إحياءُ الذكرى المُحمّدية والبشائرُ الإلهية
رؤى الحمزي
بفضلٍ من الله ومِنَّتِه علينا أن أنار بصائرَنا، وهدانا من الضلال والتيه، وجعل لنا قادة يسيرون بنا إلى صراط الله المستقيم، وأحيوا ما مات فينا من أمور دين الله الكثيرة؛ عادت الروح فينا من جديد وتنفسنا العشق والولاء، وسرنا إلى دربٍ قد ضللناه؛ فتلونت الحياة بعد أن بَهُتَ لونها، وفُقدَ الشغف فيها، وتشابهتُ أيامُها فكُلها أصبحت تشبهُ بعضها، لا جديد فيها سوى الاستمرارية!
فمنا توقف عن السير في الحياة وتركها ولا أحد يعلم ما مصيره! سوى معرفتنا ببرودة أيامه، وقلة أعماله، فلم نرَ فرقاً في رحيله عن بقائه، ومنّا ما زال يعبر دربه كسابق عهده!
ولكن جاء المُنقذ وحطّم ذلك الجمود، وبيّن سبب الوجود، فجعل للحياةِ قيمتها وألزم الجميع بترك بصمته والأثر، ونبهنا من عاقبة القعود ونوّه بتوخي الحذر.
رحمةٌ من الله بنا، ومحبة وليه لنا، فحرك الأُمَّــة بحكمته وذكائه وبتوفيقٍ من الله له، جعل له وداً في قلوبنا؛ لأَنَّه ليس كأحد من قبله، فلو كان كذلك فلم نرَ أمته تزداد سنةً تلو الأُخرى، تتبعه وتستجيب له دون مقابل!
رسمَ لنا طريقاً لم نعرفه من قبل! وجعل لكل مقام مقالًا، وآتى لكل ذي حق حقَّه بدايةً: بمنهج السير على القرآن في جميع جوانب الحياة، وغرسَ في أنفسنا تقديس وتعظيم خاتم النبيين في قلوبنا وأهميّة ذلك الشعور، ووضع سيرته وأعماله نصب أعيننا للسير عليها، أمرنا بالاقتدَاء به، والسير على نهجه، والافتخار به، وتعظيمه وتعظيم عترته وَاتِّباعهم ونصرتهم.
إلى الاحتفاء بمولده الشريف وإظهار الفرحة والسرور بذكراه العطرة، واستشعاراً لكرم الله، وإحياءً لشعائر الله، وإيصال رسالة للعالم أجمع بأن لمحمدٍ أنصارًا وأمةً ها هم في اليمن؛ فنجعلهم يخافون ويحذرون من تشويهه والإساءة إليه فيحسبون لنا ألف حساب.
إنها الروحانية تنتشر في أرجاء المعمورة مُنذ بداية ربيع الأول ابتهاجاً وسروراً كما أمر قائدنا بخطاب واحد! فانطلق الكل مُنفذاً ومتجهًا دون تأخير لتحقيق المراد واستجابة للنداء، إلى أن يأتي اليوم الأكبر الذي يُستقبل فيه الملايين باستقبال يليق بهم ونراه في أبهى صورة فنرى الآيات الكثيرة في هذا الحدث الأعظم.
نرى التجهيزات العظيمة، التخطيط الحكيم، خدام رسول الله كالفراش المبثوث لا يكلون أَو يملون كُـلّ يعرف وجهته وعمله والكل مسارع لما فيه خدمة وبصمة وأثر وإنجاح لهذا اليوم العظيم دون مقابل سوى الأجر، إلّا أن ذلك التقديس لمحمدٍ في أنفسنا والطاعة للقائد وللعلم جعلنا مسيَّرين مخيرين لا مجبَرين، فتجدهم يعملون بجد.. كُـلّ واحد في عمله ومسؤوليته يبادر ويسارع، فيشع فجر الثاني عشر وترى الساحات تفوح بعبق الزهور ابتهاجاً بمولد النور، تراهم فئات مُقسمة، فتجد أنهم منذ أسبوع أَو أسابيع يجهزون وينتظرون هذا اليوم يسهرون اليل والنهار ويجدّون في إنهاء أعمالهم، ومنهم من له أشهر يُنسق ويعد، ومنهم من يتواجد من الفجر، فتراهم مجموعات كالبنيان المرصوص، عملهم واحد وغايتهم واحدة، وذلك كله لم يأتِ من فراغ، بل إنه جاء من هرم وقائد حكيم يستمد توجيهاته من الله تعالى، الذي أمر بالتوحد والتحَرّك الجماعي.
تبدأ الجيوش والأفواج تتوافد ضيوفاً في حضرة رسول الله فيستقبلونهم خدام رسول الله مرحبين مستبشرين بهم، فهؤلاء يوزعون الرياحين، وهؤلاء ينظمونهم، وهؤلاء يؤمِّنون، وهؤلاء يعدون وينسقون، وهناك الإعلاميون، وهناك الصوتيات، وهناك الكثير الكثير من التفاصيل التي نجهلها لإحيَـاء هذه الذكرى، واستجابة لهذا العلم القائد لما في ذلك رضا لله.
فنرى توفيق الله يتمم لنا جهودنا وينزل علينا رضوانه، عونه، حفظه، بركته؛ ويكافئنا بشيء يفرح قلوبنا ويبهج أفئدتنا إما قبل المولد أَو بعده، رغم أن عملنا ومبتغانا لوجهه فقط وحمداً له، لا نريد منه شيء أَو مقابل سوى الأجر، وكل ما نريده هو: أن يعلم حبنا وإخلاصنا له ومحبتنا لنبيه وطاعتنا لوليه؛ ولكنه يكافئنا من أول وهلة انطلقنا فيها لإحيَـاء هذه الذكرى.
فالحمد لله على هذا القائد الحكيم الذي يسير بنا دربًا كلّه حب لله ولرسوله وإعلاء كلمته، والحمد لله الذي جاء برسول من أنفسنا هادياً ونذيراً، والحمد لله الذي هدانا لهذا، والحمد لله الذي جعلنا من خدام محمد وآله، والحمد لله على توفيقه بإنجاح كُـلّ فعالية للمولد أَو غيرها من الفعاليات، فكل ذلك ليس بجهدنا بل برحمته وتوفيقه، والحمد لله الذي جعلنا جندًا لابن البدر نسير خلفه لمثل هذه الأمور التي فيها عزة وقوة وافتخار وعظمة وتصنيع وأنفة وقوة وهيبة أمام العالم وقربى إليه ومحبة لنبيه.