هدفُ الاحتفال بالمولد النبوي
إلهام الأبيض
ثمة فرق بين استعادة التاريخ كأحداث للمعرفة المُجَـرّدة، واستعادته؛ بهَدفِ استثمار الحدث التاريخي؛ مِن أجلِ الحاضر والمستقبل، وفي هذا أخذ العبرة منه ومَـا هو قابل للاستثمار، وهي كُـلّ القيم والمبادئ والضوابط والتشريعات والتعاليم التي جاء بها رسول الله إلينا.
ليس المُراد بإحياء المولد النبوي الشريف استعادة حدث الولادة المباركة بلحظتهِ التاريخية المحدودة في الزمان والمكان، بل ما نريده هو استعادة شخصية النبي محمد -صلَى الله عليه وآله وسلم- بما يمثله من تجسيد للإسلام كله، حتى كان قرآنًا متحَرّكاً على الأرض، ومتجسداً في إنسان هو كله لله عز وجل.
إن الاحتفال وإحياء هذا الحدث التاريخي العظيم هو استثمار الإحياء لذكرى التاريخ الحاضر، وقد جعله الأنصار احتفالًا وإحياء ليس كأية الاحتفالات العادية، لقد جعلها لما يفرضه الواقع من تحديات ومتغيرات، وجعل من هذه الذكرى هي البوصلة في تحديد القيم بمعنى أن الظرف الذي تمر به الأُمَّــة يفرض علينا أن نستعيد التاريخ بطريقة فاعلة ومؤثرة في الحب والولاء والبراءة من أعداء الله وأعداء رسوله في الواقع المعاصر؛ لأَنَّ الحضور الوجداني لشخصية الرسول الكريم -صلوات الله عليه وعلى آله- لدى الأُمَّــة الإسلامية عُمُـومًا، يشكل أرضية خِصبةً لاستعادة أبعاد شخصيته بالنحو الذي يعيد إنتاج الشخصية الإسلامية التي ينبغي أن تكون حاضرة في مواجهة التحديات.
هنا اليمن أرضًا وإنساناً، شعبًا وقادةً وتعلوه القيادة الحكيمة يتميز بتفاعله الكبير مع ذكرى المولد النبوي الشريف -على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم-؛ ولأننا يمن الإيمان، يمن الأنصار، توارثنا هذا الإيمان، مبادئ حق تمسكنا بها، وأخلاق كريمة تحلى بها الشعب كُـلّ الشعب، وهذا الشعب يحمل روحًا طيبة ومحبةً وإجلالاً وتوقيراً لرسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-.
ولم تفلح جهود ومساعي القوى الظالمة الضالة المخذولة في تغيير هذه السجية الطيبة وهذا الانتماء الأصيل لهذا الشعب، إنهُ حدث تاريخي وذكرى معطاءة غنية بأهم الدروس والعبر التي تحتاج إليها الأُمَّــة اليوم، وتستفيد منها البشرية بكلها في تصحيح وضعها وإصلاح واقعها ومواجهة الأخطار بعد أن تفاقمت مشاكل البشرية بفعل قوى الطاغوت والاستكبار الضالة التي تسعى في الأرض فساداً وتملأها ظلماً وجوراً.
إن الرسالة الإلهية هي المشروع الوحيد القادر على إحداث التغيير الحقيقي للواقع البشري؛ نعم ليس هناك أي مشروع آخر، لتقديم الحلول الواقعية للبشرية؛ لأَنَّها مشروع شامل يتجه للإنسان نفسه، مشروع يصنع الوعي ويزكي النفس ويأخذ بيد الإنسان في الحياة إلى الطريق السويَّ ويهدي للتي هي أقوم، إن الارتباط بالرسول والرسالة الإلهية يجعل من دائرة الأُمَّــة تتسع وتواجه التحديات وأشد الصعوبات المتعددة، والوقوف أمام الأخطار التي تسعى دول الاستكبار أن تحيط بها كُـلّ البلدان العربية الإسلامية.
وعلى مر الزمان تُزهر اليمن في ربيع المصطفى، وتكون في أبهى صورة حلة ورونق، وتحل علينا هذا العام ذكرى المولد النبوي الشريف في ظل استمرار العدوان السعوديّ الأمريكي الإماراتي والحصار القائم من كُـلّ الجوانب الحياتية على اليمن أرضاً وإنساناً، بل دخلت دولتنا اليمن مراحل جديدة من التصعيد العسكري في جبهات العزة والكرامة، تُعبِّر عن حالة الهستيريا الناتجة عن الفشل الذريع لقوى العدوان، بالإضافة إلى كُـلّ ذلك؛ الأحداث تتصاعد على أكثر من بلد في عالمنا الإسلامي عُمُـومًا، وفي فلسطين خُصُوصاً.
ما أحوجنا أن نستفيد من عطاءات هذه المناسبة ونفحاتها المحمدية الإلهية لنزداد ثباتاً وبصيرة وإيماناً ووعياً، ونجعل منها محطة لنرتقي إلى المستوى الذي نعيش فيه عمليًّا في حالة الولاء والانتماء والاتباع لرسول الله في مواجهة التحديات والمخاطر وتحمل المسؤولية.
ليس المطلوب أن نخرج من هذه الذكرى العظيمة بشعارات وفعاليات عنوانها (لبيك يا رسول الله) بالأفواه، بل لا بُـدَّ أن تنعكس آثار هذه المناسبة على روحيتنا ونفسياتنا، منطلقة في ميادين الجهاد والإحسان والإيمان بكل جد وعزم وإخلاص ويقين وحب لله.
إن المعرفة الواعية المنطلقة والمُستمرّة في القرآن الكريم لشخصية رسول الله -محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم- تصنع في النفوس وفي الواقع تغييراً عظيماً وكبيرًا، وتخلق اندفاعة حقيقية لكل مؤمن للعمل والتضحية في سبيل الله.
إن ميلاد النبي -صلوات الله عليه وعلى آله وسلم- هو ميلاد جديد للعدل الذي أتى ليخلص الإنسان من الظلم وَالعبودية والضلال، ميلاد جديد للحرية، ميلاد للهدي السماوي الذي يسعى لإخراج الإنسان من الضلال والتيه والتبعية والعبودية لغير الله.