ملامحُ المرحلةِ القادمة
يحيى المحطوري
عبثًا يحاولُ البعضُ التكهُّنَ بأسماء رئيس وأعضاء الحكومة القادمة، وذلك بعد خطاب تاريخي دشّـن أول خطوات التغيير الجذري.
ليست حكومة الكفاءات وحدَها هي الملفت للنظر في الخطاب، بل كان خطابًا نوعيًّا تضمنُ رسمًا واضحًا لملامح المرحلة القادمة، بالاستناد على ثورة الشعب وصموده ووحدة وتلاحم أبنائه.
وخلافًا للجميع، لن أخوضَ في الحديث عن الأسماء، بل سأحاولُ التركيزَ على ما تضمَّنه الخطابُ من موجِّهات مهمة، عن كيف يجبُ أن تكونَ الحكومة؟ وما هو دورُها في المرحلة القادمة؟
وكيف ركَّزَ على تأكيد التوجّـه القادم في الحفاظ على مبدأ الحرية والاستقلال؛ انطلاقًا من تعزيز مبدأ العُبُودية لله؟
وماذا تضمَّنَ في الإشارة إلى حقوق المرأة والطفل واليتامى، ومسؤوليات المجتمع تجاههم؟
وكيف قدَّم الرؤيةَ الصحيحة لبناء المجتمع؟
وبمَ أكّـد على ترسيخ مبدأ الشورى ومنع الاستبداد والظلم؟
وما هو التوجُّـهُ القادمُ في بناء العلاقات الخارجية؟
وهل قدَّم الضمانات لحماية الجبهة الداخلية؟
وهل تحدث عن دعوات السلام وإنهاء الحرب ودفع المرتبات؟
وما هي أُسُسُ النجاح وضمانات التنفيذ للمرحلة الأولى من التغيير الجذري؟
وما هي أبرز التهديدات في المرحلة القادمة؟
إضافة إلى توضيحه للخطوات العملية الأولى في التغيير الجذري بإعادة تشكيل الحكومة بحكومة كفاءات، والعمل على تصحيح وضع القضاء، ومعالجة اختلالاته.
وسنعرض هنا التفاصيل الواردة في الخطاب عن كُـلّ نقطة من النقاط التي تحدثنا عنها:
بناءُ المجتمع:
وفي بناء المجتمعِ، أوضح أن في القرآن الكريم الأُسُسَ، والتوجيهات، والتعليمات، والتفاصيل، التي شرعها اللهُ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” لعباده، والتي تبني المجتمعَ البشري بناءً راقيًا، على أَسَاسٍ من العدل والخير، والمحبة والرحمة، والتعاون والتضامن، بدءًا من اللبنة الأولى للمجتمع، وهي الأسرة، وفيه أَيْـضاً أرقى الأسس للبناء الحضاري، الذي يتجه فيه الإنسان لعمارة الأرض، ويؤدي دوره كمستخلَف استخلفه اللهُ تعالى فيها.
ترسيخُ مبدأ الشورى ومنع الاستبداد والظلم:
وفي القرآن الكريم الأُسُسُ والتعليمات القيِّمة والحكيمة، والهداية الواسعة التي تنظم إدارة شؤون المجتمع على أَسَاس من المبادئ الإلهية والقيم والأخلاق والضوابط الشرعية، وضمن المهام المقدَّسة لتنفيذ تعليمات الله تعالى، وإقامة القسط وبناء الحياة، وتحمي المجتمعَ من التسلط والطغيان الفردي والفئوي، وتحرم الظلم ولا تعطي شرعية للظالمين، وتمنع الاستبداد وترسِّخُ مبدأ الشورى في إطار الالتزام بتوجيهات الله تعالى، كما قال “جَلَّ شَأَنُه”: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى: من الآية38]، وقال تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة: من الآية124].
وكما قدَّم القرآن الكريم المفهومَ الصحيحَ للمسؤولية كمسؤولية جماعية تتكامل فيها الأدوار، ولا يمتلك فيها أحدٌ صلاحيةً مطلقةً بل الكل ملزَمٌ بتعليمات الله تعالى وحدودِ المسؤولية.
العلاقاتُ الخارجية:
وأيضًا أتى في القرآن الكريم تنظيمُ العلاقة والمعاملة مع أبناء المجتمع الإنسانيِّ على أُسُسٍ صحيحة، تفرِّق بين المسالم والمعادي المحارب حتى من الكافرين، كما قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة: الآية8].
وكذلك قوله: نؤكّـد ثبات شعبنا في تمسُّكه بقضايا أمته الكبرى، وإدانته لكل أشكال التطبيع مع العدوّ الصهيوني، ووقوفه المبدئي والديني والأخلاقي مع الشعب الفلسطيني، ومجاهديه الأبطال، ومقاومته الباسلة، مع أحرار الأُمَّــة، ومحور المقاومة، لتحرير فلسطين والمقدسات، وعلى رأسها الأقصى المبارك، والقدس الشريف.
الجبهةُ الداخلية:
نؤكّـد التمسكَ بالشراكة الوطنية، والمفهوم الإسلامي للشورى، ووحدة الشعب اليمني، والمفهوم العام للمسؤولية، الذي تتكامل فيه الأدوار، ولن نقبل بالاستبداد، ولا بالتسلط الفردي، ولا الحزبي، ولا الفئوي.
