ميلادُ أُمَّـة محمدية
وسام الكبسي
فاضت المشاعر محبةً وإجلالاً لعظمة الرسالة ولعظمة حاملها، حَيثُ سبقت الأقدامُ قلوبًا عاشقة إلى مأوى الأفئدة وساكنها نبي الرحمة، وحلّقت الأرواح في سماءٍ متلألئة بأنوار الهداية تسابق خيوط الفجر ونسماته العليلة إلى محضر وهج النبوة في ذكراه العطرة، وصدق التولي يسبق الإعلان به تجديدًا وتخليداً بل وترسيخاً لمبدأ الولاية وتسليمًا لأمر الله وتوجيهه، وزاد جمال الحضور رؤوس كأن عليها الطير ناضرة إلى باب مدينة العلم عَلم الأُمَّــة تنهال منه ما يروي ظمأها من غدير علمه العذب الرقراق، ويشفي صدور قوم مؤمنين بالبينات من الذكر وبه يواجه الطغيان وتكالب الأعداء، ومن الهدي يهدي للتي هي أقوم، ويدمغ الباطل وكذبه وتدليسه بالبرهان الجلي الواضح، وينيرُ البصيرةَ في مواجهة الشيطان وأذنابه، ويسمو بالإنسان كمخلوق مكرم.
حضور مهيب بزخم بشري لا نظير له في ذكرى مولد النور في هذا العام كما في كُـلّ عام على نحو متميز تميز الشعب اليمني عن سائر الشعوب، تفاعله احتفاءً وابتهاجاً مع هذه الذكرى ومع هذه المناسبة العزيزة من واقع محبته لرسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ومن واقع انتماءه الأصيل لقيم ومبادئ الإسلام العظيمة والعزيزة.
إن توافد بل وتسابق جموع المحبين رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً بذلك الشكل الذي لم يتسع لعظيم محبتهم للنبي الأعظم ساحات أُعدت ولا لهيبةٍ توافد أحفاد الأنصار وقداسة مقام النبوة مجالاً يدل على تقدير وشكر نعمة الله وفضله تعالى على ما منّ به على البشرية جمعاء وعلى المسلمين حينما بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكِّيهم ويعلِّمهم الكتاب والحكمة: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).
فهتف الأنصار لبيك يا رسول الله هتافات الجند المخلصين لقائدهم وقدوتهم، هتافات تدوي عبر الزمن منذ أن رابط الأوس والخزرج ما بين عير واحد وبالتحديد في (حيلان) واستقروا فيها انتظاراً للوعد الإلهي بخاتم الأنبياء، فكان انتماؤهم للإسلام انتماء الإيمان وانتماء النصرة والجهاد، فحازوا قصب السبق في رفع راية الإسلام والنُّصرة لرسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- حينما خرج إليهم مهاجراً واستقبلوه بقضهم وقضيضهم مردّدين الأناشيد احتفالاً وابتهاجاً بقدومه إليهم، معبرين بذلك عن الوفاءِ مع الوعد الإلهي؛ فسارعوا في الاستجابة فـ(تبوؤوا الدار والإيمان)، فكانوا نِعمَ البيئة التي نبت فيها نباتُ الإسلام العظيم واللبنة الفاعلة والصلبة القوية لحمل راية الإسلام.
وهتافات أحفاد الأنصار في يمن الإيمان في ذكرى المولد النبوي الشريف إعلان عن ميلاد أُمَّـة محمدية فتيّة عازمة وبكل إصرار على حمل لواء وراية الإسلام من جديد، أُمَّـة تعشق نبيها وتعتز وتفتخر بتعاليمه الربانية وتستشعر المسؤولية المناطة بها كأمةٍ واعية ما يجعلها بحق جديرة بتحمل أعباء هذا الدين العظيم الذي يدعو لكرامة البشرية من خلال إقامة الحق والعدل والمساوة، نبعة العزة الإيمانية التي ترفض الخنوع للظلمة وتأبى الضيم والاستعباد من خلال بناء أُمَّـة قوية بحجم التحديات والظروف المحيطة، تستمد قيادتها نهج المبادئ الإسلامية الحكيمة لترسيخ الهُــوِيَّة الإيمَـانية البعيدة كُـلّ البعد عن التسلط والأطماع والارتهان لأعداء الأُمَّــة وللتدخلات الخارجية.