الرذيلة وَالانسلاخ عن الفطرة الإنسانية والحكمة الإلهية، زمن تعلو فيه رايات المثلية والتفسخ والانحلال، كانت رايات الفضيلة حصراً فوق رؤوس وهامات أحفاد الأنصار، وكان محمدٌ –صلوات الله عليه– حاضراً على الجباه والجبال، وفي إيمان هذا الشعب إرث النصرة متأصلاً في جيناته، كما في انتمائه لهذه القُدوة العظيمة والأسوة الحسنة وَالرحمة الإلهية حكمة متوارثة ومتقادمة يمكن قراءة تفاصيلها في صحيح الأحاديث والسير، وكأنَّ اللهَ قد هَيَّأ هذا الشعبَ للعالمين خَلاصًا.
كيف لا نعظم هذا القائد الذي أخرج الأُمَّــة من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن طغيانِ الجاهلية وظلمها، إلى سواء الإسلام وعدله، وكيف لا نبدو اليوم بأَمَسِ الحاجة إليه، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ونرى بأُمِّ أعيننا أممًا وشعوبًا باتت تشكو مغبة التفريط به في الدنيا قبل الحياة الأُخرى.
ثم أن محمدًا رسولَ الله بكل مقاييس المباهاة والتفاخر، أعظمُ قائدٍ إنسانيٍّ على مر التاريخ، وصاحب أرقى وأكمل نهج عجزت الإنسانية أن تبلغ مداه، كما هو أعظم حراك ثوري يمكن أن يتملَّكَ كُـلَّ روح توَّاقة للثورة والحرية والكرامة.
وأية ثورة هي أقدس من ثورته التي انتشلت الإنسانية من الظلمات إلى آفاق واسعة من النور، من أنهت سلطة القوة والجبروت والظلم البشري ودفعت بالآدمية إلى التسلح بالله، من في يده كُـلّ مقاليد الأمور.
قروناً كثيرة عاشتها الأُمَّــة العربية في حالة من التخبط والتيه، يقتصرهم الجهل على نفسه، ويحتكر عليهم الموت على سبيل النزعة الجاهلية؛ ذودًا لناقة، أَو تقرُّبًا من سلطان، ليأتي –عليه الصلاة والسلام– بتكليف إلهي بتبليغ أعظم رسالة إنسانية عرفتها البشرية، لإخراج الناس من سخط العباد وظلمهم إلى عفو الله ورضوانه، ومن دكتاتورية الملوك والأمراء إلى رحاب الإسلام الواسع وديموقراطيته الشاملة.
على ذلك كان اليمانيون الثلة في نصرته –عليه الصلاة والسلام– وَمؤازرته والاصطفاف بجانبه، في تبليغ الدعوة بثورة إلهية تأخذ بأيادي البشرية؛ ليأتيَ الحاضر اليمني امتداداً لماضيه قولاً وعملاً من خلال استقبال مولده –عليه الصلاة والسلام–، والاحتفاء به، وإقامة الفعاليات والندوات، ليعيشَ اليمني على صلة وارتباط بشخصه الكريم، وتناول سيرته السمحاء والاقتدَاء بها، والسعي لترجمتها جهادًا وعطاءً وإحساناً واستشعارًا للمسؤولية تجاه الآخرين.
في حضرة مولده الشريف يستحضر الناس خلاله سيرته العطرة، وتأريخه العريق، ومجده التليد في محو الجهل، ودحض الظلم، ومحاربة الفساد، وَالاحتفاء بمولده –عليه الصلاة والسلام– ليس مُجَـرّد زينة تعلق على جدران المنازل والبنايات الضخمة، ولا أنوار خضراء تتحلى بها صنعاء وتبتهج، بقدر ما يكون فيه استحضارٌ لشخصه قولاً وعملاً، وإحيَـاء مسيرته في نفوسنا في الإحسان، والرحمة، والتسامح، فهي ليس مُجَـرّد فعاليات ومهرجانات وأمسيات عابرة بقدر ما يسعى محبوه –عليه الصلاة والسلام– لتكون محطة تزود يأخذ منها الدروس والعبر، ويستشعر خلالها الشعب مسؤوليته تجاه الأُمَّــة.
كما هي فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية وإحيَـاء مبدأ التكافل والتراحم بين الناس، هي فرصة لتوحد الأُمَّــة واصطفافها والتحامها أُمَّـةً واحدة خلف قائدٍ قادرٍ بكل الحسابات على أن يعيد لملمة شتاتها، ويصوبها نحو مستقبل يليق بإرثها ومكانتها.