“طوفان الأقصى” يزلزلُ الكيانَ الصهيوني ويكشفُ طبيعةَ الاصطفافات الإقليمية والدولية
المسيرة | خاص:
استيقَظَ الكيانُ الصهيونيُّ والقوى الغربيةُ الداعمةُ له، صباح السبت، على صفعةٍ مفاجئةٍ هي الأكبرُ والأشدُّ في تأريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ عقود، حَيثُ أعلنت المقاومة الفلسطينية عن إطلاق معركة “طوفان الأقصى” باجتياح عسكري بري وبحري وجوي غير مسبوق تضمن مفاجآت حربية وتكتيكية كبرى بعثرت كُـلّ حسابات الكيان الصهيوني الراهنة والمستقبلية، وحقّق خلال ساعات قليلة نتائجَ لم تشهدها المعركة المقدَّسة منذ عام 1948، أبرزُها السيطرةُ على عدد من المستوطنات في غلاف غزة، وقتلُ وأسرُ وإصابةُ المئات من الجنود والمستوطنين الصهاينة، بينهم قياداتٌ كبيرةٌ في جيش الاحتلال، في انتصارٍ تأريخي لم يؤكّـد فحسب على حتمية زوال الكيان الإجرامي، بل أكّـد اقتراب موعد تلك النهاية التي لن تقتصر تداعياتُها على الصهاينة ورعاتهم، بل ستطال أَيْـضاً الأنظمة العملية التي كان لها موقفٌ فاضحٌ ومخزٍ إزاء المستجدات.
طوفانُ الأقصى يجرِفُ “إسرائيل”:
العمليةُ التي أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية اسم “طوفان الأقصى” جاءت رَدًّا على انتهاكات وجرائم العدوّ الصهيوني، لكنها لم تكن في حسبانه أبدًا؛ إذ أكّـدت وسائل إعلام صهيونية أن تقديرات وحسابات “تل أبيب” كلها كانت تشير إلى أن المقاومة لا تعتزم التصعيد، على أن المفاجأة لم تكن في التصعيد نفسه فحسب، بل في حجمه ونوعه، فعنوان الطوفان لم يكن مبالغة، بالنظر إلى طبيعة وحجم الاجتياح التي حدث، والذي تضمن إطلاق خمسة آلاف صاروخ دفعةً واحدةً إلى المستوطنات الصهيونية، مع إطلاق قوارب بحرية، وتنفيذ عمليات إنزال مظلي بدون طائرات، مع ضربات جوية دقيقة بالطيران المسيَّر، رافقها اقتحام بري غير مسبوق في تأريخ الصراع لمواقع العدوّ في مستوطنات غلاف غزة.
كاميرات الإعلام الحربي للمقاومة الفلسطينية ووسائل الإعلام والناشطين والمستوطنين أَيْـضاً وفَّرت تغطيةً مباشرةً للمعركة الاستثنائية، وأظهرت نجاحًا مدهشًا للمقاومة في حسم المواجهات المباشرة مع قوات العدوّ على كافة الجبهات، كما أظهرت سرعة تحَرّك قوات المقاومة في السيطرة على المستوطنات وجمع المئات من الأسرى، وأظهرت أَيْـضاً مشاهد لفرار قطعان المستوطنين بشكل جماعي وبصورة مخزية من مستوطناتهم.
ثلاث مستوطنات تم السيطرة عليها بالكامل، فيما قدَّرت مصادرُ عبرية أن عددَ قتلى الصهاينة تجاوز -حتى لحظة الكتابة- 100 قتيل، عِلمًا بأن المواجهات لا زالت مُستمرّة ولا يزال العدوُّ غيرَ قادر على الوصول إلى جميع قتلاه، أما الجرحى فتشير التقديرات الأولية إلى أنهم تجاوزا 1000 صهيوني، بينهم الكثير من الإصابات الخطرة، فيما تم أسر أعداد كبيرة من المستوطنين والجنود، بينهم قائد فرقة غزة في جيش الاحتلال الجنرال “نمرود ألوني” الذي وصل إليه مجاهدو المقاومة في منزله بإحدى المستوطنات.
هذه الأرقام التي تؤكّـد وسائل إعلام عبرية أنها لا تمثل سوى “رأس جبل الجليد”، هي إحصائيات غير مألوفة أبدًا في تأريخ مواجهات الصراع مع العدوّ الصهيوني، كما هو الحالُ مع حجمِ الحشد العسكري المقاوم الذي اجتاح المستوطناتِ والتكتيكاتِ والإمْكَاناتِ العسكريةَ التي تم بها تنفيذُ الاحتياج، وبالجُملةِ فَــإنَّ المعركة بكلها غيرُ مسبوقة، وتأريخية بكل ما للكلمة من معنى، وهو ما لم تخجل وسائلُ الإعلام العبرية من التعبير عنه بكل صراحة.
