يـــمـــنُ الـــرســـول
عبير الشاكري
توالت الأيّام والأوقات وتتسابق الليالي والساعات ونحن نعد الثواني واللحظات نترقب مجيء أغلى المناسبات وخير الاحتفالات.
القلوب مشتاقة، والأرواح تواقة لقدوم عيد الأعياد وأشرف ميلاد.. والجاهلية الأُخرى بأوج انحلالها وأخطر مراحلها وأعظم فتنها وأسوأ محطاتها، وقريش الأُخرى بزعمائها المتجبرين، لليهود مطبعين وللأبرياء مقاتلين وللإسلام مزيفين ومشوهين، وفي حين أن شعوبَ العالم كلاً في تيههم يعمهون، وفي كُـلّ فلكٖ يسبحون، هنا فقط في يمنك يا حبيبي يا محمد، ذكراك تتجدد وحبك يتخلد، ومن هنا سيرتك تستمد ورسالتك تستجد، هنا تجد المحبين الموالين الصادقين، المضحين العاشقين؛ لأجلك بدمائهم ملطخين، وبذنب حبك محاربين.
لكنا وربك سنبقى على دربك، سنحبك ما دامت الحياة فينا، ما دامت تنبض قلوبنا وتجري بالعروق دمائنا، تصلي عليك أفئدتنا وجلودنا وعظامنا، أقلامنا، بنادقنا، أرواحنا، أفواهنا، أطفالنا، نساءنا، كبارنا، صغارنا، تصلي عليك أوجاع جرحانا ودماء شهدائنا ومعاناة أسرانا، تصلي عليك أُمهاتنا الثكالى وآباؤنا المكلومين، تصلي عليك آهاتنا والدمعات وأحزاننا والعبرات، تصلي عليك بيوتنا المدمّـرة وأشلاءنا المتناثرة، تصلي عليك قلوبٌ يسكنها الألم فاستكانت بذكرك وعبرت، صلت عليك أرواحٌ يعتصرها الحزن فالتأمت بحديثك وجبرت، وصلت عليك أفئدة فقدت أحبتها فإياك تذكرت وعرفت أن كُـلّ فقد دون محمد هَيِّنٌ فمضت وصبرت وواصلت مسيرها إليك وَانتصرت.
صلت عليك ولاعات أحرقت مئات الآليات والمدرعات، صلت عليك انتصاراتنا والتأييدات؛ لأَنَّنا بحبك صنعنا المعجزات؛ لأَنَّنا بعشقك نتخطى كُـلّ العقبات؛ لأَنَّنا بالتوسل إلى الله بك رفعت عنا الملمات وتخطينا كُـلّ التحديات.
مهما شوَّهوا ذكراك وحاولوا أن يبعدونا عن ولائك والتخلي عن هداك، لا زلت أنت قدوتنا، وقائدنا ومرشدنا، ومولانا وسيدنا، عشق أرواحنا وحبيب قلوبنا، يا أيها الخلق العظيم يا رؤوف يا رحيم، يا أُسطورة الزمان وهدية الرحمن، يا أيها القمر المنير والسراج المستنير، مرحباً بك بيمن الأنصار، ها هم الأحفاد يجددون عهد الأجداد يؤثرونك على أنفسهم، نحتوا اسمك بقلوبهم قبل جدرانهم، وأخضرت أفئدتهم وأضاءت قبل شوارعهم وتزينت عقولهم قبل أزقتهم، واستبشرت قلوبهم من قبل قدوم ربيعهم، وفاحت روحانيتك من رائحة صلواتهم، وتطلعت للقائك في أوج وأشد حرهم؛ لأَنَّك أولى بهم من أنفسهم، ربطوا على بطونهم ليكتبوا اسمك على أبوابهم ويتباهوا بحبك ملء مشاعرهم، ها هم أنصارك من جديد، يقاسموك أموالهم ويفدوك بأرواحهم ويستقبلوك بمفردهم في جمعٍ أرعب عدوهم وهم لم يروا إلَّا قطرة مما قد أفاضوا، أحببناك واخترناك في وقتٍ يتسابق الأعراب في جمع الأحزاب ومؤاخاة الأغراب فصاروا لليهود أذنابًا، خسروا في زمنٍ نحن ربحنا فيه أغلى ما وهبنا الله، ربحناك يا رسول الله، ووهبناك مهجنا وجعلناك دليلنا وحبيب قلوبنا.
مرحباً بك يا خير داع، شرفت خير البقاع، وطابت بذكرك كُـلّ الأوجاع، وتلاشت في عشقك كُـلّ الأطماع.
فصلاة الله وسلامه عليك، عدد ما كنت بائعًا نفسك على هدايتنا أسفاً، وعدد ما كنت حريصاً على إيمَـاننا سلفاً، وعدد ما أبقيت فينا من عزةٍ وشرفٍ، وعدد ما كنت شديداً على أعداء الدين ورحيماً بالمؤمنين عدد قطرات المطر وتوالي الشمس والقمر، عدد حبات الرمال والصحاري والجبال، صلاةً لا ينتهي عددها ولا ينقطع أمدها وعلى آلك الأطهار وأحبابك الأنصار، يا حبيبنا الأبدي وعشقنا السرمدي.