ربيعُ النور
د. فاطمة بخيت
بعد أن عَمَّ الضلالُ والظلامُ، وانحرفت الأُمَّــة عن النهج القويم والصراط المستقيم، وسيطرت قوى الطاغوت على مختلف نواحي الحياة، وأصبحت تقودُ الأُمَّــة نحو الهاوية؛ ليصبح الضلالُ دينًا يدين الناس به، ويصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً؛ حَـلّ نورٌ على هذه الدنيا، فشقَّ طريقه بين غياهب الظلمة؛ ليبددها شيئاً فشيئاً، فعمَّ النورُ أرجاءَ الأرض بعد صراع طويل مع الظلام الحالك، فانتشت الأرواحُ وعادت إليها الحياةُ من جديد، وعاد ربيعُ الأرض مزهِراً، فانتشرت الخضرةُ في الأرجاء، وعُمّرت الأرض على أرقى ما يكون، وتهاوت أصنامُ الجاهلية وعصبياتها وخرافاتها وضلالها، وأصبح نبعُ النور الإلهي يتفرعُ منه الجداولُ لتسقيَ الأرضَ بعد اليباب، وترتوي أرواحٌ عطشى من معين الماء العذب الزُّلال.
ودون كُـلِّ بلاد الأرض كان لهذه الأرض الطيبة النصيب الأكبر من ذلك النور منذ بزوغه وساعاته الأولى، فتهتدي به وتحيا بظهوره، لتحيا حياةً طيبةً وتعيشَ بصُحبة الهادي الأمين، ويصبح أهلُها من أنصاره -صلى الله عليه وآله وسلم- ومن أقرب المقربين إليه والمدافعين عن هذا الدين والحاملين للوائه حتى رحيلِه عن هذه الأرض، وما كان لهم أن ينسوا ذلك الفضل وتلك النعمة الإلهية؛ لذا كانوا وما زالوا هم الأنصار الذين أحبوا رسول الله واقتدوا به واهتدوا بهديه وساروا على نهجه وسلكوا الدرب النوراني الذي سلكه، مبدأ من مبادئ هذا الشعب لن يحيدَ عنه ولن يميل.
حُبٌّ مَلَكَ الأرواحَ، وأخذ بتلابيبها، وسيطر على المشاعر والعقول، حتى أصبحت ذكرى المولد النبوي مناسبةً لفرحةٍ غامرة تجوبُ أنحاء البلاد وتمتلئ بها نفوس العباد.
شوقٌ عارم، ولهفةٌ فوق حَــدِّ الوصف، وطاقات تُحشد، ومساعٍ تُبذل، لإظهار الفرح والسرور بمولد النور، والرحمة المهداة من الرب الغفور، فتتزين السهول والجبال والشوارع والأحياء والبيوت، فيفرح الكبير والصغير ويعم السرور في أنحاء هذه الأرض، إلا من ضاق صدرُه وأعرض ونأى بجانبه، وآثَرَ لنفسه إلا العيشَ في الظلمة بعيدًا عن ذلك النور؛ ليسلك مسالك الهوى، وينحدر إلى المهالك والردى.
حالةٌ رهيبة وأوضاعٌ مزرية وصل إليها الكثيرُ من أبناء الأُمَّــة من النُّكران للنعمة والإعراض عن الرحمة المُهداة ومصادر الهداية، فابتُدعت البدع وزاغت عن التقوى والورع، فأصبحت تعيشُ حالةً من التيه والتخبط والضلال، فلا تكاد تهتدي إلى المخرَج مما تعانيه، جهلت أَو تجاهلت أن لا فلاحَ ولا سعادة إلا بالتمسك بكتاب الله ونبيه -صلى الله عليه وآله وسلم-، الذي أرسله المولى -عز وجل- لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.