أُسُسُ المسار وانطلاقةُ التغيير الأولى
علي أحمد شرف الدين
كما هي عادتُه في الطرح المرتَّب المتسلسِل، الذي تشعُرُ معه وكأنه ينساقُ في تماسك وترابط، حَيثُ حدّد السيدُ القائد أُسُسَ مسار التغيير قبل أن يعلنَ عن المرحلة الأولى منه، وهذه الطريقة تضع مسارَ عربة التغيير في الطريق الصحيح قبل أن تبدأ السير، والأسس التي حدّدها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي بقوله: “نؤكّـد التمسك بالشراكة الوطنية والمفهوم الإسلامي للشورى ووحدة الشعب اليمني والمفهوم العام للمسؤولية الذي تتكامل فيه الأدوار”، فلخّص بهذه الجُملة جُملةً من المبادئ، كانت الشراكة الوطنية مع المؤتمر الشعبي العام هي الأَسَاس الأول، وفي هذا تأكيد على المشاركة في المسؤولية أولًا، وفي العمل الجاد على التغيير ثانيًا، فضلًا عما اشتمل عليه هذه الأمر من طمأنة لشركاء الوطن والدفاع عنه في وجه العدوان الأمريكي السعوديّ، فالمشروع الوطني لا يخرج من عباءة الإقصاء والشمولية.
ثم عطف السيد القائد على هذا الأمر التمسك بالشورى بمفهومها الإسلامي، البعيد عن حكم الأغلبية، المفهوم الذي غاب عن واقع المسلمين حين حَـلّ مكانه مفهوم حكم الأغلبية، وباتت الشورى بالمفهوم الإسلامي أمرًا غريبًا على المجتمع، ويحتاج اليوم إلى تصحيح وتوضيح، ربما يكون متاحًا مستقبلًا.
الأَسَاس الثالث: هو وحدة الشعب اليمني، وبهذا يتسع أفق المشروع ليعم كُـلّ أبناء اليمن الواحد، شرقه وغربه، وشماله وجنوبه، فكل ما يوجد اليوم في الساحة اليمنية مما يرتبط بأجندات العدوان ليس سوى أمر طارئ، لا يحمل في أدبياته – إن كان له أدبيات – أي مشروع يحمل فيه مستقبلا مشرقا لهذا البلد، فالأقزام والأتباع وأصحاب المنطلقات العنصرية والمناطقية لا يستطيعون إلا أن يقدموا مشاريعَ جوفاء صغيرة، لا تبني فضلًا عن وطن.
الأَسَاس الرابع والأخير: هو المفهوم العام للمسؤولية، الذي لا يجعل من المسؤولية مغنمًا، ولا تشريفًا وتكريمًا، ولا مجموعة من الامتيَازات، ولا فرصة يجب الاستفادة منها، تحت قاعدة أنها إذَا فاتت لن تعود، كُـلّ هذه المفاهيم الشائعة في ثقافتنا الجمعية في الفترة الماضية يجب أن تشطب، ويحل محلها مفهوم المسؤولية التي تقف عند القيام بالتكليف في إطار السعي إلى خدمة الناس في إطار الخدمة والرحمة والقيام بالواجب، وتجريم كُـلّ منفعة شخصية من وراء هذه المسؤولية، حتى يتفرغ المسؤول لأداء أمانته، والقيام بدوره، في إطار من التكامل العام مع ما يتصل بعمله من الأعمال التي يتحمل مسؤوليته آخرون، وتأسيس هذه المفهوم للمسؤولية سوف يرفع من كفاءة الأداء، ويعزز دورها الإيجابي في الحياة العامة.
وبعد أن سرد القائد جملة الأسس التي ستكون حاكمة لمراحل التغيير الجذري أعلن عن ملامح المرحلة الأولى، والتي تسير في اتّجاهين اثنين، اتّجاه في الإصلاح الحكومي، واتّجاه في الإصلاح القضائي، ولأجل أن تنطلق عجلة التغيير الجذري، فكانت البداية بإعادة تشكيل الحكومة، لكن على أَسَاس الكفاءة وليس المحاصصة، وفي إطار الشراكة، وهذا قد يشتمل على إعادة النظر في عدد الوزارات، فضلًا عن مواصفات من يتكلف بحمل حقائبها، وبما يفضي إلى إعادة النظر في اللوائح والقوانين التي تغوص في البيروقراطية، التي تشد وتجذب كُـلّ الأنشطة الرسمية إلى الأرض الموحلة، ومن المشجع استجابة السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الدفاع الوطني، حَيثُ أعلن بعد ساعات قليلة حَـلّ الحكومة عبر المجلس السياسي الأعلى، للبدء بدراسة تشكيل الحكومة الجديدة، والتي لا بد فيها من الانطلاق بقوة على أرضية الأسس الأربعة، الشراكة الوطنية والمفهوم الإسلامي للشورى ووحدة الشعب اليمني والمفهوم العام للمسؤولية.
وأما الجانب القضائي فهو مما يشتمل على حساسية شديدة، وإصلاح القضاء يبنى عليه الحياة الرسمية والحياة العامة السليمة، ولهذا لم يؤجل السيد القائد هذا المسار إلى المرحلة الثانية، بل جعله أمرًا مستعجلًا، وحدّد لذلك مسارَين:-
المسار الأول: هو إصلاح الاختلالات القضائية الناشئة من عدد من الجوانب، سواء من بعض القوانين كقانون الإجراءات، أَو في تعامل بعض القضاة مع القضايا بلا مسؤولية، حتى بات من كُـلّ محكمة طائفة من القضايا المزمنة التي طال عليها الأمد في أروقة المحاكم، والتي حدّد السيد القائد لها أن يكون لها مسار خاص لمعالجتها.
المسار الثاني: هو في تعزيز الجسد القضائي بالكوادر المؤهلة، التي يفتقر إليها، ويعيش حالة من الضغوط في مواجهة البت في القضايا المرفوعة إليه نظرا لقلة الكوادر المؤهلة في الميدان، ووضع السيد القائد خيارات معقولة ومقبولة لهذا المسار، فيمكن الاستعانة بالعديد من علماء الشرع الإسلامي الأكفاء، وبالشخصيات الأكاديمية المتخصصة، فتحن في مرحلة تتطلب حلولا إسعافية، لا يمكن أن يكون من بينها انتظار مخرجات معهد القضاء العالي، بل يجب أن تتحَرّك القيادة في تقديم الحلول الإسعافية التي تنفذ الجسد القضائي من الكساح التام، وتعيد إليه روح الحياة، ليحيا به العدل، ويكون رادعا لكل فاسد وخائن، وأمانا لكل مخلص.
إن الملامح التي اختارها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله لانطلاق مرحلة التغيير الجذري لهي باكورة مبشرة بخير، وتبعث على التفاؤل، ولا سيما مع وعد صادق من صاحب القول السديد بأنه سيبقى في مواكبة مُستمرّة لمتابعة عملية التغيير الجذري حتى إنجاز المرحلة الأولى، ونحن – الشعب اليمني – بدورنا سنواكب ما يجري من موقع المساند، والرقيب الذي لا يجاملُ أحدًا، بل سيكون له كلمةٌ صريحةٌ في وصف مواطَن الخطأ إن وُجدت، ومباركة الخطوات التي تسير في طريقها السليم.