ثالوثُ المعايير البائدة
علي أحمد شرف الدين
انتهت الفعاليةُ الكُبرى وبدأت مسيرةُ التغيير الكبرى، وقلما مثّلت النهاياتُ بدايات؛ فالانطلاقُ إلى مرحلة تصحيح الوضعية المزرية في الجانب الإداري والقانوني والمالي للحكومة بدأ من لحظة إعلان قائد الثورة -حفظه الله- ملامحَ المرحلة الأولى من التغيير الجذري، فهذا الوضعُ الأخرقُ في حكومتنا “الإنقاذية” التي تحتاجُ إلى منقذ علّله السيدُ القائد بقوله: “البناء الصحيح يحتاجُ أَسَاسًا صحيحًا”، وطالما كان الأَسَاس غير صحيح يوم أنشئت هذه الحكومة فلا عجب إن كان مستوى الإنجاز أقل من مستوى تأثير المسكنات التي يطلبها من به ألَم وسَقَم.
أعلنها السيد قائد الثورة بأن التصحيح القادم لا بد أن يتجرد عن ثالوث المعايير التقليدية التي يتم على أَسَاسها تعيين المسؤولين والموظفين، فالمناطقية والحزبية والعنصرية كانت منذ عقود هي معيار التعيين والتكليف، ومن اليوم يجب أن تحل الكفاءة قبل كُـلّ شيء محل هذا الثالوث القاتل، وتصحيح ذلك وإن كان عسيرا لكنه ليس مستحيلا، فطالما مثلت هذه المعايير الثلاثة خيانة لله أولا وللشعب الذي وضع ثقته بهذا المسؤول، فإذا به يعمد إلى أبناء قبيلته أَو منطقته أَو حزبه فيختار منهم من يثق به للقيام بالمهام والمسؤوليات، وإن كان عديم الخبرة في ذلك المجال، بل إن انعدام الخبرة كان أمرا محببا إن لم يكن مهما لدى ذلك المسؤول، حتى يظل هو صاحب الحل والعقد في كُـلّ القضايا المهمة، ويظل من تحته ممن تم تعيينهم بقرارات رسمية صدرته منه مُجَـرّد ديكورات بلا صلاحيات، لا يمثلون خطرًا عليه وعلى كرسيه، فهم مخصصون للتشريفات فحسب، ومن هنا يظل المعيار القائم على المحاباة والمجاملة معيار هدم وتخريب في النهاية لأية وزارة أَو إدارة.
يحضرني هنا قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “من وَلِي من أمر المسلمين شيئاً ثم أمّر عليهم أحدًا محاباةً لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا حتى يدخله جهنم”، ولم تكن العقوبة قاسية إلى هذا الحد إلا؛ لأَنَّ القضية بالغة الخطورة، وواسعة الانتشار، وتعم بها البلوى، وتدمّـر المجتمعات، وتنتهي معها فرص إنقاذ المجتمع والتقدم به إلى مرافئ السلامة، فما أكثر ضرر هذه الطريقة في الإدارة التي حذر منها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى هديه في يوم مولده خرج السيد القائد اليوم ليضعها في موضعها الصحيح، فلا مجال للمجاملة ولا المداهنة ولا امتطاء حسن الظن، ومن يعتمدها سوف يضع نفسه في دائرة الخيانة لله أولا، ولرسوله ثانيا، ثم لهذه القيادة، ولهذا الشعب الذي فوض قائده في السير به إلى برّ الأمان.
اللافت أَيْـضاً أن السيد القائد وضع هذا الثالوث المدمّـر كامتداد للخارج، ذلك الخارج المتآمر على سيادة الوطن واستقلاله، حَيثُ نبه إلى أن الأعداء يسعون لتمزيق النسيج الاجتماعي لشعبنا تحت كُـلّ العناوين العنصرية والمذهبية والمناطقية والسياسية، حَيثُ يطل علينا الأعداء من خلال هذا الثالوث عبر العديد من اللافتات التي تسمح للعدو بهامش واسع في المناورة والتخفي وإعادة الكرة بعد الكرة، فتتنوع أساليبهم وتتلون، فتارة يحملون شعارات عنصرية أَو مناطقية أَو سياسية، ويضيفون إلى كُـلّ ذلك الشعارات المذهبية، فأيما سهم طاش منها وضعوا الأمل في تاليه، وهكذا لا يتوقفون عن الكيد والمكر، والسعي للفتك بمستقبل هذا البلد، واستعباد أهله، واستغلال خيراته، ولم يكن آخرها زوبعة الدفاع عن الجمهورية التي سبقت ليلة المولد، واستخدمت فيها أساليب قذرة، من خلال الزج بالنساء إلى الشوارع تحت راية الدفاع عن الجمهورية، في تجاهل غريب لدماء الشهداء التي سفكت لأجل التحرّر من التبعية لهيمنة المملكة السعوديّة، ونظيرتها الاستبدادية الإماراتية، الدفاع عن الجمهورية التي كانت نعلا في قدم السفير الأمريكي، يحكم فيها بما يشاء، الجمهورية التي نخرها الفساد والارتزاق، وكان الصف الأول في قادتها يتقاضى علنا مبالغ مالية من اللجنة الخَاصَّة في الجارة الكبرى، فما أحقر من يستخدمه عدوه بعلم منه أَو جهل لا فرق، فكل من فقد بُوصلة الحرية تجده يتمرَّغُ في عهر الارتهان والعمالة، وهو يحسب أنه يحسن صُنعًا، بينما هو يعوقُ بناءَ الجمهورية التي تضمن حقوقًا متساوية لأبناء هذا الوطن، وتمهِّدُ لهم طريقَ الرقي والتقدم.
لا يزال الحديث طويلًا عن إجراءات التغيير الجذري التي بدأت مسيرتها اليوم، بعد خطاب السيد القائد، الذي طلب من الشعب أن يكون حارسا أمينا لعملية التغيير الجذري، حَيثُ وضع لما يؤمن به الشعب الاعتبار الأول فوق كُـلّ المقرّرات والقرارات في مسار التغيير الجذري، وبذلك جعل القرآن الكريم ركيزة أَسَاسية في مسار التغيير، فهو محط إجماع، لا يخرج عنه أحد، ولا بد أن يتحَرّك الشارع اليمني في هذا السياق تحَرّكا واعيا، يصب في خانة الدعم المطلق بكل وعي وحكمة لهذا المسار، يما يدفع به إلى حيز الوجود، والسيد القائد بهذا يقلد الشعب مسؤولية المشاركة والرقابة والتقييم لهذا المسار، فهو يسعى إلى إنعاش التحَرّك الشعبي لاستكمال المسار الثوري الذي أعاق العدوان الدولي على اليمن استكماله، وسيكون الشعب إن شاء الله عند مستوى الأمل الذي علقه عليه السيد قائد الثورة.