الخطواتُ العملية الأولى:
إنَّ المرحلةَ الأولى في التغيير الجذري: هي بإعادة تشكيل الحكومة بحكومة كفاءات، تجسِّدُ الشراكةَ الوطنيةَ، ويتم فيها تحديثُ الهيكل المتضخم، وتغيير الآليات والإجراءات العقيمة والمعيقة، ويتم فيها تصحيحُ السياسات وأساليب العمل؛ بما يحقّق الهدف في خدمة الشعب، ويساعد على التكامل الشعبي والرسمي في العمل على النهوض بالبلد، ومعالجة المشاكل الاقتصادية.
وكذلك العمل على تصحيح وضع القضاء، ومعالجة اختلالاته، ورفده بالكوادر المؤهلة من علماء الشرع الإسلامي، ومن الجامعيين المؤهلين، وفتح مسارٍ فعَّالٍ لإنجاز القضايا العالقة والمتعثِّرة إن شاء الله.
دعواتُ السلام وإنهاءُ الحرب ودفعُ المرتبات:
أنصح تحالف العدوان، بإنهاء عدوانهم على الشعب اليمني، وإنهاء الحصار، والكف عن حرمان الشعب اليمني من ثروته النفطية والغازية، التي هو في أَمَسِّ الحاجة إليها؛ للمرتبات، وللصحة والتعليم، والاحتياجات الإنسانية والخدمية والتنموية، وكذلك إنهاء الاحتلال، ومعالجة ملفات الحرب؛ بإنجاز تبادل الأسرى، وإعادة الإعمار، وإلَّا فَــإنَّ الإصرار على مواصلة الحصار والعدوان والاحتلال ستكون عواقبه وخيمةً على التحالف، فشعبنا العزيز يمتلك من عناصر القوة -والتي أولها: اعتماده على الله تعالى، وقيمه الإيمانية، وتمسكه بقضيته العادلة- ما يؤهله بمعونة الله تعالى للنصر والتنكيل بالأعداء، ولذلك فَــإنَّ المصلحة الحقيقية لدول التحالف هي: الاستجابة لمساعي السلام، التي تقوم بها سلطنة عمان.
أُسُسُ النجاح:
1- إن أَسَاس النجاح -بعد معونة الله تعالى وتوفيقه- هو تعاونكم، وتفهمكم، ووعيكم، وحذركم من مساعي الأعداء لإعاقة كُـلّ مشروعٍ بنَّاء، وحذركم من الحاقدين المفترين.
2 – فيا أُمَّـة الإسلام عودي إلى الله تعالى، إلى نوره وهديه، إلى كتابه ورسوله، فلا يصلح آخر هذه الأُمَّــة إلا بما صلح به أولها.
3- إنَّ مسار التغيير الجذري لإصلاح مؤسّسات الدولة يعتمد على الانتماء الصادق والهُــوِيَّة الإيمانية لشعبنا العزيز، ويستنير بنور الله تعالى وكتابه الكريم، والاتباع لرسوله الأكرم “صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ”.
4- إنَّ البناء الصحيح لا بُـدَّ له من أَسَاس صحيحٍ وجامعٍ، يؤمنُ به كُـلُّ اليمنيين، ويعزز الشراكة فيما بينهم، وتجتمع كلمتهم على الإقرار به: هو القرآن الكريم، نور الله العظيم، وله الاعتبار فوق كُـلّ المقرّرات والقرارات، وهو الأَسَاس الذي نعتمد عليه في مسار التغيير الجذري.
ضماناتُ التنفيذ:
وسنبقى -إن شاء الله تعالى- في مواكبةٍ مُستمرّةٍ، بالمتابعة العملية، وبالكلمات، حتى الإنجاز للمرحلة الأولى، وقد حرصنا على تقديم أهم ما تجتمع به الكلمة، ويصلح به الوضع، في حال التفهم والتفاعل والتقبّل، وبنصحٍ صادقٍ، وحرصٍ أكيد، على شعبنا الذي نحبه، ونسعى لخدمته قربةً إلى الله تعالى.
التهديداتُ في المرحلة القادمة:
يا شعبَنا العزيز، ويا أُمتَنا الإسلامية، إنَّ حجمَ الظلمات والهجمة الظلامية الشيطانيَّة، التي يقودها اللوبي اليهودي الصهيوني، وأتباعه في الغرب الكافر، ومن يحذو حذوَهم قد وصلت إلى مستوى خطير في امتهان الكرامة الإنسانية، والإفساد في الأرض، والظلم والطغيان والإجرام، والاستهتار بالأخلاق، ومن ذلك إعلانها العداء لله –تعالى- ولرسله وأنبيائه وكتبه وإحراقها للمصاحف، وترويجها للشذوذ الجنسي، والفاحشة الجنسية، في حملة مكثّـفة تتبناها الأمم المتحدة بمختلف مؤسّساتها، والمنظمات الدولية، وأمريكا وإسرائيل، والأنظمة الأُورُوبية؛ لتفكيك المجتمع البشري وتهديد النسل، وتدمير الأسرة.