“طوفانُ الأقصى” يَجرِفُ “إسرائيل”
منتصر الجلي
لطالما وقف أبناء الأُمَّــة على أطلال القضية، وقف عليها الآباء والأجداد، توارثوها جيلاً عن جيل، في انتظار لحظة التحرير وشعلة النصر.
مراحل مختلفة ظلت فيها القضية الفلسطينية تحت أدراج الطاولات السياسية، أَو حبيسة مغالقها، وهناك المواطن الفلسطيني ينتظر أبناء جلدته من العرب، خلف الأسوار وفوق أسطح المنازل، ينظر للبحر الأبيض أَو ما خلف الحدود، وكلما غابت الشمس صنع أملاً جديدًا منعدم البأس، وهكذا مرت العقود من السنوات، والمحتلّ الإسرائيلي يزيد عبثاً في التدمير وتهجير الأهالي وهدم المنازل، وتوسيع المستوطنات، واعتقال الشباب الفلسطيني، ومع ذلك بقيت الأصالة وروح المقاومة تكبر يوماً تلو يوم في داخل الأطفال، فصاروا كباراً وكبرت معهم المسؤولية، عشقوا التحرّر وما وهنوا أَو ذلوا.
اعتقد الكيان الإسرائيلي أنه يعايش جيل الـ45و48، غير مُدركٍ ما تصنعه آلام من رجال سيجعلونه يندم على كُـلّ استباحة دم وهتك عرض وتدنيس الأرض.
طبعت الأنظمة، وتهاوت صحائفها للغدة السرطانية تنشد السلام، وتأمل العلاقة الحميمة مع العدوّ، عدا القليل الذين لزموا موقفاً حراً وحملوا هم القضية وأبناء فلسطين.
إلى أن جاء يوم التحرّر، فإذا الأرض تخرج أثقالها، والسماء تسقط رجالها، فأصبح العدوّ الصهيوني بين مآلات لا يعلم مَا الذي يدور ومن أين جاؤوا، فإذا هم رجال من سجِّيل، بأس شديد وتضحية عشاق الشهادة، تساقطت المستوطنات فإذا هم يهربون ويُقتلون ويُؤسَرون، فقط دخل الأبطال عليهم الباب وتجاوزا حصوناً وموانع، فكانت الطامة الكبرى على رأس الكيان الإسرائيلي، مشهد فقدته أجيال مضت وهي تنتظر متى ترى العربي يدوس اليهودي، ويأسره ويحرق مدرعاته، ليست أُسطورة بل هو العون الإلهي والعزيمة الحقيقية في الإرادَة والحرية.
على جانب آخر تهاوى ذباب التطبيع وسعت الأنظمة العربية على غير الطريق، بين مندّد وحزين، وبين من دس رأسه في التراب وكأن الأمر لا يعنيه.
درجة بأسه من ردة الفعل العربية لدى أنظمة بعض الدول، في ما رأى البعض الآخر انتصاراً عظيماً ومرحلة تأسيسية، لمواجهة العدوّ، وأن هزيمة الكيان المحتلّ ممكنة ووشيكة، خرجت الشعوب العربية مباركة للعملية الكبرى “طوفان الأقصى” بدءًا بصنعاء وانتهاء بغيرها من الشعوب الحرة.
مرحلة فصلت بين ماضٍ من المآسي والتعذيب والجرائم الإسرائيلية، وبين حاضرٍ تجلى فيه وجه الصباح وتحقّق النصر وجاء المقاتلون يحملون الإرادَة والثقة بالله سبحانه، فكان حقاً عليه أن مكنهم ونصرهم.
طوفان الأقصى، معركة فتحت المقاومة أبواب جحيمها على الاحتلال، وهنا نستشف من ذلك دروس كثيرة أَولها للعدو: أن زمن الهزائم ذهب ولن يعود، وثانيها لأنظمة التطبيع: أن رجال المقاومة وأبناء فلسطين وأحرار الأُمَّــة لن يقبلوا بتلك المعادلة التي تفرضونها، وأن القضية الفلسطينية حية مُستمرّة، باقية ما بقي أحرارها.
على واقع المجتمع الدولي، تخرج أمريكا مساندة لكيان الاحتلال وتخرج دول غربية أُخرى كذلك، ونرى النكسة العربية الإسلامية الذين يندّدون ويلومون المقاومة والأبطال عن هذا العمل البطولي، مفارقات لن تطوى من النسيان وخَاصَّة الفلسطينيون الذين بذروا وزرعوا لهذا اليوم حتى صار يوماً فتياً من أَيَّـام الانتصارات الكبرى، فإذا كهولة العرب يأنفون الزرع ويشتمون النتيجة، شتمهم الله وأخزى وجوههم.
فيما نرى قبلة الأبطال صنعاء المقدسة مُساندة ومؤيدة على مستوى الجانب الرسمي والشعبي، تتجلى في الموقف أهميّة التحرّر من الوصاية، وامتلاك سيادة القرار وهذا يرسم الحرية على وجوه أبناء شعبنا.
طوفان الأقصى، قصة من حكاية الصبر الطويل والأمل الكبير والانتصار المحتوم، قصة انتظرتها الشعوب لعقود من الزمان، وهَـا هي تشرق مع أُكتوبر بوجهها المشرق، تصنع ابتسامة العودة، وسعادة الدنيا والآخر.