ويمكن القولُ إن الميزاتِ والنتائجَ الاستثنائيةَ المفاجئةَ لهذه المعركة تجاوزت حتى العنوان الرئيسي لها، لتدفعَ الكثيرَ، بما في ذلك المحللون والصهاينة إلى الحديث بشكل مباشر عن نهاية الكيان الصهيوني الذي بات واضحًا أن كُـلّ حساباته ومعادلاته الأمنية والاستخباراتية والقتالية، وحتى صفقاته السياسية التي سعى من خلالها لتأمين نفسه تحت عنوان “التطبيع”، ليست لها أية قيمة، ولن تساعده على البقاء، فضلًا عن توسيع نفوذه وإحكام قبضته؛ وهو ما أعاد التأكيد على حقائقَ كثيرةٍ كانت معركةُ “سيف القدس” قد ثبَّتتها، ومنها أن زوالَ “إسرائيل” بات قريبًا وممكنًا، ولا يحتاجُ بالضرورة إلى جيوشٍ كبرى وقوةٍ هائلة؛ لأَنَّ الكيانَ أضعفَ بكثير مما يتم تصويرُه.
مساندةٌ يمنيةٌ شعبيّةٌ ورسمية:
انتصاراتُ المقاومة الفلسطينية حَظِيَت بتفاعل واسع جِـدًّا إقليميًّا وعالميًّا؛ نظرًا لحجمها ونوعيتها وتأثيراتها التي ستكون تأريخية بلا شك، وقد تصدر محور المقاومة مشهد التفاعل الإيجابي مع معركة “طوفان الأقصى”، حَيثُ عبرت حركات ودول المحور بشكل واضح عن دعمها وتأييدها للفلسطينيين في التصعيد ضد الكيان الصهيوني، وُصُـولاً إلى تحرير فلسطين بالكامل.
وميَّزَ اليمنُ نفسَه في هذا التفاعل بخروج جماهيري حاشد احتضنته العاصمةُ صنعاءُ وجَّهَ رسائلَ واضحةً بالاستعداد والجاهزية لمساندة الشعب الفلسطيني في معركته بالإمْكَانات المتاحة، وذلك على وَقْعِ بيانات شُجاعة أصدرها المجلسُ السياسي الأعلى والحكومة والمكتب السياسي لأنصار الله وتصريحات لسياسيين وطنيين أكّـدت بشكل واضح على الالتزام بمساندة الشعب الفلسطيني ورفض “الحياد” والمواقف الرمادية إزاء حَقِّ الفلسطينيين في تحرير أرضهم.
وفي هذا السياق، حيَّا رئيسُ الوفد الوطني، محمد عبد السلام، المقاومة الفلسطينية وبارك لها “خوضَ معركة طوفان الأقصى ضد العدوّ الإسرائيلي بعد تماديه مدعومًا من أمريكا وأنظمة التطبيع في تدنيس الأقصى واعتقال الأسرى وارتكاب المجازر اليومية وهدم المنازل” داعياً “الشعوبَ العربية والإسلامية لمؤازرة المقاومة الفلسطينية في هذه المعركة المقدسة والفاصلة، إن شاء الله”.
وكتب عضو الوفد الوطني، عبد الملك العجري في تغريدة أن: “كل قضايا الخلاف العربي تحتمل الاجتهاد والتأويلات المتعددة، أما قضية فلسطين فأصل من أصول الأُمَّــة العربية والإسلامية لا تحتمل الاجتهاد ولا التأويل ولا المناطق الرمادية، الحق فيها واحد مع فلسطين والمقاومة ومن ليس معهم فهو مع الصهاينة وإن كان في فمه لسانٌ عربي”.
وقد تميَّزت وسائلُ إعلام محور المقاومة أَيْـضاً في تغطية المعركة وإيصالِ الصورة إلى الجماهير التي أبدت تفاعُلًا أثبت بشكل واضح أن كُـلَّ الجهود التي بذلها العدوُّ والأنظمةُ المطبِّعة لتغييبِ القضيةِ الفلسطينية عن الوعي العربي، فشلت بصورة مدوية.
مواقفُ مخزيةٌ لأنظمة التطبيع وأدواتها:
في المقابل، تبنت الكثيرُ من أنظمة الدول العربية والإسلامية موقفًا مخزيًا لم ينسجمْ مع أهميّة وقيمة الحدث، ولا حتى مع تفاعُلِ الجماهير العربية والإسلامية معه، حَيثُ أصدرت دولُ الخليج، وعلى رأسها السعوديّة بياناتٍ مهزوزةً مخجلة دعت فيها إلى “ضبطِ النفس” وَ”وقف العنف”، متجنبة التعبير عن أي دعم أَو مساندة للشعب الفلسطيني، الأمر الذي لم يعد مستغرَبًا بالنظر إلى حقيقة هرولة هذه الدول نحو التطبيع وخدمة الكيان الصهيوني والحرص على تنفيذ مشاريعه، بما في ذلك تصفية القضية الفلسطينية.
وقد انعكس هذا الموقفُ المخزي بشكل فاضح على التعاطي الإعلامي السلبي الذي التزمت به وسائلُ الإعلام الخليجية بشكل خاص إزاء المعركة، حَيثُ عمدت إلى تغييبِ انتصارات المقاومة وإنجازاتها لحساب تهديدات وتصريحات قادة الكيان الصهيوني.
والتزمت وسائلُ إعلام المرتزِقة في اليمن ونشطاؤهم بصمتٍ فاضحٍ إزاء الأحداث في فلسطين، معبِّرين من خلال ذلك وبشكل واضح عن وقوفِهم في معسكر الكيان الصهيوني؛ وهو الأمرُ الذي يكشفُ مجدّدًا حقيقةَ المشروع الذي يتحَرّكون فيه، وزيفَ كُـلِّ العناوين الوطنية والإنسانية التي يرفعونها لتضليلِ الرأي العام.