7 سنوات على جريمة قصف “القاعة الكبرى” بصنعاء أوجاعُ اليمن لا تُنسى
المسيرة: محمد ناصر حتروش:
تظلُّ جريمةُ العدوان الأمريكي السعوديّ بقصف القاعة الكبرى بصنعاء، يوم الثامن من أُكتوبر 2016م، واحدةً من أكبر الجرائم التي لا تزال عالقة في أذهان الشعب اليمني، ولا يمكن نسيانها مهما طال الزمن أَو قصر.
تفاصيل ما حدث كان مروعاً جِـدًّا، فالطيران الغادر، اختار مكان وزمان الجريمة بدقة متناهية، حَيثُ حدّد القاعة الكبرى أثناء اكتظاظها بالمدنيين الذين حضروا لتقديم واجب العزاء في وفاة الشيخ علي بن علي الرويشان، والد نائب رئيس الوزراء للشؤون الأمنية جلال الرويشان، وبينما كان الحاضرون يقرأون الفاتحةَ على روح الفقيد، بات اليمنيون يقرأون الفاتحة على أرواح الكثير ممن حضروا، ولا يزال اليمنيون -إلى الآن وعلى الرغم من مرور 7 سنوات من الحادثة الإجرامية- مكلومين ومصدومين مما حدث.
في تلك الفاجعة استشهد وأُصيب أكثرُ من ألف مواطن بينهم قياداتٌ عسكرية رفيعة ومسؤولون كبار، وعلى رأسهم أمين العاصمة السابق عبد القادر علي هلال، وعدد من الأطفال والشباب، بعضهم في مقتبَلِ العمر.. لقد عَمَّ الحزنُ أرجاءَ الوطن، وامتلأت القاعة بالدماء والأشلاء المتنافرة للضحايا، وارتفع بكاء الأطفال والرجال، في مشهد إجرامي لا يمكن أن يمحى من ذاكرة اليمنيين، وسيظل وصمة عار في جبين العدوان.
سلاحٌ أمريكي:
وتعد هذه الجريمة واحدة من أبرز الشواهد على الحضور الأمريكي وبصماته الواضحة فيها، فقد استخدم فيها سلاح أمريكي بحسب ما أكّـدته منظمة هيومن رايتس ووتش، والتي قالت إن السلاح المستخدم في قصف القاعة الكبرى هو أمريكي الصنع ومن نوع (Paveway ll GBU-12) بوزن 225 كيلوغراماً موجَّهة بالليزر نوع MK82، مشيرة إلى أنها جريمة حرب متكاملة الأركان وفقاً للقانون الدولي الإنساني.
وعلى الرغم من إقرار قوى العدوان بارتكاب الجريمة إلا أنها لم تتخذ أية إجراءات للمساءلة والعقاب لقادة ومسؤولي التحالف وفقاً للقانون الدولي، وكذا لم يحصل أهالي الضحايا على أية تعويضات رغم وعود تحالف العدوان بذلك.
وفي هذا السياق يؤكّـد وزير حقوق الإنسان في حكومة تصريف الأعمال، علي الديلمي، أن “تلك الفاجعة التي حرص تحالف العدوان منذ اللحظات الأولى على السكوت والتنكر للجريمة إلَّا أن بعض المؤشرات والأدلة أجبرته على الاعتراف بها”.
ويوضح في حديث خاص لـ “المسيرة” أن “أعداء الوطن والمنافقين حاولوا إلصاق جريمة قصف القاعة الكبرى بحكومة الإنقاذ الوطني”، مبينًا ظهور سقف عالٍ جِـدًّا في الاتّهامات وفي ترويج الأكاذيب والشائعات ضد حكومة صنعاء، غير أنه وبعد وضوح الحقيقة خفتت جميعُ الأصوات ومن ضمنها صوت المنظمات الحقوقية، كما خفت صوتُ الأمم المتحدة بمختلف أجهزتها وَخفت صوت الأمين العام للأمم المتحدة، وَكذلك المجتمع الدولي، والذي تعامل معها وكأنها ليست جريمة إبادة جماعية، وليست جريمة من جرائم المحكمة الجنائية الدولية.
ويقول الديلمي: “كان من المفترَضِ في هذه الحالات وبالذات في هذه الجريمة أن تحالَ إلى مجلس الأمن ليقوم بشكل نهائي بتحويلها إلى المحكمة الجنائية الدولية وذلك كون تلك المهام من صميم اختصاصه”، مؤكّـداً أن “الأمم المتحدة لم تقم بإنشاء لجنة دولية للتحقيق بالرغم من اعتراف الجاني وارتكابه للجريمة بسلاح أمريكي والتي يثبت وضوح الجريمة واكتمال أركان الجريمة”.
ويضيف أنه “وعلى الرغم من اكتمال أركان الجريمة واعتراف تحالف العدوان بالحادثة إلَّا أن محكمة الجنايات الدولية لم تقم بأية إجراءات عقابية كإدخَال تحالف العدوان ضمن القائمة السوداء أَو منع تصدير الأسلحة لتلك الدول المجرمة”.
