لـ “بيت العنكبوت” وعناكبِ التطبيع: “طوفانُ الأقصى” بدايةُ وعدِ الآخرة
شهاب الرميمة
قال تعالى في محكم آياته: (فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْـمُؤْمِنِينَ).
على حين غِرة من الزمن وبعد ليلة صاخبة بالسكر والنشوة في احتفالات ينظمها اليهود ضمن طقوسهم وغطرستهم الاستفزازية داخل المستوطنات المغصوبة في غلاف غزة، مستوطنات ظن غاصبوها أن أصحابها قد نسوها ولم يعودوا يفكرون باستعادة كُـلّ شبر فيها، وهم وبكل ثقه يعتبرون أنها قد أصبحت جزءاً من أرضهم الموعودة حَــدّ تعبيرهم، وركونها إلى قوات صهيونية مدججة بكل أنواع الأسلحة الرادعة والقدرات التكنولوجية المتطورة من منظومات الرصد وأجهزة الإنذار المبكر ناهيك عن جهاز الاستخبارات العسكرية والمعلومات التي يرصدها وتصل إليه عبر أدواته وَعملائه، بالإضافة إلى وجود جدار فاصل وَسياج منيع، حصون مشيدة ظنوا أنها مانعتهم من الله وجنوده وأنهم في أمان دائم.
وفي صباح سبتهم الأسود وعلى حين غفلة يجدون أنفسهم وسط طوفان الأقصى المباغت فصعق من هول المشهد وشدة الصدمة جنود وغاصبون، ضربت عليهم الذلة والمسكنة، جيش وحصون كانت أوهن من بيت العنكبوت تحت أقدام المجاهدين من أبناء المقاومة الإسلامية بكل وحداتها وفصائلها.
الصدمة واقعها أكبر من أن يستوعبها العدوّ وقاداته وسلطاته وحكومته وجيشه أفراداً وجماعات، جنوداً ومجندات بين قتيل وأسير وهارب، لجيش وصف نفسه بأنه “الجيش الذي لا يُقهر”.
رأيناه يتقهقر ويقهر في عملية نوعية خاطفة وتكتيك عسكري مدروس وتنظيم متناغم وتنسيق موحد أظهر وحدة فصائل المقاومة وتعاونها، وهذا بحد ذاته انتصار كبير، فاجأ العدوّ الإسرائيلي الذي أثبت غباءه، خسر الورقة المهمة التي طالما سعى إلى إحداث شرخ في وحدة المقاومة وراهن على انقسام فصائلها.
عملية طوفان الأقصى المباغتة كسرت القواعد العسكرية الكبيرة وأظهرت هشاشة الاستخبارات العسكرية للكيان الغاصب وعرت قوة الجيش الصهيوني وأربكته من هول الطوفان الذي جرفه وبعثر كيانه.
قتلى وأسرى بالمئات للجنود وقاداته، هروب جماعي للمستوطنين الغاصبين، رعب وفزع، خوف، ذلة ومسكنة، برزت للعلن وبانت للحلفاء والمطبعين، وظهر الكيان بصورته الحقيقية ضعيفاً هشاً، محطماً، تحطمت آماله ودمّـرت أحلامه الوهمية في قيام دولة صهيونية يهودية غاصبة عاصمتها القدس.
صوت الطوفان كان له صداه في أرجاء المعمورة بكلها، وأحدث هزة داخل أروقة قصور الأعراب “الحكومات المطبعة” وأرق مضاجع قاطنيها ونثر حساباتهم وخلط أوراقهم؛ وهم يرون طوفان الأقصى ومعهم محور المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان واليمن والعراق وإيران ومن معهم من أحرار الأُمَّــة يحدقون بأعينهم بنظرات استحقار نحو عناكب التطبيع “الحكومات المطبعة” ودعاته وسماسرته ومسوِّقي التهويد، ومن الشعوب الحرة أصوات نحوهم مفادها جلبتم لأنفسكم الخزي والعار وتصدركم مشهد الخيانة للقضية العربية والإسلامية.
وركنتم إلى ضعيف وأسندتم ظهوركم إلى قشة جوفاء جرفها الطوفان في أول تحَرّكه.
عملية طوفان الأقصى المباركة والعظيمة للمعركة الأُسطورية والبطولية التي سطرها أبناء المقاومة في غلاف غزة، والمشاهد التي شاهدناها وشهدها العالم، وشهدها العدوّ بنفسه وعاش واقعها ما هي إلَّا رسالة واضحة، مفادها أن القضية مصيرية وراسخة في الأجيال وتسير في دماء الأحرار، المعركة واحدة، الهدف منشود، العزم لا يلين، الإعداد والتجهيز يسير على قدم وساق، التحَرّك والجهاد هو الأَسَاس، والتصديق بوعد الله بالنصر المبين والفتح العظيم، كان الوعد وإن جندنا لهم الغالبون.. والمعركة عنوانها “وعد الآخرة” لمحور الحق محور المقاومة في قادم الأيّام وَالتي لمع برقها في معركة سيف القدس وبأسها في طوفان الأقصى.
وأذان من الله بالنصر والغلبة على بني إسرائيل، وتوعدهم وحدّد مصيرهم في وعد الآخرة بقوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبيراً (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاْسُوْا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا).
إلى قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْـمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أول مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا).
وعد الآخرة كانت في صدق آياته ووعيده، تجلى في طوفان الأقصى، “فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِـمُونَ”، اليهود ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله، وعلى أيدي جنوده أسبتوا سبتهم الأسود بعد سبات، أذلة، صاغرين، يساقون بين أسير مصدوم وقتيل قتله خوفُه قبل قتله وآخر مفزوعٍ فر كالفار، لم تكن حصونُهم التي ظنوها مانعتَهم من الله شيئًا إلا واهية، كما أسلحتهم وآلياتهم، وقواعدهم العسكرية كانت أوهن من بيت العنكبوت.