مشكلتُهم معنا أم مع رسول الله؟!
زينب إبراهيم الديلمي
قبل أن أُجيبَ عن استفهام العنوان، دارت رحى ذاكرتي إلى أَيَّـام الوصاية الأمريكيّة على اليمن.. وكنتُ في الابتدائية حينها أتذكر أن امتحانات نصف العام صادف ذكرى المولد النّبوي الشريف، وبينما انهمكتُ في حَـلّ ورقة الامتحان استرق سماعي إلى مراقبة اللّجنة قائلةً: بأن اليوم ذكرى المولد النبوي، تركتُ التفكير للإجَابَة عن السؤال الوارد وراودني سؤال آخر خارج الامتحان؛ “أيعقل في مناسبةٍ عظيمةٍ كالمولد النّبوي الشريف ألا تضع الدولة قراراً رسميًّا بجعل هذه المناسبة إجازة رسميّة وألا تنظم احتفالاً شعبيًّا واسعاً لإحيَـاء عظمة هذا اليوم المبارك؟” ولِمَ تعتبر الحكومة الظالمة والحُكّام الفاسدين ذكرى المولد النبوي خَاصَّة لفئة معينة، وكأن النبيَّ -صلوات الله عليه وآله- لا يعنيها إنما هو نبيٌّ يخُصُّ فئة المسيرة القرآنيّة فقط!
صحيحٌ أن فعاليات ذكرى المولد كانت تقام تلك الأيّام، ولكن بعددٍ محدود وبقيودٍ تفرضها جبايات الفساد والظلم، ولم تكن بالشكل الذي ينبغي لروحانيّة هذه المناسبة الغرّاء.. وهذا ما نصَّت عليه فرمانات الوصايا ودساتير الأمركة: “جعل مناسبة المولد في عراء النّسيان ومعها عظمة النّبي الكريم وسيرته الجليّة”.
ولأنّ مِنّة الله تغشى من ذروا في أفئدتهم حب نبيه طُمِست كُـلّ أحلام أمريكا الورديّة جفاءً، وانتصرت عزائم اليمانيين بهذا الحب العظيم للنّبي الأعظم بثورتهم العُظمى، وفي كُـلّ عام تزداد الحشود المحمّدية أضعافاً مضاعفة، متلاحمة لبغض أمريكا وعشيرتها.
مع توالي أَيَّـام العدوان الأمريكي السعوديّ وتوسّع روحانيّة هذا اليوم وانكماش النّفاق نجد البغض لرسول الله -صلوات الله عليه وآله- ومولده الأغر يتدفق من فئتين شكَّلت فجوة على المجتمع: فئة الأشد كفراً لنعمة الهداية؛ نسمعها تحيي في كُـلّ عام سُنّة: “إطعام جائع خيرٌ من تزيين شارع” وكأن طقس الرأفة الخادعة للفقراء والمحتاجين تأتي أَيَّـام ذكرى المولد النّبوي فقط، وثانيها فئة الأشد نفاقاً لاتباع النّهج المحمّدي، فهي ترى في تعظيم شعائر الله المُقدّسة معضلةً كبيرة وبدعةً، وتُرسل سوط عذابها لمن أحياها وعظمها!
الفقراء لا يحتاجون إلى الإطعام النفاقي؛ لأَنَّهم يعلمون أنّ التحنن الواهي لم يكن مطلوبًا في الوقت الذي يقتل فيه الجوع والحصار آلاف المستضعفين منذ تسع سنوات، أما من يصفون الاحتفال بمولد الهدى بدعة ضلاليّة فقد رأينا أنهم هم أنفسهم الذين هرولوا إلى أحضان التطبيع، وهم من يُجالسون الماجنات في موائد الفجور.
هذه الحقائق كشفت سلفًا نقاب الحقيقة وأجابت عن سؤال العنوان: “مشكلتهم ليست معنا فقط، مشكلتهم الكُبرى مع رسول الله -صلوات الله عليه وآله-؛ لأَنَّ الإيمان بعظمة هذه الرحمة المُهداة للعالمين لم يكن نابعاً من صميمهم بل زلّة على ألسنتهم، وعادتهم تجاهل طاعة الرسول التي ربطها الله تعالى بطاعته، ودون أدنى شك أنَّ الخسران المُبين في الدنيا والآخرة ملاقيهم شاءوا أم أبوا.