الرسولُ الأكرم محمد.. معيارُ التمييز بين الإيمان والنفاق
شهاب الرميمة
من حكمة الله وعدله أن جعل لكل شيء في هذه الدنيا معيارًا أَسَاسيًّا يصفُ الأشياءَ بما هي عليه، ويدل على حقائقها ومواصفاتها، وفي واقعنا الإيماني والديني اتباع وحب رسول الله محمد -صلى الله عليه وآله- وتوليه وتعظيمه هو معيار تمييز الإيمان من النفاق في كُـلّ عصر وحين.
فعندما نتحدث عن الرسول الأعظم محمد -صلوات الله عليه وآله-؛ كونه نعمةً ورحمةً ومعلِّماً وهادياً ومن مَنَّ الله به علينا، “لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ، إذ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أنفسهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ”، نستذكر ونحتفل بذكرى مولده إيماناً وإجلالاً وتعظيماً وتسبيحاً، “لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا”.
فمن الإيمان به عز وجل، الإيمان بخاتم الرسل محمد -صلوات الله عليه وآله- من حَيثُ الاتباع العملي والسلوكي لسيرته النبوية واستذكارها وتذكرها وإحيائها والتحَرّك بحركته القرآنية واتباعها، وهذا يبرز أثره في واقع الحياة كأَسَاس سوي ونهج مستقيم تستقيم به النفوس وتزكو بها وتسير في المواقف الصحيحة أمام القضايا الدينية والإنسانية المحقة والثبات عليها، وفق توجيهات الله والتي الأُمَّــة الإسلامية أحوج إليها في واقعها، وأهميته في عزتها وقوتها ووحدتها وثباتها حتى على مستوى التعامل ما بين أبناء الأُمَّــة وتعاملها مع أعدائها من خلال القرآن الكريم ورسوله: “مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ”، وموقفهم: “أَذِلَّةٍ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ”، وما إيماننا وفرحنا واحتفالنا بهذه الذكرى واستذكارها إلا دليل عن صدق الإيمان وصدق التولي وثبات الموقف، ونكون قد وضعنا أنفسنا في المعيار الإلهي الصحيح الذي ارتضاه الله لنا هذا من جانب.
في الجانب الآخر يكشف لنا الواقع وَتتجلى أمامنا الأحداث والمواقف ويبرز أمامنا المنافقين والذين في قلوبهم مرض والذين يسعون بكل جهد لمحو هذه الشعائر العظيمة من وجداننا وَعقيدتنا وهُــوِيَّتنا الإيمَـانية، وهذا ما نراه ونسمعه من علماء البلاط الذين استخدموا الشكل الديني المصبوغ وصدّروا لنا الفتاوى وكُتُبَ أحاديث مكذوبة عن رسول الله والتي تتنافى مع القرآن ومع الفطرة الدينية في محاربة الاحتفال بذكرى ولادة الرسول الأعظم واستذكار سيرته لفصل الأُمَّــة عن رسولها في واقعها الإيمَـاني والسلوكي وثقافته القرآنية، واستبدالها بثقافة مدلّسة مدسوسة تهدم أركانهم وتصبح أُمَّـة ضعيفة بعيدة عن “نبيها قائدها وقدوتها” فتقف المواقف الضعيفة والهزيلة أمام أعدائها.
فأفتوا بعدم جواز الاحتفال بذكرى رسول الله وتذكرها وقالوا “بدعة” وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار، وهم البدعة نفسها! وهم الضلال بعينه، وَتجدهم يدعون وَيحتفلون وتتعالى أصوات زغاريدهم وَبكل ما هو بدعة وحرام وكفر وتشبه باليهود والنصارى ومباركة لما يستهدف المبادئ والقيم والأخلاق والأعراف الدينية والقبلية ابتداءً من عيد رأس السنة “الكريسماس” وانتهاءً بما يسمونه عيد الحب؛ كونهم سماسرة الغزو الثقافي والانحطاط الأخلاقي ودعاته، معظمين سمسرتهم، مستهزئين بالدين، وهم بعيدون كُـلَّ البُعد عن الدين والإيمان، “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أولياء وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”.
بعض المكونات السياسية أَيْـضاً نراهم يحتفلون بالأعياد الوطنية! والثورات التحرّرية خاصتهم ولهم رموزهم الثورية الذين يستذكرونهم في كُـلّ مناسبة ومحفل ويحتفلون بذكرى تأسيس أحزابهم وولادة ووفاة ساستهم، وتراهم ينهقون باسم الحرية الفكرية والسياسية والعقائدية ثم يستنفرون أتباعهم ويسخرون أقلامَهم وإمْكَاناتهم الإعلامية لاستهداف ذكرى ولادة خير البرية، وقائد الثورة التحريرية في عصر الجاهلية الكبرى، ومخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الرق وَالعبودية والظلم والعنصرية إلى الحرية والكرامة، والذي أسس منهجه ورسالته مبادئ العدل والمساواة وإقامة القسط، وصان الحقوق ونبذ العنصرية، وأرسى مكارم الأخلاق وحفظ للإنسان إنسانيته وكرامته في زمن الجاهلية، مع أنه لا مقارنة بين ساستهم ورموزهم وثوراتهم! وتبعيتهم وبين قائد الأُمَّــة محمد -صلوات الله عليه وآله- والذين آمنوا معه.
ولهذا كان الرسول الأعظم هو المعيار الذي يكشف لنا الحقائق التي تميز الإيمان من النفاق ونفس الخبيث من الطيب.