ويشير الديلمي إلى أن “المنظمات الحقوقية التزمت بالصمت رغم تعرّي الجاني؛ الأمر الذي يثبت كيل المنظمات الحقوقية بمكيالين وبما يسهم في شرعنة الأعمال الإجرامية لدول تحالف العدوان”، لافتاً إلى أن “جريمة قصف القاعة الكبرى أصبحت ضمن الجرائم المنسية لدى أجندة دول العدوان ومنسية في أروقة الأمم المتحدة ومنسية لدى المنظمات الدولية”، مستدركاً بالقول: “ومع ذلك تظل تلك الجريمة عالقة في أذهان كافة الشعب اليمني وقيادته الثورية ممثلة بقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- وكذا القيادة السياسية ممثلة بالرئيس مهدي المشاط”.
ويؤكّـد الديلمي أن “ملف جريمة قصف القاعة الكبرى أصبح مكتملاً في مكتب النائب العام وأن إعداد الملف جاء وفق الآليات ووفق المعايير الدولية”، موضحًا أنه “سيتم إعداد محاكمة في اليمن لمن قاموا بارتكاب تلك الجريمة البشعة وذلك كون العالم متواطئ بشكل كامل مع دول العدوان”.
ويلفت الديلمي إلى أن “وزارة حقوق الإنسان وثقت تلك الجريمة وتحدثت عنها في أكثر من مناسبة، وأنه يتم التذكير بها بشكل كامل ومُستمرّ”، منوِّهًا إلى أن “الوزارة أعدت تقاريرَ لجريمة القاعة الكبرى وغيرها من الجرائم المرتكبة بحق المدنيين والأطفال وأن التقرير صيغ وفق المعايير الدولية”.
ويختم الديلمي حديثه بالقول: “نعرف جميعاً بأن الآليات الدولية للأسف الشديد تخدم الاستعمار، وآليات معقدة، وآليات مسيّسة، وآليات تهدف بالدرجة الأَسَاسية إلى خدمة الدول الكبرى ضد الدول المعارضة لدول الاستكبار العالمي”.
جريمةٌ عالقةٌ في الأذهان:
من جهته يقول رئيس منظمة إنسان للحقوق والحريات، أمير الدين جحاف: إن “جرائم العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن تنوعت وتعددت، غير أن جريمة قصف القاعة الكبرى تعد من الجرائم الأبشع خلال هذا العقد من الزمن”.
ويضيف أنه “بالإمْكَان اعتبار الجرائم السعوديّة بحق المدنيين جرائم حرب بشعة لا تمت للقيم الإنسانية والأخلاقية بأية صلة”، مؤكّـداً أن “جريمة قصف القاعة الكبرى ارتكبت من قبل طيران تحالف العدوان السعوديّ الأمريكي الغاشم بشكل متعمد لاستهداف المدنيين والأطفال والأبرياء”.
ويشير إلى أنه “في هذه الجريمة البشعة استشهد مئة وثلاثة وتسعون مدنياً، بينهم ثلاثة وثلاثون طفلاً، وثمانمِئة وتسعون جريحاً، بينهم أربعون طفلاً”، لافتاً إلى أن “هذه الجريمة تصنف ضمن أبشع الجرائم، بل وترقى إلى جرائم الإبادة التي ترتكب بحق الإنسان، وأنه لا يمكن أن تسقط بالتقادم، وستبقى راسخة في أذهان اليمنيين”.
وعن الدور الحقوقي يؤكّـد أمير الدين جحاف بالقول: “أما كدورنا نحن كمنظمات حقوقية تهتم بهذا الجانب، فهذه الجريمة مرصودة ليست فقط للمنظمات المحلية، بل لدى المنظمات الدولية، وتعتبر وصمة عار في جبين النظام السعوديّ الذي لم يترك شيئاً في هذا البلد إلَّا واستهدفه ودمّـره”.
ويوضح أن “جرائم النظام السعوديّ بحق المدنيين اليمنيين سوف تأخذ مجراها بعد الانتهاء من العدوان والحصار المفروض على الشعب اليمني منذ تسع سنوات”، مؤكّـداً أن “الأسر التي فقدت أحبابها والأطفال الذين يُتموا؛ بسَببِ جرائم تحالف العدوان سوف تصل إلى المحاكم الدولية والمحاكم الإقليمية لينال المجرمون الجزاء العادل نظيرَ جرائمهم”، لافتاً إلى أن “المال السعوديّ أسهم بشكل فعال في تكميم الأفواه وصمت المنظمات الحقوقية ومن ضمنها الأمم المتحدة والتي ظلت محايدة أمام غالبية الجرائم المرتكبة في اليمن”.
وعلى مدى تسع سنوات مضت من العدوان الأمريكي السعوديّ الغاشم على بلادنا تعاملت الأمم المتحدة بصمت مريب إزاء مئات الجرائم.
ويقول مدير مركز عين الإنسانية، أحمد أبو حمراء، بأنهم وثقوا؛ باعتبارهم منظَّمةً حقوقيةً جريمة القاعة الكبرى وغيرها من الجرائم بالأدلة والوثائق وشهادات شهود العيان.
ويضيف أنه “كما قمنا بتزويد عدد من المنظمات والناشطين في المجال الحقوقي بالتقارير الحقوقية التي تدين التحالف السعوديّ وتثبت ارتكابه لجرائم حرب ضد الإنسانية وسنستمر في العمل على إيصال مظلومية الشعب اليمني إلى كُـلّ العالم وفضح مرتكبي الجرائم من أعداء الإنسانية”.